قضايا وآراء

نقاش حول كفار اليوم ونجاتهم من النار!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600
أثار مقالي السابق: (هل كفار اليوم في النار؟!)، ردودا ومناقشات، وقد كان هدفي من مقالات شهر رمضان الكريم، أن يكون كل مقال مداره آية كريمة، نتأمل فيها، ونتدارس ما فيها من معاني ودروس، فكانت الآية التي هي عماد مقالي قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء: 115، وكان المعنى الذي أريد أن نركز عليه (من بعد ما تبين له الهدى)، فهل غير المسلمين في زماننا، بينا لهم الإسلام بحيث تكونت عندهم عنه صورة صحيحة تبينه لهم على أنه هدى الله الذي يجب عليهم الإيمان به؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فمعنى ذلك أنه لا ينطبق عليهم وعيد الله بالعذاب لمن رفض الإسلام، لأنه لم يتبين له الهدى.

إلا أن إخوة من أهل العلم والدعوة، ومن القراء، راسلوني إما بنقاش أو استفسارات بنصوص من القرآن والسنة ظاهرها ضد ما ذهبت إليه في مقالي، فوجب علي الشرح والتوضيح لهذه النصوص، ومن ذلك ردهم علي بقوله تعالى: (وهدينه النجدين) وقوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فإذا كان الله سبحانه بين للناس الطريقين حتى لو لم يصلهم النذير، فهو بحكمته يوصل النذير للبعض، والبعض الآخر لا، لكن في النهاية هو (الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) إذن كفار اليوم خيَّرهم الله أولا ثم جعلهم كفارا بعدله وبحكمة لا نعلمها وهو الذي يقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، كان هذا مجمل الآيات التي استشهد بها من يعارضون الرأي الذي ذكرته، والإجابة عنها كما يلي:

إن هذه الآيات تفهم في سياق عرض الإسلام على الناس، وإقناعهم به، في ظل ترك الحرية لهم في الاختيار بعد شرح مفصل وواضح عن الإسلام، يقول تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف: 29، وتلك عظمة الإسلام أنه لا يجبر أحدا على الدخول فيه، كما أن الآيات المذكورة تتحدث عن حرية الاختيار بعد العرض والوضوح، وتتحدث عن حكمة خلق الناس بين مؤمن وكافر، وترك حرية التدين للجميع، فالحساب يوم القيامة وليس في الدنيا، وهذا ما أشار إليه كثير من المفسرين لتفسير الآيات المذكورة، ومنها قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) الإنسان: 3. قال الطبري: (ننظر أيّ شيء يصنع، أيّ الطريقين يسلك، وأيّ الأمرين يأخذ، قال: وهذا الاختبار). ويقول الزمخشري: (دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل والسمع: كان معلوما منه أنه يؤمن أو يكفر، لإلزام الحجة).

لكن الآيات الكريمات كلها تتحدث عن عرض للإسلام يقنع صاحبه بأنه الهدى والحق، فهل هذا ما تم منا؟ هذا هو السؤال الأهم هنا، إن كثيرا من علماء الغرب ومفكريه ممن توصلوا لوجود الله أوصلهم البحث العلمي وحده لوجود إله، فرأينا رجلا أطلق عليه لقب أشرس الملاحدة، وهو (أنتوني فلو)، بعد ثمانين عاما من الإلحاد، فوجئ العالم في التاسع من ديسمبر سنة 2004 بإعلانه بأن (هناك إله)، وكتب بعد ذلك كتابا بعنوان: (هناك إله: كيف عدل أشرس ملحد عن الإلحاد؟)، وعرض الكتاب الدكتور عمرو شريف ونشر بعنوان: (رحلة عقل)، فكم كان سيحتاج لسنوات أخرى ليصل لمعرفة الإسلام والإيمان به؟ وهل وصل وحده، أم تواصل معه دعاة مسلمون أقنعوه بوجود إله؟ لقد وصل الرجل وحده.

إن الباحثين عن الحق في مسألة الإيمان، استخدموا عقولهم والعلم المتيسر لهم في ذلك، ولكن هذا الطريق محفوف بمخاوف قد لا تصل بصاحبها لما يريد، وقد كان مسلك كثير من هؤلاء دراسة الفلسفة، يقول نديم الجسر في كتابه الرائع: (قصة الإيمان): (إن الفلسفة بحر على خلاف البحور، يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله وشطآنه، والأمان الإيمان في لججه وأعماقه)، ويقول فرانسيس بيكون: (قليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد، وكثير من الفلسفة يؤدي إلى الإيمان)، فهل كل من خاض رحلة البحث عن الله، قرأ القليل من الفلسفة والعلم فأدى به إلى التشكك والإلحاد، أم أكمل الرحلة ووصل للإيمان؟

لقد توصل كثيرون منهم لوجود خالق، والإيمان بالله، ومن يقرأ كتابين مترجمين - مثلا - وهما: (العلم يدعو للإيمان) تأليف كريسي موريسون، سيجد تدليلا من المؤلف على وجود الله بالعلم الذي درسه الرجل في معمله ومجاله، وكتاب: (الله يتجلى في عصر العلم) الذي ألفه نخبة من العلماء الأمريكيين، تحت إشراف: جون كلوفرمونسما، تحدث فيه ثلاثون عالما من شتى العلوم النظرية كيف توصل كل منهم لوجود الله عن طريق تخصصه العلمي، وإذا وصل للإيمان بالله، فهل وصل للإيمان كما تنادي به الأديان، وبأي دين؟ ونحن نرى مواصفات الإيمان لا تتحقق إلا بمعيارنا الإسلامي، وكيف سيصل له هذه المعايير والمعلومات؟

ولذا سنلاحظ أن إيمانهم بالله، هو إيمان بوجود خالق، لا يصلون إلى أسمائه وصفاته العلا، لأن ذلك يحتاج إلى رجوع لكتاب أنزله الخالق ليحدث الناس عن هذه الصفات، التي يلاحظونها في الحياة بلا شك، لكن وصفها وكيفية الإيمان بها بدقة كما يطلب الخالق جلا وعلا، يتضح في كتابه الكريم، فكيف يصل إليه هذا الأوروبي الذي وصل للخالق ولم يصل لرسالته السماوية الخاتمة؟!

لقد وصل الكثير من المفكرين بنور العقل الذي خلقه الله للتوصل لوجود الله، لكن الرحلة تحتاج إلى نور آخر أهم وهو نور فوق العقل، وقبل العقل، وبعد العقل كذلك، وهو نور الوحي، الذي اختزناه كمسلمين ولم ننشره، فهل يحاسب هذا الغربي وغيره الذي لم يصل له الإسلام؟ هذا ما حسمه القرآن بقوله: (من بعد ما تبين له لهدى)، ولم يتبين له الهدى، فلا يدخل تحت وعيد الله بالنار. وهناك نصوص أخرى حول أصحاب الكتاب من يهود ونصارى، نناقشها في مقالنا القادم إن شاء الله.

4
التعليقات (4)
t
الخميس، 23-06-2016 04:04 م
السؤال ماهى الفائدة التى ستعود على كمسلم من هذا الموضوع ؟
خالد
الثلاثاء، 21-06-2016 06:14 م
بسم الله الرحمن الرحيم اولا: لايجوز لنا التكفير العيني الا بإقامة الحجة والدليل وهناك شروط لايتسع المقال لذكرها. اما في العموم فإننا نقول "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى? شَيْءٍ حَتَّى? تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ? وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ? فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ،"مَّنِ اهْتَدَى? فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ? وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ? وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى? ? وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى? نَبْعَثَ رَسُولًا"،"لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ? "،"لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ "،"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ? أُولَ?ئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ" والآيات كثيرة في هذا، وفي حديث مسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. أما من يسمون بأهل الفترة فهؤلاء ممن لم يسمع بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سيمتحنون يوم القيامة ومردهم الى الله. فالشرط هنا بلوغ الرسالة لهذا المعني مما يستوجب كفره او إيمانه. طريقة كتابتك واستشهادك بالنصوص تحتاج ان تكون أرقي وابلغ وعدم التمادي في الوصف، أصلح الله امورنا.
محمد عبد الحليم
الإثنين، 20-06-2016 12:41 م
الايمان الفطري لا يكفي للمحاسبة في الآخرة لذلك ارسل الله الرسل لاقامة الحجة على الخلق ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ){النساء: 165} فبيان الرسل هو الذي تقوم به الحجة على الخلق , لكن كماقال الشيخ هل وصل هذا البيان الى الشعوب الاوروبية وغيرها بطريقة صحيحة ! أقول وعن خبرة ثلاثين سنة بين ظهرانيهم لا لم يفهموا الاسلام ولم يعرفوه الا مشوها ومن عرف حقيقته اسلم ولا شك , ويمنع وصوله بطريقة صحيحة عاملان : الاول الاعلام الغربي ثانيا احوال المسلمين وأخطائهم وتخلفهم .
..
الأحد، 19-06-2016 10:18 ص
مشكور جدا أخ Bader Al-Saleh على الملاحظة
عبدالله محمد [email protected]
الأحد، 19-06-2016 06:52 ص
نعم أوصلنا دعوة الإسلام وبلغناها للناس في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الوصف والشرط الذي ذكره الله عز وجل في إنذار من لم يؤمن برسالة الإسلام والدليل يا دكتور هي البوسنة في قلب أوروبا ومن قبلها القسطنطينية والأندلس ولكنهم حاربوهم وأبوا الإسلام فهذا وزرهم. * وما رأيك فيما قبل الإسلام أهم كفار أم لا؟. شيخنا الجليل إستغفر لذنبك وإبحث لنا عن ما يثبت الإيمان لا عن ما يزعزعه. وسنعتبرها شطحة عالم منك غفر الله لنا ولك.