فيما يبدو على أنه صحوة لمن تبقى من العرب، إزاء وعي مدى أهمية الارتباط الوثيق بين القضية الفلسطينية، والمحافظة على وحدة واستقرار ومصالح الكيانات العربية التي لم يجتاحها الحريق بعد، يبدو أن الوضع الفلسطيني ينزلق أكثر فأكثر نحو الفوضى والمزيد من الخلافات والانقسامات والضعف. لم يتعلم الفلسطينيون، لا من دروس تجربتهم الخاصة، ولا من دروس التجربة العربية، فلقد بدأ الانقسام والاحتراب وسفك الدم قبل أن تبدأ النار تشتعل في هشيم المنطقة العربية، وتطيح بكيانات وتهدد وحداتها الإقليمية بكل أنواع وأشكال الصراعات والخلافات العميقة.
فلسطين جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، فإذا كانت هذه حقيقة لا جدال فيها، فإنها بالتأكيد ستصاب اليوم أو غدا بذات أعراض المرض الذي يصيب مكونات الأمة، لكن الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومن أجل انتزاع حقوقه، ينبغي ان يحقق كثيرا من أعراض المرض على الجسم الفلسطيني، فإذا كان الأمر ليس كذلك فإن الفلسطينيين يتحملون المسؤولية عما يحل بهم.
الرباعية العربية التي اجتمعت هذا الأسبوع، وهي المكلفة متابعة الشأن الفلسطيني، وتختلف مكوناتها عن الرباعية العربية الجديدة التي قدمت خارطة طريق قبل أسابيع قليلة، أقرت التوجه إلى مجلس الأمن الدولي للتحرك على ثلاثة مفاصل من العيار الثقيل.
المفصل الأول يتعلق بمشروع قرار بشأن الاستيطان، والثاني بشأن رفع مكانة فلسطين في المنظمة الدولية إلى مكانة دولة كاملة العضوية، أما الثالث فيركز على أن يكون عام 2017 عام إنهاء الاحتلال، وذلك استجابة لنداء تضمنه خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر المنصرم.
السؤال هنا حول جاهزية وأهلية الوضع الفلسطيني، بما هو عليه اليوم، لكي يكون رافعة قوية نحو تبرير وإسناد جبهة الرباعية العربية، وكيف يمكن للمجتمع الدول أن يسمع الصوت الفلسطيني الباهت، الضعيف، الذي تنخره الانقسامات والخلافات وتزداد فيه مظاهر الفوضى، وتتعمق فيه كل أشكال الانقسام؟
الحال الفلسطيني لم يكن في أي وقت منذ اندلاع الثورة أسوأ مما هو عليه الحال اليوم. لا يتمكن الفلسطينيون من إجراء الانتخابات المحلية كاستحقاق قانوني وموضوعي، فيكون ذلك سببا وذريعة لتعميق أزمة الثقة، وتبديد كل أمل في المصالحة واندلاع معركة الاتهامات والاتهامات المقابلة باستخدام لغة لا تراعي ابسط قواعد ومبادئ أدب الحوار السياسي حتى بين الأعداء. يتلو ذلك مشاركة وفد فلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس في مراسم تأبين الصهيوني شمعون بيريس، فتهب العواصف قوية ومليئة بغبار يعمي العيون ويملأ الحناجر، تخرج الأصوات المنددة، من كل اتجاه بما في ذلك من شبيبة فتح الطلابية في جامعة بيرزيت، ومن بعض مسؤولي الحركة، وتتردد في أنحاء مختلفة المطالبة برحيل الرئيس عباس.
خالدة جرار عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وشباب مخيم بلاطة، و"شبيبة فتح في بيرزيت" وشبيبة حزب الشعب، كل هؤلاء عدا كثيرين من رواد شبكة التواصل الاجتماعي، وعدا الصامتين، يرددون ذات المطلب.
أما الدكتور محمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك.
لا تتوقف المواجهات بين أجهزة الأمن، ومن تعتبرهم خارجين عن القانون في عدد من المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة، ويسقط جراء ذلك ضحايا بين الطرفين ـ وبشكل عام فإن الفهم والسلوك الأمني الذي يطغى على المصالحات السياسية، والمجتمعية والفصائلية، يخلق حالة من التوتر الشديد، ويستدرج الكثير من أشكال ودوافع الفوضى والفلتان، ما يذكر الجميع بالأوضاع التي سبقت انقلاب حركة حماس في قطاع غزة، ولكن بدون جهة تسعى وراء انقلابات في الضفة.
يغيب الحوار، ليفسح المجال لمزيد من قمع الحريات وإخراس الأصوات المعارضة، وسط توترات سياسية صعبة بين الفصائل خصوصا بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ما ينذر بأن يتحول الانقسام المعروف بين فتح وحماس إلى انقسامات تصل إلى داخل الفصائل.
ما يلفت النظر، هو البيان الذي صدر عن حركة فتح، ردا على كل ما جاء من ردود فعل على العديد من الأحداث والتطورات، يستخدم لغة ومفردات، لم يسبق لحركة فتح في تاريخها الطويل ان استخدمته، حتى في أصعب مراحل الخلاف والانقسام السياسي.
الساحة الفلسطينية مرت بمحطات شديدة الصعوبة قبل أوسلو، وحين تم توقيع اتفاقية أوسلو، لكن حركة فتح لم تسجل على نفسها ان تلوح باستخدام القوة والتهديد والقمع ضد فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية.
مطلوب من حركة فتح أب وأم المشروع الوطني الفلسطيني، أن تسحب ذلك البيان، ومطلوب من الجميع أن يحكموا العقل وأن يتبصروا مآلات الوضع فيما لو استمرت الأمور على ما شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية، والتي إن استمرت لا قدر الله، فإنها ستطيح بالكل، وقبل ذلك ستطيح بأحلام الشعب الكبيرة منها والصغيرة.