لو كان محمد أبو تريكة في بلد آخر لنُحتت له التماثيل وسُميت باسمه الميادين ووُضعت قصة حياته في المناهج الدراسية كنموذج لشاب موهوب فقير أصبح باجتهاده وعرقه تاجرًا للسعادة، لكن لسوء حظه أنه وُلد في مصر التي تُخوّن عصام حجي وتحتفي بإبراهيم عبد العاطي، وتمنع باسم يوسف وتفتح الهواء لأحمد موسى، وتُطارد بسمة وعمرو واكد وتُكرّم نهال عنبر وطلعت زكريا.
كان من الطبيعي في أرض الجنون ألا يمضي أبو تريكة عامه الأول بعد الاعتزال متنقلا بين حفلات التكريم، لكن بين قاعات المحاكم ومباني النيابات، وبدلا من أن تلاحقه الصحف ليحكي كيف صنع مجده، تلاحقه ليدفع عن نفسه تهمة دعم الإرهاب والانتماء لجماعة الإخوان.
أبو تريكة الذي رفع شعار "تعاطفا مع غزة" في وقت صمت فيه قادة العرب جميعا على إرهاب إسرائيل متهم الآن بدعم الإرهاب، أبو تريكة الذي لم يترك بابا للخير إلا طرقه متهم الآن بقيادة تحالف الشر، أبو تريكة الذي سخر حياته لإسعاد المصريين متهم الآن بقتلهم، والمدهش أن من يتهمه بذلك هو نفسه الذي قتل المتظاهرين والمعتصمين وحاملي الورود!
2-
في أرض الجنون يصبح العقل تهمة، وإسعاد الناس خيانة، والنطاعة وطنية، والغباء خصلة حسنة.
أسوأ ما فعله فينا مبارك وتلاميذه أنهم جعلونا آلات بلا مشاعر، لذلك يرى كثيرون أن كل ما يفعله أبو تريكة تمثيل، لا يفترضون أنه إنسان حقيقي ولا يصدقون أن لاعب كرة يمكن أن يكون بهذا الخلق، لاعب الكرة في نظرهم هو الذي يشترك في برنامج رقص أو يلتقط صورة لنفسه مع "قرن فلفل" أو يتم ضبطه في وضع مخل، لذلك لا يشتمون كل هناك لأنهم في نظرهم "طبيعيون" ويشتمون أبو تريكة لأنه يمثل التقوى ويدعي الورع.
فلأن تدّعي الورع في رأيي خير من أن تجاهر بالقبح.
3-
"البعض استغل صمتى، لترويج شائعات مغرضة، أبرزها على سبيل المثال أنني ذهبت إلى ميدان رابعة وقت اعتصامات الإخوان، وأنني قمت بإمداد الجماعة وقت تلك الاعتصامات بمولدات كهربائية، وكانت آخر الشائعات الصورة التي انتشرت في عدد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل وهى صورة لي مع سيدة مسنة ادعى البعض أنها والدة أحد المتهمين في أحداث كرداسة، وحقيقة الأمر أنها صورة لجارة لنا في ناهيا، وأتحدى أي شخص يثبت عكس تلك الحقائق. مع الأسف كنت ضحية لصفحات مزورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفعني لتوثيق حسابي الجديد".
هذا ما قاله أبو تريكة في حواره مع "الأهرام" في أول ظهور إعلامي له بعد الأزمة، رد فيه على كثير من الشائعات التي نُسبت إليه، وكشف أن شريكه الإخواني في شركة السياحة ترك الشركة أصلا في 28 ديسمبر 2013 ولم يعد مديرا مسؤولا عنها كما يزعمون، ورغم كل ذلك امتلأت التعليقات على الحوار بتعليقات تحمل أطنانا من الغل والبغضاء ضد الرجل الذي لقبوه من قبل بـ"أمير القلوب".
كان أكثر التعليقات غرابة شخص علق على الحوار قائلا: "ومن كتب على حسابه الخاص أنه زود اعتصام رابعة بمولدات الكهرباء وضلمها ياسيسي"، فبعد عدة سطور من تأكيد أبو تريكة أن الحسابات التي نسبت إليه ذلك مزيفة وأن حسابه الرسمي موثّق، يطرح عليه شخص كهذا نفس السؤال، هذا مثال لفئة تعيش بيننا محاولة إقناعها بالعقل تضييع بالعقل، فلكي تقنع أحدا بالعقل يجب في البداية أن يكون لديه عقل أصلا!
ربما أجد مبررا لنظام يريد أن يشكك في كل الرموز ليبقى هو النموذج الوطني الوحيد، لكنني لا أجد عذرا للملايين الذين أسعدهم أبو تريكة لسنوات وكان هو مصدر فخرهم الوحيد وينهشون في لحمه الآن.
4-
ستنتهي المحنة آجلا أم عاجلا، سيعود كل إلى حجمه، سيرجع كثير من الإعلاميين إلى عملهم السابق كمخبرين في أمن الدولة يبلغون عن زملائهم ويطلعون المسؤولين في الداخلية على آخر التطورات داخل صحفهم، سيتقاعد رئيس الوزراء ويقضي أوقاتا لطيفة في نادي الجزيرة، سيصطدم به شاب ويلتفت إليه ليعتذر: "أنا آسف يا والدي" دون أن يعرف أن هذا الرجل كان في يوم من الأيام رئيس حكومة، سيصبح كثير من المسؤولين ذكرى ولن تذكر أسماؤهم مرة أخرى سوى في لوحة المسؤولين السابقين في الوزارات والهيئات التي لا يتوقف أمامها أحد، وسيبقى اسم أبو تريكة صامدا ووجهه محفورا في ذاكرة الملايين وسيعرف شكله وتاريخه وإنجازاته حتى من سيولدون بعد سنوات من الآن.
لأن الزبد يذهب جفاء، ولأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
6
شارك
التعليقات (6)
زهير الجزائري
الأحد، 08-11-201512:16 ص
لماذا نمدح الرجل ونتناسي من اهدوه لنا، نعم هم الإخوان المسلمون من ربوه يا أخي، فلماذا النكران...
محمد صلاخ
الثلاثاء، 19-05-201508:01 م
الله يفتح عليك وعلى اللى خلفوك عبرت عما يحس به العقلاء تجاه نجمهم المحبوب أبو تريكة
وليد عبدىالجواد
الجمعة، 15-05-201506:49 م
عزيزي ...
لا احد يختلف على ان ابو تريكة شخصية محترمة وانسان كسب حب ملايين الناس ليس ليس فى مصر فقط بل فى العالم باثرة
ولكن هل هذا يكفى بان نطالب ان يكون له تمثال !!!!
نعم أبو تريكة حقف بطولات عالمية وعربية ومحليه لم ولن يستطيع احد ان يحققها بعده
ان كان ذلك يكفى سيدى فبالله عليك ان تحيب عن تلك الاسئلة والاستفسارات :
1.كيف اثرت اهداف ابو تريكة فى الناتج القومى المصرى؟
2.كم مليون دولار دخلت خزائن الدولة نتيجة الكم المهول من بطولات كرة القدم التى حققها ابو تريكة؟
3.كيف ساهمت اهداف ابو تريكة تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات؟
4.ما هى الاثار الايجابية التى ادت الى انخفاض سعر الصرف للدولار أمام الجنيه المصري نتيجة أهداف ابو تريكة وبطولاته؟
5.على المستوى الدينى... اذكر عدد الذين هداهم الله للاسلام وهم يشاهدون ابو تريكة يصول ويجول فى الملعب كالسيل المنهمر يدك حصون منافسية بأهداف الحاسمة ؟
6.من الناحية الانسانية ... كيف اثرت اهداف ابوتريكة القاتله وبطولاته على التنمية البشرية وتطوير المهارات الحياتية في مصر والشرق الأوسط وشمال افريقيا؟
سيدى ... دعنى اسلم معك ان ابوتريكة نبغة كروية فذه -مع اختلافى على ذلك- ولكن دعنى اقرها كحقيقيه فان كان كذلك فهو قد ادى دورة ووظيفته على اكمل وجه فمهنته هى "لاعب كرة قدم" وليس ذلك فحسب بل انه تقاضى اجر على ذلك نعم تقاضى الملايين والملايين واقر بان جميعها حلال وحقة المشروع
سيدى هناك مقاييس ومعايير غير كرة القدم يقيم بها الانسان ونطالب وقتها ببناء التماثيل لهم ان مان جائزا من الاساس
فقل لى بالله عليك :
اين تمثال العالم المصرى مصطفى مشرفة؟
اين تمثال النابغة فاروق الباز؟
اين تمثال د.احمد زويل؟
اين تمثال د . مجدى يعقوب؟
اين تمثال السادات وناصر ؟؟؟
اين تمثال عبد العاطى ... ليس عبد العاطى ملك الكفته بالتأكيد ... ولكن عبد العاطى صائد الدبابات مرعب اليهود ؟
القائمة تطول وتطول وتمتلئ عن اخرها بابناء مصر ممن لهم ايادى بيضاء على البشرية اجمع ليس من بينهم ابو تريكة او غيره ممكن اسعدونا ببطولات رياضية
اما هو كأنسان فله منا كل الاحترام والتقدير ... شكرا ابو تريكة
#مصر_خط_احمر