قضايا وآراء

الغايات قبل الاصطفاف وقبل الوسائل.. 10 مبادئ للثورة القادمة

1300x600
1300x600
الغايات أقرب للمبادئ وأكثر أهمية من الأهداف، والمبدأ بالعموم يسبق الوسيلة. ولكل ثورة مبادئ وغايات تحكم حركتها. وقد كثر الحديث في المرحلة السابقة عن أهمية الاصطفاف، وهو وسيلة، وأهمية الحوار، وهو وسيلة أخرى، واهتم الجميع بضرورة عدم الإقصاء، وهي وسيلة ثالثة. لكن السؤال الأكثر أهمية وإلحاحا قبل كل تلك الوسائل هو: حول ماذا نصطف؟ ونتحاور حول أي مبادئ؟ ونجتمع على ماذا؟

تحتاج الثورة المصرية إلى إعادة تجديد شباب أفكارها، وإلى الاتفاق الوطني حول الغايات الكبرى للتحول والتغيير المنشود بعد سقوط الانقلاب. من المهم أن نؤكد أن إسقاط الانقلاب هو الخطوة الأساس التي نجتمع جميعا على أهميتها، ولكنها أيضا في ذاتها ليست إلا وسيلة أخرى من الوسائل الهامة والمحورية نحو غايات الثورة المصرية. كسر الانقلاب هو أهم خطوة نحتاجها نحو تحقيق تلك الغايات، ولكنه في ذاته ليس غاية بل وسيلة نحو الخلاص الكامل من حكم العسكر، ومن فساد الدولة العميقة، ومن قهر الحكام التسلطيين.

يجب أن نتفق على الغايات الأصلية للثورة، وأن نتصارح حولها، وأن نختلف ونتحاور ونغضب ونناقش وننفعل أيضا.. إلى أن نتفق. في كل الأحوال يجب أن نتجنب البحث عن الطرق الأسرع والأيسر لتجنب الخلاف، فنحن نقع بسبب ذلك في مشكلات أخطر بسبب الهروب من النقاش الحقيقي حول الغايات. الأصل أن نتفق على الغايات أولا ثم نتحرك نحو الاصطفاف والحراك.

قد لا يتوفر لنا رفاهية ترتيب النقاش حول الغايات قبل الحركة في حال الثورات المتفجرة، وقد تداهمنا الأحداث قبل أن يتوفر لنا الوقت الكافي لنقاش الغايات والمبادئ والاتفاق عليها. لكن يكفينا أن نتحرك نحو هذا الهدف، ونحن نتحرك أيضا في الحراك الفاعل لكسر الانقلاب والخلاص من الظلم. لا يصح أن نؤجل حراكنا، والقصاص لشهدائنا من أجل نقاش غاياتنا، ولا يصح أيضا أن نتحرك دون وضوح الغايات. لذا نبذل الجهد في الأمرين معا، ولعل الله تعالى أن ينصرنا برحمته ثم بصلاح النية وتوفر العزم والإرادة للتغيير ونفع الناس.

10  مبادئ للثورة القادمة

ما هي أهم مبادئنا وغاياتنا العملية المشتركة؟ يقدم هذا المقال 10 مبادئ هامة للثورة القادمة، وهي مقترحات حول الغايات الكبرى.. نؤكد أنها فقط مقترحات، قابلة للنقاش والحوار والحذف والإضافة، وتطوير العبارات، وفي النهاية قد نصل إلى مجموعة من المبادئ والغايات التي يتشارك في قبولها أغلب أبناء مصر من الأحرار، وممن يريدون لمصر كل الخير من كل التوجهات والتيارات والفئات. كل حوار يبدأ بتقديم مقترحات. ولذا نقترح أن من بين الغايات الكبرى لثورتنا:

1- إقامة العدل:

العدل هو القيمة الأهم التي يتحقق عبرها الكثير من طموحات كل المصريين. العدل بين المواطنين.. العدل في الحقوق والواجبات.. عدل السلطة مع المواطن.. العدل في تقسيم الثروات.. العدل في القصاص.. وسرعة استعادة الحقوق.. العدل في كل مناحي الحياة المصرية وعلاقة الدولة بالمواطنين.

2- استعادة الحرية:

الحرية تسبق غيرها من القيم في حياتنا، لأننا عانينا طويلا من القهر. الحرية ليست فقط في الخلاص من قمع النظام، وإنما كل أشكال القمع في مجتمعاتنا، وكل أنماط التسلط الظالم غير الصحيح سواء باسم الدين أو باسم الأمن أو باسم الأمن القومي للبلاد. الحرية ليست التفلت، وإنما هي احترام قيمنا بإرادتنا وحريتنا، وليس بسلطة قهر تتجاوز الدين أو القانون أو الأعراف. حريتنا تنشأ وتستمر عبر احترام الدين والحريات العامة للأفراد.

3- عودة الحقوق:

لا نجاح للثورة إن لم يستعد كل مظلوم حقه، ويسترد كل من اغتصبت منه حقوقه تلك الحقوق. القصاص حق، ولا تنازل عن دم. عودة الحقوق لا تقتصر على المشاهير، وإنما تمتد لكل من تعرض للظلم في وطننا. لا تسقط جرائم الاعتداء على الحقوق بالتقادم في ثورة مصر. عودة الحقوق تشمل الشهداء والمصابين والمعتقلين والمشردين، وكل من تعرض لظلم وفقد حقه خلال الأعوام الماضية منذ انطلقت ثورتنا المباركة.

4- نفع الناس وسعادتهم:

يتألم عموم الشعب المصري كل يوم لضياع حياتهم ومستقبلهم بسبب أنظمة ظالمة لم تراع حل مشاكلهم طوال عقود مضت. الثورة المصرية لا يجب أن تتحول إلى ثورة شعارات. نفع المواطن المصري وحل مشاكله يجب أن يكون أحد أهم غايات الثورة، ومحركات انطلاقها. ولا يتم ذلك إلا عبر بناء اقتصاد حر، وكذلك الاهتمام بتدريب وتطوير كفاءات المصريين، وهم الثروة الحقيقية للوطن. لن ينضم المواطن المصري العادي إلى الثورة ويؤيدها إن كانت فقط تعبر عن أحلام النخب المثقفة. الثورة تغيير يجب أن يلمسه كل مواطن، وينحاز إلى الأمل في تحقيق ذلك التغيير. قد لا ينضم عموم المصريين إلى الطليعة التي تحمل على أكتافها انطلاقة الثورة مجددا، ولكن هذا المواطن هو المخزون الاستراتيجي الحقيقي لحماية الثورة، وتحولها إلى دولة عدل وحرية. نفع الناس غاية محورية للثورة، وليس شعارا للاستهلاك أو وسيلة للنصر. نفع الناس غاية ومبدأ لثورة مصر.

5- حفظ هوية المجتمع وأخلاقه:

لا تقوم ثورة لشعب كامل، وهي تتنكر أو ترفض هوية هذا الشعب. الثورة المصرية يجب أن تنطلق من مرجعية الهوية الجامعة للمصريين.. تحترم الأديان السماوية الممثلة في أبناء الشعب.. تحترم قيم الحرية والكرامة الإنسانية التي حلم بها المصريون منذ فجر التاريخ، وحاربوا من أجلها طوال قرون مضت.. ثورة تعيد للشخصية المصرية بهاءها وروقنها وأخلاقها التي تردت طوال الأعوام والعقود الماضية بسبب الظلم والقهر والإجرام.. ثورة تستعيد مكارم الأخلاق التي طالما عرفت بها مصر، وتزين بها المصريون في العالم أجمع.

6- الخلاص الكامل من حكم العسكر:

حكم العسكر خراب. هذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد في مصر، أو في أي جزء من عالم اليوم. لا يكفي ثورتنا أن يسقط الانقلاب لكي يعود العسكر للحكم بشكل مباشر أو غير مباشر. الثورة المصرية انطلقت بشعار "يسقط .. يسقط حكم العسكر"، ولن تنتصر إلا عندما تشرق على سماء مصر دولة مدنية معاصرة تحترم قيم الأمة، ولا تخضع لحكم العسكر بشكل مباشر أو غير مباشر، بل تتحول قواتها المسلحة إلى أداة من أدوات الحكم، وليس سيفا مسلطا على الحياة السياسية المصرية.

7- إعادة هيكلة النظام (تغيير وليس إصلاحا):

تحتاج مصر إلى مشروع كامل، ورؤية شاملة لتغيير الأجهزة التي تعفنت بالكامل في الكيان المصري، وأن يحدث هذا دون هدم الدولة، ولكن يتم إعادة هيكلة الأجهزة والمؤسسات الفاسدة في الدولة، بالاستعانة بالشرفاء في تلك الأجهزة، والتعاون مع كل الخبرات المصرية من أجل إعادة البناء على أسس عصرية متقدمة، تحفظ للمواطن حقوقه الكاملة، وتطور أداء هذه المؤسسات لتواكب هذا العصر الذي نحياه. الثورة ليست مسكنات تخفي آلام الوطن. الثورة تقدم حلولا جراحية يحتاجها جسد الدولة المصرية لكي يستطيع استمرار الحياة بنجاح. الثورة تغيير وليست إصلاح.

8- استعادة مكانة مصر وريادتها:

تحولت مصر خلال الأعوام بل العقود الأخيرة إلى أضحوكة العالم. لا يستطيع المواطن المصري الكريم قبول استمرار هذا الوضع المنافي لمكانته تاريخيا، ولقدراته الحقيقية التي قهرها الظلم والاستبداد والفساد. الثورة المصرية يجب أن تكون طريقا لاستعادة مصر لمكانتها وريادتها وتنافسيتها في عالم اليوم.. ليس عبر شعارات براقة.. أو استدعاء واستجداء لتاريخ أسلافنا.. بل بالعلم والعمل والجهد والجد ومسابقة أمم العالم نحو المكان اللائق بنا كمواطنين، ومكانة مصر.. درة هذا الكون وكنانته.

9- الاستقلال الكامل لمصر:

الثورة تعني الاستقلال.. الاستقلال الحقيقي والكامل. أن تستعيد مصر إرادتها الحرة، ومكانها الإقليمي والدولي اللائق بها دولة حرة مستقلة، لا يحركها أو يؤثر فيها شرق أو غرب، وإنما تنطلق قراراتها من استقلالية مواقفها، ومصالحها الاستراتيجية العليا، والمبادئ التي تحكم مكانتها ومسيرتها على مر التاريخ. مصر ليست دولة تابعة، ولم تكن عبر تاريخها إلا دولة مركز، ونقطة التقاء للحضارات، وملجأ للمظلومين. لا يتحقق هذا إلا باستعادة كامل الاستقلال للأراضي والقرار والقدرات.

10- مصر لكل مصري:

الثورة ليست ملكا لأي تيار أو فئة أو مجموعة مهما زاد عددها، ومهما ظنت الخيرية في نفسها. مصر لكل مصري، ومن مبادئ ثورتها أن أحلام كل مصري في غد أفضل لمصر هي أحلام مقدرة ومتساوية. لن تنجح الثورة بحق إلا عندما يشعر كل مصري.. مسلما كان أو مسيحيا.. متدينا أم غير متدين.. شابا أو كهلا.. أن أحلامه سوف تتحقق على يد الثورة المصرية، بشكل أفضل وأسرع، من أن تتحقق عبر أي طريق آخر. عندها فقط ستنجح الثورة وستنهض مصر.

وبعد..

هذه الغايات والمبادئ العشر ليست إلا نقطة انطلاق لحوار مثمر بناء بإذن الله. ويمكن عبر الحوار والنقاش المجتمعي القادم أن يتم التصحيح والتطوير والبناء على هذه النقاط أو استبدال بعضها أو كلها بما ينفع الجميع وينجو بمصر. الوصول إلى إقرار غايات الثورة المصرية يضع أساسا صحيحا يمكن أن يقوم عليه الاصطفاف والحوار، وغيره من الأفكار والخطوات الهامة للحفاظ على ثورة مصر، وتجديد حيويتها نحو النصر. فلنجتهد أن نتفق حول الغايات، ولنتحرك في نفس الوقت لإسقاط الانقلاب، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
0
التعليقات (0)