تجمع مادة
الجرافين العجيبة بين الصلابة الهائلة وخفة الوزن الفائقة، فضلا عن قابلية للبسط إلى حد بالغ الدقة، وهو ما قد يمكن تلك المادة التي اكتشفت في
بريطانيا من تغيير كثير من مناحي الحياة البشرية بدءا من الحياة الجنسية للناس.
الجرافين الذي وصف بأنه قد يكون أهم
اكتشاف على الإطلاق خلال هذا القرن، هو أقل المواد سمكا على الأرض، وأقوى بمئتي مرة من الفولاذ.
وتبهر المادة الباحثين في أنحاء العالم الذين يستكشفون استخدامه في كل شيء من الإلكترونيات إلى قطاع الدواء.
وبالنسبة للعلم في بريطانيا يتمثل أكبر التساؤلات فيما إذا كانت الدولة التي اكتشفت الجرافين ستتمكن من تحويل هذا الإنجاز إلى مكاسب مالية حقيقية، أم ستتدخل الشركات العالمية الكبرى وتهيمن على السوق، وهو ما يلمح إليه تحليل لتومسون رويترز لبراءات الاختراع.
ويطرح السؤال في وقته تماما، حيث يهدد عرض محتمل قيمته 100 مليار دولار من شركة الأدوية الأمريكية العملاقة فايزر للاستحواذ على منافستها البريطانية الأصغر أسترا زينيكا، بتغيير المشهد في قطاع آخر، طالما برزت فيه الخبرات العلمية البريطانية، وهو الصناعات الدوائية.
وسيتم افتتاح المعهد الوطني للجرافين بتكلفة 100 مليون دولار، وبدعم من الحكومة العام القادم في
مانشستر، بهدف وضع بريطانيا في قلب "ثورة الجرافين"، التي تنعقد عليها آمال كبيرة.
ويتبنى مدير الأعمال بالمعهد جيمس بيكر رؤية تقوم على تحويل مانشستر إلى "مدينة جرافين"، أي مركز على غرار وادي السليكون، ليصبح المكان المرغوب لكل من يعمل في مجال هذه المادة العجيبة.
وقال بيكر في مقابلة: "إذا تم هذا بشكل صحيح فقد يكون نظام مدينة الجرافين مصدر إلهام لصناعة بأكملها، حيث تنتشر شركات جديدة على جانبي سلسلة الإمدادات وقاعدة المعرفة".
وأضاف: "مانشستر ليست فريدة من نوعها فيما يتعلق بأبحاث الجرافين .. لكن إذا بدأنا في إنشاء هذا التجمع فقد تصبح فريدة".
ورغم ذلك يظهر تحليل لـ"تومسون رويترز" لتسجيل براءات الاختراع في أنحاء العالم أن مهد الجرافين تتخلف بالفعل عن غيرها، حيث تتصدر الصين والولايات المتحدة فيما يتعلق باكتشاف سبل لاستغلال هذا الشكل من الكربون الذي لم يكن معلوما من قبل.
والمؤسسة التي تتصدر تسجيل براءات الاختراع هي شركة الإلكترونيات الاستهلاكية الكورية الجنوبية العملاقة سامسونج الكترونيكس، حيث تدرس إمكانية استغلال الجرافين في الشاشات المرنة التي تعمل باللمس ومجالات أخرى.
ويظهر هذا المشكلات التي تواجه اقتصادا متوسط الحجم مثل بريطانيا له قاعدة صناعية محدودة، ويكافح لتحويل الإنجازات العلمية إلى مكاسب مالية في عالم تهيمن عليه العولمة، بشكل متزايد.
وربما ما يزال اقتصاد بريطانيا البالغ حجمه 2.5 تريليون دولار محتفظا بوضع ريادي في مجالات تكنولوجيا متطورة معينة، مثل
صناعة الطيران والصناعات الدوائية، لكن المنافسة محتدمة ويمكن للاتفاقات بين الشركات عبر الحدود أن تغير الأفق بين عشية وضحاها.
وأحدثت خطط فايزر لابتلاع استرا زينيكا صدمات في قطاع علوم الحياة، الذي تقف على قمته جلاكسو سميثكلاين، والذي يشكل قصة نجاح نادرة لقطاع الصناعات التحويلية البريطاني.
وقالت ميلاني لي وهي مديرة أبحاث سابقة بقطاع الأدوية، وتدير حاليا مؤسسة ثينك-10 الاستشارية، إن التخفيضات في الأبحاث والتطوير الناتجة عن مثل هذا الاتفاق ستكون "مسمارا في نعش" قطاع حيوي لرعاية شركات التكنولوجيا الحيوية الجديدة.
واحتمالات تضرر حتى قطاع راسخ مثل الصناعات الدوائية تسلط الضوء على التحديات التي تواجه مدينة الجرافين التي يحلم بها بيكر.