الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تنتقد أبدا السياسة الاقتصادية في الجزائر، التي هوت إلى درجة أن شمال الجزائر الأخضر يأكل مما تنتجه صحراء كاليفورنيا الجرداء، وجنوب الجزائر الغني بالثروات الباطنية يستعين بالأمريكان لتجفيف كل آباره ومناجم الذهب بكل ألوانه، وهي التي لم تنتقد الجوّ السياسي في الجزائر بين شدّ أمريكي يقذفنا إلى المجهول تارة، ومدّ فرنسي يحاول إعادتنا إلى الاستعمار تارة أخرى، في غياب الحل الجزائري، ولم تنتقد الضياع التعليمي الذي جعل أدمغة الجزائر وعلماءها يفرون إلى أوروبا وإليها بالتحديد.
أطلّت علينا مؤخرا من خلال خارجيتها، بتقرير عن واقع حقوق الإنسان في الجزائر، كان بلون سواد النفط الجزائري الذي تستفيد منه أمريكا أحيانا بالمجان، وتكمن غرابة هذا التقرير في انتقاده اللاذع لأحاسيس الناس، وليس لقوانين موضوعة، فالتقرير رغم أنه مشهور بـ"جديته"، إلا أنه استند على شهادات شواذ جنسيا وصفوا حالتهم في المجتمع الجزائري بالمعقدة، واستند أيضا إلى تعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي رأت أن اليهود -الذين لا نعرف لهم وجودا- يعانون الاضطهاد، ولا يتمكنون من بلوغ المناصب العليا، من دون أن يشرح التقرير ما يطمح إليه الشواذ في الجزائر من سقف حرية، ولا المناصب التي يريد اليهود بلوغها.
وإذا كانت توجد دول كثيرة في العالم صارت لا تنقل أصلا مثل هذه التقارير وتعتبرها كلام "إنشاء" ومنها من تصفها بـ"الهراء"، غير قابلة للقراءة، فما بالك بالتحليل والردّ عليها، ومنها إيران وروسيا وكوريا الشمالية ومصر ولبنان وغالبية الدول الأوروبية، فضلا عن السلطة أو "الجرأة" التي تخوّل للأمريكان تقييم أداء الآخرين وتأنيبهم وإنذارهم، فإن صمت الجزائر إزاء مثل هذه التهم والتدخل في الشأن الجزائري، ولو بملاحظات وانتقادات، هو أمر أيضا من المفروض أن يلتفت إليه النظام الجزائري، فلم يحدث أن سمعنا في أي منبر سياسي أو قانوني أو إعلامي أو ديني عن تحريض للأفراد ضد الشواذ، أو حملة لمعاداة اليهود وإنكار ديانتهم، ما يعني أن الأمر هو قناعة مجتمع أشبه بالإحساس الذي لا يمكن للقوانين أن تغيّره، أو كروموزومات يستحيل على الجراحة تغييرها، فهناك من الفرنسيين من يحقدون على أبناء المغرب العربي مثلا، ولا يمكن للجزائر أو المغرب أن تكتب تقريرا أو تحتج بدعوى أن شابة أو شابا فرنسيا لا يشعر بالراحة في التعايش مع عربي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تمنح لنفسها الحق في أن تقيّم مختلف البلدان، وهي في كثير من تقاريرها على صواب، فإن أي بلد في العالم لو شرّح ما تقوم به الولايات المتحدة من مظالم تجاه شعوب العالم، لما كفت كشاكيل العالم وأنهار من الحبر لكتابة هذه المفاسد، وليس ديباجة تقرير عن الجزائر في سبعة وأربعين صفحة.
الخطأ فينا؛ لأننا لم نتمكن من إفهام العالم ما نريده، ففهم الفرنسيون أن مشكلتنا مختصرة في سيارات بيجو وأخواتها وفي مدرب يقود منتخب الكرة، وفهم الأمريكان أننا نريد حرية جنسية وتنوعا عقائديا، فقام الوزير الأول الفرنسي بنشر صورنا، واقترحت علينا "خارجية" أمريكا تمكين المثليين واليهود من ممارسة ما يشاؤون في المناصب التي يشاؤون.