كانت إحدى محطات التلفزيون الإيرانية هي التي أذاعت توقيع الحكومة اتفاقا سريا مع شركة «توتال» لتطوير حقل حدودي مشترك مع العراق يعتبر من أكبر المواقع البترولية في المنطقة، بطاقة ثلث مليون برميل يوميا. وليس مستغربا أن تستعجل الحكومة الإيرانية عقود البترول؛ لأنه الحافز الأساسي وراء الاتفاق مع الغرب، بعد أن فشلت في تطوير قدراتها البترولية على مدى ثلاثين عاما. فالنفط وراء المصالحة مع الغرب والاقتتال مع العرب. إنما المقلق في استعجالها تركيزها على المناطق المتنازع عليها، أو المشتركة، مثل هذا الحقل المشترك مع العراق، وما يزيده ريبة أن الاتفاق سيتضمن بنودا سرية.
والحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات قامت نتيجة نزاع حدودي معظمه على مناطق البترول، والدافع لا يزال هو نفسه؛ الرغبة في السيطرة على المناطق الغنية بالنفط من قبل إيران التي تستثمر الكثير من أجل أن تحكم نفوذها على بغداد. ومنذ أن بدأ فك الأقفال عن قفصها، سارعت الحكومة في طهران إلى توقيع العديد من العقود مع الشركات لتطوير قدراتها التنقيبية والإنتاجية البترولية، بما في ذلك في المناطق الكردية من الجانب الإيراني، وحقول مشتركة في مياه الخليج مع بعض دول مجلس التعاون، وتظل أهم الاتفاقات وأكبرها تلك التي تقع على الحدود مع العراق، مثل حقل ازدكان الجنوبي الذي نقل من اليابانيين إلى الفرنسيين.
ومن الطبيعي أن تثار تساؤلات متشككة حول قدرة الحكومة العراقية على تمثيل مصالح بلادها العليا وحمايتها، في مسائل حيوية، مثل الحدود والمياه والبترول، في ظل عجزها. وأحد أسباب فشل حكومة العبادي، إيران نفسها، التي تعزز مكانة القوى السياسية والميليشيات العراقية المعارضة، والحليفة لها، على حساب السلطة المركزية!
ومع ضعف الحكومة في بغداد، وغياب دور البرلمان هناك، وسيطرة الإيرانيين على مليشيات الحشد الشعبي التي تنافس الجيش في العراق، فإن إيران لا تبدو مهتمة كثيرا بالرأي العراقي ولا حتى بالرأي العالمي.
وعندما توقع إيران اتفاقا مع شركة غربية، وتشترط إبقاء بعض بنوده سرية في منطقة مشتركة مع العراق، فإنه من الطبيعي أن تظهر الشكوك والتساؤلات؛ لماذا لا تعتمد الشفافية من أجل دحض التشكيك الذي رافق إعلان الاتفاقات النفطية، بما فيها الأخير مع شركة «توتال»، خصوصا أن هناك تغولا من قبل السلطات الإيرانية داخل الحدود العراقية، وتحويلا لمياه الأنهر، ما أثار غضب السكان العراقيين المحليين الذين يعيشون على الزراعة هناك؟
بسبب تمادي النظام الإيراني في إضعاف العراق، ومحاولة الهيمنة على قراراته ومقدراته، تقريبا كما كان يفعل النظام السوري في لبنان على مدى ثلاثة عقود، أتوقع أن يؤدي في وقت لاحق إلى ظهور قوى رافضة لهيمنة الجار، تحيي الخلاف والعداء. إيران تشعر بأنها انتصرت في المعركة الإقليمية فقط؛ لأن الغرب رفع عنها العقوبات مقابل تراجعها عن برنامجها النووي، وهذا يفسر سعارها وقتالها في العراق وسوريا وتحريضها في اليمن. لكن العراق دولة كبيرة، لن يكون سهلا على طهران ابتلاعه كما فعلت سوريا في لبنان.