خبر إيقاف قناة العرب بعد انطلاقتها بأقل من 24 ساعة، كان في حد ذاته قصة إخبارية شغلت بال الكثير من المتابعين، حتى أكثر من انطلاقة القناة نفسها!
مصارحة اليوم ليست تبريرا لإيقاف القناة المؤقت أبدا، ولكنه نقاش لحظي هادئ في انتظار عودة القناة إلى البث قريبا.
التصريح المعلن بأن الإيقاف تم لأسباب إدارية وفنية، بالتأكيد كان سببا غير مقنعا للكثيرين، لكن من
يبحث في التفاصيل، قد يجد تفسير المعنى الحقيقي لوصف (الإدارية والفنية)!
بالتأكيد خبر مثل هذا الخبر، لا يمكن أن يفوّت بالنسبة للبعض، فهو فرصة سانحة لتصفية الحسابات، بل لترويج ما يراد له أن يكون هو السبب لوقف القناة المؤقت، بغض النظر عن مصداقيته من عدمها؟!
من يقرأ في تفاصيل الدعم الفني واللوجستي البحريني قبل وأثناء وبعد بث قناة العرب، يدرك أن إيقافها المؤقت كان قرارا صعبا، لكنه بالتأكيد سيكون مؤقتا -كما أظن-.
الجميع يعلم بأن القنوات الفضائية -أيا كانت- تعمل على أراضي دول مختلفة، ومن الطبيعي أن لا تقبل أي دولة بأن تخرج على أرضها أي قناة إخبارية، تسوق لنفسها على حساب قضايا محلية وإقليمية لا تخلو من الحساسية أبدا؟!
تغريدات باستضافة شخصيات مثل البغدادي مثلا، أو استضافة شخصيات تمثل رأي (المعارضة) المحرّضة والمتورطة في عنف الداخل، دون وجود رأي الدولة الرسمي كرأي آخر، يعتبر تجاوزا حتى للمنطق، كون تلك القناة تبث من بلد عانى ما عانى داخليا وخارجيا، هذا ناهيك عن التزامات دولية فيما يسمي بالحرب على الإرهاب!
لعل أتفه سبب حاول البعض ترويجه وبأنه السبب الأوحد والخالص للإيقاف المؤقت لتلك القناة، هو استضافة الرجل الثاني في الوفاق!
الحقيقة تقول إن هناك صحيفة بحرينية يومية مرخصة، تقول وتروّج لذات الأجندة، أضعافا مضاعفة مما قد -وأقول قد- تناقشه قناة العرب لاحقا على شاشتها!
باعتقادي الشخصي، إن كان هناك من قول واضح في قضية الإغلاق المؤقت لقناة العرب، فهو أن القائمين على القناة -مع احترامنا لهم- جنحوا قليلا في الارتفاع بسقف حرية القناة، في مناقشة ما تريد وباستضافة من تريد، بهدف الترويج والتسويق للقناة على أكبر صعيد، ولكنهم تجاهلوا نقطة حساسة تقول إنه لا يمكن الترويج للقناة على حساب أمن البلد الداخلي والتزاماته السياسية الدولية؟!
المشكلة التي نعاني منها في عالمنا العربي، كوننا دول عالم ثالث مُستضعفة في كل شيء، هو أن ما تفعله أمريكا والدول الأوروبية مبررا كيفما كان، بينما لو تشابهت الظروف واضطرت دولنا لذات الفعل، فإنه يصبح مستهجنا ومنتهكا لحقوق الإنسان، بل متسلطا على الحريات والحقوق العامة!
على سبيل المثال، شاهدنا كيف تعاملت الشرطة الأمريكية مع أحداث فيرجسون العام الماضي، وشاهدنا كيف تعاملت الشرطة البريطانية أثناء أحداث لندن 2011، حيث قامتا بما يرونه حفظا للأمن، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين وحقوق الإنسان!
وإذا عدنا للقرار السابق بوقف قناة العرب، فإننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الحقيقة الإعلامية التي تقول، إنه لا توجد وسيلة إعلامية محايدة بنسبة %100!
ولا توجد وسيلة إعلامية ليس لديها خطوط حُمر، في استضافة شخصيات معينة على صفحاتها أو شاشاتها.
نعم هناك وسائل إعلامية محايدة ولديها مصداقية أكثر من غيرها بمراحل، ولكن من النادر أن نجد وسيلة إعلامية لا تخضع لتأثير سلطة مالية أو سياسية معينة، تحرس بوابة حروفها ولقطاتها من أن تنشر أو تبث ما يعارض أو يتصادم مع مصالح تلك السلطات.
قبل أيام كنت ضيفا على قناة البي بي سي العربية، حول موضوع الإيقاف المؤقت لقناة العرب، ومنذ أن بدأ البرنامج، والمذيعة تحاول ترسيخ فكرة أن القناة أُغلقت -وليس أوقفت مؤقتا- لأن نظام البلد هش، ولن يستحمل ذلك السقف العالي من الحرية!
بل راحت أبعد من ذلك، حيث كانت تحاول ترسيخ أن (المعارضة) في البحرين شيعية فقط، وأنها (معارضة) سياسية هكذا بالإجمال؟!
الأجوبة لم تتأخر كثيرا، فلفظ (المعارضة) الفضفاض، بات أداة لترميز شخصيات (سياسية ودينية) تحرض على العنف والكراهية، ولم يجن منها أتباعها عبر أكثر من ثلاثة عقود، سوى الأذى بكل أنواعه؟!
أخبرتُ المذيعة بأن البي بي سي نفسها، وفي شهر مارس 2007، ألزمتها حكومة بلير بعدم بث تقرير حول حزب العمال، في مزاعم حول منح ألقاب شرفية مقابل تقديم تبرعات مالية للحزب؟!
هذا غير الحكاية المشهورة، وهي رفض نفس القناة قبل سنوات، بث نداءات لإغاثة غزة على شاشتها في موقف غير إنساني غريب ومستهجن؟!
ليست البي بي سي فحسب، فجميع القنوات الأخرى عربية كانت أو أجنبية، محكومة بقوانين الدول التي تبثّ منها، ولا يمكن الانفراد بسياسة تحريرية تعادي وتستهدف البلد الذي تبث منه؟!
القضية إذاً قضية أعراف إعلامية مرتبطة بكل بلد، وعلى هذه القناة أو تلك، أن تعرف كيف تتعاطى بذكاء مع مساحة الحرية المتاحة لها.
جميعنا يعلم، أن قضايا الديمقراطية والحريات والحقوق في دولنا لها حدود، ومساحاتها تختلف من بلد لآخر، ولكن بالتأكيد؛ لا يمكن نسف وتدمير كل المساحات التي تقدمنا فيها، فقط لأن هناك بعض القرارات المتخذة هنا أو هناك.
الطريق شاقة وصعبة، ولا يمكن الوصول إلى ما يحقق رضا الشعوب بقفزة واحدة فقط.