هل يمكن أن نطلق عليها «انتفاضة» الأسرى؟ نعم، هي كذلك بمعنى أنها:
- فعل جماهيري تبادر إليه وتحدد مساره جمهرة الأسرى وراء قضبان سجون الاحتلال، يجد تجاوبا إجماعيا من الجماهير الفلسطينية في الوطن وفي الشتات، ومن الجماهير العربية أيضا، وتسقط على أعتابه كل مظاهر الفرقة والانقسام.
- فعل نضال وطني من أجل قضية وطنية عادلة تقر بحقوقها كل الشرائع الدولية، وقبلها الإنسانية. - فعل لا يقوم على قرار رسمي من أي جهة. حرّ من أي قيد سلطوي أو قرار او حتى توجيه. لا مقرر له ولا موجه إلا مصلحة الأسرى وحقوقهم.
- فعل يسلط الضوء على ظُلامة من ظلامات العدو التي لا تعد ولا تحصى، ويستجلب تضامنا وتأييدا إقليميا ودوليا، كما يستجلب استنكارا وإدانة لدولة الاحتلال الصهيوني.
- فعل ينتشر ويتمدد ويستقبل في كل يوم منخرطين جددا، يقاتلون العدو بجوعهم وبقدرتهم الخارقة على الإصرار والصبر، وعلى الانتصار أو الاستشهاد.
- وهو ينتشر ويتمدد في الحالة الجماهيرية النضالية، التي تزداد زخما وفاعلية، خارج السجون في كل مناطق الوطن الفلسطيني وخارجها، ومن كل القوى والاتجاهات والناس العاديين، وتعبر عن نفسها بفعاليات متنوعة تعلن الدعم والإسناد والمشاركة، وتصل حد إعلان عدد متزايد من الأهل والمؤيدين الإضرابَ عن الطعام مشاركة للمضربين في السجون. البداية جاءت من المناضل الأسير بلال الكايد، ابن عصيرة الشمالية التي تنام خلف كتف جبل نابلس الشمالي، جبل عيبال.
هل كان يمكن لأسير بنضالية بلال ورجولته وانتمائه أن يستكين لهذا المستوى من القهر والصلف والعدوانية الفاشية ومحاولة الإذلال، وأن يذعن لقرار دولة الاحتلال اعتقاله إداريا في اليوم نفسه الذي يستعد لمغادرة السجن وملاقاة الحرية وأحضان الأهل والرفاق والأحبة، بعد ان أنهى محكومية امتدت لأربعة عشر عاما ونصف العام؟ هذه الانتفاضة تأتي على أكتاف نضالات طويلة وتقاليد رسختها الحركة الأسيرة بالمعاناة والجوع والصبر والإصرار والشهداء على امتداد عشرات السنين، وتأتي من باب الوفاء لكل المبادئ والقيم التي كرستها نضالات الحركة الأسيرة، ولأرواح وأمراض وعاهات مئات من الأسرى.
بلال الكايد ليس الأول ولن يكون الأخير في معارك الإضراب عن الطعام، سبقه إليها وخاض غمارها بشرف ورجولة الكثيرون، ولا تزال أسماء مثل سامر العيساوي وخضر عدنان حية في ذاكرة السنوات القريبة، خاضا إضرابهما عن الطعام برجولة وإصرار وصمود بطولي، ونالا ما يناله الكايد الآن من دعم وإسناد ومشاركة، خضع السجان لمطالبهم وانتصروا عليه، وحققوا مطالبهم التي قاموا بإضرابهم من أجلها. وإذا كان من عنوان يفرض نفسه على هذه الانتفاضة فهو عنوان « مقاومة الاعتقال الإداري»، والنضال من أجل إسقاطه كإجراء اعتقالي ومن أجل إلغائه بعد أن غاص في لحوم مناضلينا وفي أعمارهم. والعنوان جامع، لأن الكل اختبر أذاه وفاشيته.
ويأتي رفع هذا الشعار في توقيت بدأت فيه دولة الاحتلال في سن ما يلزم من قرارات وقوانين لشرعنة الاعتقال الإداري، بعد أن ظلت طوال عمرها تمارسه كإجراء موروث من الاحتلال البريطاني يطلق يدها في الاعتقال دون مسوغات قانونية ودون أحكام، ويطلقها في تجديد الاعتقال لفترات متتالية وصلت لسنوات في كثير من الحالات، دون أن ترى نفسها مضطرة لشرعنة هذا الإجراء، ووضع أي حدود أو ضوابط ومحددات له.
ما زال شرف الريادة في الإضراب عن الطعام معقودا لأسرى الجبهة الشعبية. إن ذلك بقدر ما يعيد تأكيد تاريخ مجيد للجبهة الشعبية في المواقف الريادية في أكثر من عنوان ومجال، وأكثر من مناسبة ومنعطف وطني نضالي، في إطار وحدة النضال ووحدة الهدف ووحدة الأداة النضالية، فإن استمرار الإضراب واتساعه وتطوره يفتح الباب لاحتمال شبه أكيد لانضمام مناضلين أسرى من التنظيمات الأخرى إلى الإضراب في التوقيت المناسب، أو إلى القيام بفعاليات أُخرى تسند الإضراب بشكل عملي ومؤثر.
انضمام الرفيق أحمد سعادات، الأمين العام للجبهة الشعبية، للإضراب عن الطعام جاء محملا بمعان ودلالات شديدة الغنى. إن موقفه هذا هو استمرار لمواقف مناضلين عظماء في الجبهة الشعبية وفي التنظيمات الأخرى، يختزن في روحه وفكره وإرادته خصالهم الأساسية النضالية والقيادية والأخلاقية، ومعها الشجاعة. كقائد حقيقي لم يكن ممكنا للرفيق سعادات أن يجد نفسه وموقعه ودوره إلا مع المناضلين المضربين عن الطعام يشاركهم جوعهم وإصرارهم ومطالبهم، ويقود معركتهم دونما حساب للصحة والعمر والموقع، وقد أعطى بذلك المثل والقدوة عن دور القيادي وموقعه، في ساحات النضال على تنوعها.
وانضمام الرفيق سعادات للإضراب عن الطعام أعطى إضافة إلى ما تقدم زخما إضافيا مهما لانتفاضة الأسرى، بحكم موقعه التراتبي في القيادة الفلسطينية الأولى وبحكم عضويته في المجلس التشريعي.
إن تجربة وخبرة الحركة الأسيرة وغناها وقيادتها الحكيمة، قادرة على الحفاظ على اتجاه الانتفاضة دوما نحو المطالب الموحدة والنضال الموحد لانتزاعها، وقادرة أيضا على حمايتها من مناورات سلطات الاعتقال، التي قد تلتقط مطالب ثانوية، أو ليست ذات أولوية بالمقارنة مع مطالب المضربين عن الطعام، يطالب بها بعض المعتقلين في توقيت غير محسوب بدقة، فتسارع إلى تلبيتها، في مسعى منها لإضعاف وحدة موقف انتفاضة الأسرى والتشويش على مطالبها الأهم وعلى وحدة هذه المطالب، ولتظهر للعالم أنها تتجاوب مع المطالب المعقولة والمحقة للأسرى. انتفاضة الأسرى إلى تصاعد.. وإلى انتصار.
الأيام الفلسطينية