كتاب عربي 21

وبذلك فليفرحوا (1): على هامش انقلاب الثالث من يوليو..

طارق أوشن
1300x600
1300x600
 كانت جمهورية بامبوزيا مثالا يحتذى به في تداول السلطة خصوصا بعد "موقعة الصينية المجيدة" (إطلاق رصاص على الرئيس من مسدس كان مخبأ داخل صينية الشاي) التي تولى بعدها الرئيس شنن الجيوش قيادة الشعب البامبوزي البطل. ونعمت بامبوزيا بالأمن والاستقرار بفضل قراراته الحكيمة وأهمها منع أي حد من الدخول عليه وهو شايل "صينية". وصار شنن على نهج القادة العظماء المصلحين (على الحائط نستعرض صورا لهتلر وموسوليني).

كان هذا المشهد الافتتاحي لفيلم (الديكتاتور- 2009) للمخرج إيهاب لمعي، وهو إن كان في عمومه معبرا عن حالة ديكتاتور مصر الانقلابي فإننا سنبدأ الحكاية من البداية.

والبداية من مشهد في فيلم (مجانينو- 1993) لعصام الشماع. ففي الوقت الذي بدأ فيه آدم (العاقل الوحيد في مستشفى المجانين حيث تدور أحداث الفيلم) في زراعة الأرض باعتباره زعيما لشعب المجانين، كان حلمي (مأمور المستشفى الذي كان السبب الرئيسي في ما أصاب الدكاترة والمرضى من تأزم أحوالهم النفسية) يحضر للانقلاب على آدم باعتباره غير قابل للتطويع. يجتمع حلمي مع تابعه جلال في غرفة مظلمة.

جلال: انت ناوي نقتل الزعيم يا زعيم؟

حلمي: آدم صاحبي، حبيبي بس يا خسارة مش فاهم.

جلال: متآخذناش يا زعيم، استحملنا. احنا حمير ومش قد مخك الكبير.

حلمي: انتم كلكم أولادي. وأنا أب ولازم استحملكم بس ايلي ح يغلط في حق الوطن ح اذبحوا زي الخروف.

ولأن الذبح والقتل لم يعد ممكنا في هذا الزمن، فقد كان للانقلابي مسعى آخر يقضي بعزل الرئيس المنتخب بمباركة من مجموعة من الطامحين الطامعين في السلطة رغما عن أنف صناديق الاقتراع، التي لطالما اعتبروها الفيصل قبل أن تدير لهم وجهها نتائج سلبية وانكسارات تلو أخرى.

الانقلابي كان ممسكا بخيوط اللعبة، يديرها كما يشاء، لولا أن الرئيس وجماعته وبعضا من مؤيديهم من القوى السياسية رفضوا الانصياع وراء مخطط تسليم السلطة، إيمانا منهم بالديمقراطية أو خوفا من فقدان السلطة، حسب ما ظهر من تسريبات أخيرة قد يكون لها ما بعدها.

الفرح – 2009 للمخرج سامح عبد العزيز.

زينهم: مش فاهم أنا كان ايه لزمته ده؟ كان ايه بس لزمته كعك وعجين ومصيبة...؟

الأم: فرح ومنعملش فيه كعك؟ انت عاوز الناس تاكل وشنا؟

زينهم: فرح ايه ياما؟ انت صدقتي ولا ايه؟

الأم: يا واد خلي الطبق مستور. إلاهي ربنا يعدي الليلة ده على خير وتلم نقطتك وتجيب بقا الميكروباص. خلينا بقا نعيش ونتفك.

الزوجة: حق يا زينهم لو المعازيم كلهم الليلة ده ينقطوك..

زينهم: غصبا عنهم. أنا كعيت في كل أفراحهم. النهار ده الدور عليا. قال ينقطوك قال؟ ده تطير فيها رقاب.

ونقط "معازيم الغفلة" زعيم الانقلاب وجلسوا على كراسيهم مصطفين يستمعون لبيان انقلابه في الثالث من تموز/ يوليو وهم يمنون النفس بجني الثمار مناصب لم تسعفهم الإرادة الشعبية على الوصول إليها.

وكان البيان كما تلاه مأمور المستشفى حلمي في فيلم (مجانينو).

حلمي: بسم الله الرحمن الرحيم. البيان الأول: قمت أنا المواطن حلمي النويشي المقيم بالمستشفى، قسم 8 شرق، والبالغ من العمر أرذله بتوحيد الدكاترة والعيانين من أجل أننا نبقى يد واحدة ضد العالم ايلي بياكلو في الناس. العالم بره بقا وحش، وحش آوي واحنا عارفين بس بنستعبط. وعلشان منستعبطش ثاني لازم نبدأ حياتنا من جديد. نتوحد من ثاني. يا عيانين، يا عيانين ...

خرج المرضى من عنابرهم زرافات زرافات امتثالا لبيان المأمور وبدؤوا ثورتهم المجيدة على "النظام".

كان حلمي المأمور يعد للثورة في وقت تفرقت فيه سبل "القوى" الأخرى بالمستشفى بين يمين إسلامي ويسار شيوعي.

صبحي: يا أخ آدم ابتسم. بشر ولا تنفر. احنا مشكلتنا الحقيقية مش في البطالة ولا في الأسعار ولا في كل الحاجات ده.

آدم: ومال مشكلتنا في ايه؟

صبحي: الستات. مشكلتنا الحقيقية في الستات. الذراعات العريانة، الرجلين ايلي باينة، الخلاعة، الميني جيب والميكرو جيب والسوبر جيب وكل حاجة فيها جيب في الدنيا. مشكلتنا الحقيقية في الفيديو والتلفزيون والدش. يا خرابي على ايلي ح يحصل لينا من الدش. في المسرح والسينما..

صبي العالمة المجنون: أنا مبسوط منك يا أخ صبحي ما دام مجبتش سيرة الكباريهات..

وفي جانب آخر..

آدم: مش انت اشتراكي يا بهنس بتاع العمال والفلاحين؟

بهنس: طبعا والاشتراكية جاية جاية.

آدم: طب متعمل ثورة يا أخي بايدك وتيجي تشتغل معانا.

بهنس: لأ. أنا كادر سياسي منظم، ليا دور طليعي في قيادة الشعب لكن لا أمسك فاس ولا أقعد على مكنة.

بعضهم كان يريد تغيير المجتمع والدولة بتغريدات أو مقالات أو خطب عصماء. ولأن العين لا تعلو على الحاجب لم يجد كل هؤلاء غير الارتماء في أحضان الجيش وتبييض انقلابه على السلطة جشعا وطمعا أو خوفا ووجلا. لكنهم في النهاية صاروا مجرد قرود في قفص صورة أرادها الانقلابي، ومن أوحى له بفعلته، وثيقة لترقيع بكارته ومداراة فضيحته أمام الأشهاد.

في فيلم الفرح، يجلس العروسان المؤجران عبد الله وجميلة في "الكوشة" وحيدين، في وقت ينشغل فيه الحضور بالرقص والغناء. يدور بين الاثنين حوار داخلي يغني عن الحديث.

جميلة: يا ما قلت لك بلاش يا عبد الله. امسك نفسك. بقينا زي القرود ايلي متأجرين لحاوي. حتى ايلي بيتفرجوا علينا سابونا ومشيوا.

عبد الله: وانت كنت رافضة؟ ده انت كنت تعبانة ولا نسيتي؟

جميلة: لأ منسيتش.

عبد الله: أبوك هو ايلي كان مضيقها علينا. سبع سنين مكتوب كتابنا. سبع سنين وأنا بنحت في الصخر. واخذها مرمطة من ليبيا للعراق للسودان. شلت الطين علشان أعرف أجيب أوضتين وصالة لحد عمري قرب يخلص...

وكان هذا حال ما سمي بجبهة الإنقاذ ومن دار في فلكها.

لم يكن زينهم مهتما لأمر العواطف ولا الآمال بل كانت خطته واضحة في تخدير الناس بالتطمينات أملا في "نقطة" يتحقق بها حلمه في اقتناء ميكروباص.

زينهم: انت قصدك إيه يا عسلي؟ والله ايلي بعرفو أنك انت نبطشي، أما تغني فده جديدة علي. هو فيه مغني برضه وشه متعلم؟

العسلي: هو أنا يعني متعلم في زوري؟ مال ده ومال الغنا؟ وبعدين وعدم المؤاخذة أنا عايز أشيلك الليلة من بابها وانت عاوز تلم نفسك.

زينهم: والله ده المطلوب. بص يا عسلي، أنا عايز مقابلة جامدة. كل معزوم وهو داخل الحارة ياخذ أحلى تحية كأنه رئيس وزارة وجيه الفرح.

العسلي: عيب يا أسطى زينهم. انت جايب واحد عشوائي ولا ايه؟ متقلقش. كل جثة ح تاخذ واجبها وزيادة وكل مجال في مجاله. انت جايب العسلي يا أسطى زينهم وانت عارف يعني ايه العسلي. هو احنا ورانا حاجة غير التطبيل للناس؟ قل يا رب..

الانقلابي لم يكن يسعى لاقتناء ميكروباص بل للسيطرة على السلطة وتحقيق "نبوءة" أنور السادات برئاسة المحروسة ذات حلم أو كابوس.

أما الميكروباص فتحول من حلم لغالبية المصريين بعد وعود الانقلابي- المرشح الرئاسي إلى كابوس في ليل سديم يأبى على الانتهاء...
يتبع...
0
التعليقات (0)