لم يسع السيسي بمعاقبة جزاري الحمير إلى إعلاء لكلمة القانون، وتكريس دولته فمصر الانقلاب لم تعد دولة بل لا دولة، قانونها الأعلى هو لا قانون، لا دولة الانقلاب تلك يُذبح فيها البشر بأعداد تفوق أعداد ما يُذبح من الحمير، وفي الوقت الذى يُجرَّم فيه ذبحُ الحمير والكلاب يباح فيها ذبحُ البشر، وذابحوا الحمير مقارنة بذابحي البشر يعتبرون من ذوي القلوب الرحيمة فهم لايعذبون ذبائحهم كما يفعل ذابحو البشر، وهم -وإن كانوا مخطئين بالطبع - إلا أنهم يُعتبَرون من ذوي المبادئ عندما بعترفون بأخطائهم دون أن ينسبوا فعلتهم إلى باقي الحمير مثلما يفعل جزاري البشر عندما يذبحون الناس ويقولون: إن آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وأزواجهم هم من ذبحوهم.
كما أنه لم يسعَ بموقفه ذلك إلى الحفاظ على الصحة العامة للمصريين فهذا آخر ما يفكر فيه العسكر، وإلا فلماذا تبيع المنافذ الخدمية للقوات المسلحة -وهي غير خاضعة لأجهزة الرقابة الصحية في الدولة - لحوما وسلعا غير صالحة للاستهلاك الآدمي؟ ولماذا يقوم الضباط المشرفون على المشاريع الإنتاجية فى القوات المسلحة بذبح النافق من الحيوانات وطرحها: إما فى الأسواق لتُبَاع لحومها إلى المواطنين وإما بتورديها إلى مصلحة السجون لإطعامها إلى المسجونين؟ ولماذا تشتري إدارة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة من مورديها سلعا غير مطابقة للمواصفات المتعاقد عليها من حيث الكم والكيف وتسمح بتمرير اللحوم الغير صالحة للاستهلاك الآدمي أو المنتهية الصلاحية إلى أحشاء الضباط والجنود، وكذلك تفعل مثيلتها فى الشرطة؟
موضوع الإمداد والتموين وعقود التوريد إلى الجيش والشرطة يحتاج إلى أكثر من مقال لطرحه نظرا لكثرة المعلومات التي وقفتُ عليها بنفسي إبان أدائي الخدمة العسكرية كضابط احتياط بإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، لكنني أردت أن أستشهد ببعض الأمثلة التي تؤكد عدم حرص حكام العسكر وحكوماتهم على الصحة العامة للمواطنين، وعلى كلّ فهم - كما قال أطباؤهم وأفتت عمائمهم- يرون أنه لا بأس من أكل لحوم الحمير من الناحيتين الطبية والشرعية، بل إنهم يحفزون الناس على تناولها ذاكرين الفوائد الصحية الكامنة فيها، وكأنهم يريدون أن يغيروا طبيعة المصريين ليجعلوهم من آكلي لحوم الكلاب والحمير ثم بعد ذلك يحولونهم إلى آكلى جيف.
أرى أن السبب الحقيقى لاستنفار السيسي دولته لمعاقبة ذابحي الحمير هو سببٌ نفسي بحتٌ يعود إلى عقدة نفسية متغلغلة فى اللاشعور لديه نتيجة اسمه الذى يعني صغير الحصان، تلك العقدة هي التي جعلته يصدر أوامره إلى حديقة الحيوان بالجيزة لتغيير اسم حيوان السيسي ليصبح حيوان الشيتلاند، وببساطة؛ فإن تلك العقدة تجعل السيسي يعقد مقارنة لاشعورية بينه وبين الحيوانات التي من فصيلته كالخيل والبغال والحمير مما يُحدث تقاربا نفسيًّا تجاهها وانتماء إليها يجعله -وإن تنكر لها وغير من أسمائها - يأبى أن تُذبَح، إذ أن انتماءه اللاشعوري لفصيلة الحمير جعل الأنا العليا لديه تستشعر أن ذبح الحمار بمثابة ذبحه هو شخصيًّا، و لعلنا ندرك أهمية عامل اللاشعور لدى السيسي إذا علمنا أنه - بحسب الأصل- ليس لديه شعور وكل ما لديه هو لا شعور فحسب، ومن ثمَّ فإن المتعامل معه ينبغي أن يسقط من حسباته عامل الشعور إذا أراد أن ينجح فى استئناسه .