مقالات مختارة

لعنة الموارد أم توحش الاستعمار

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

من تفسيرات أصل كلمة إفريقيا ذات السند العلمي المعتبر، أن (إفريقيا) أسم مُشتقٌ من أفريقش ملك اليمن الذي كان أول من سكن هذه البلاد، ولم يستطع الرجوع إلى مملكته بعد أن غلبه الملوك الآشوريون وطردوه؛ فاجتاز النيل مسرعا، ثم تابع سيره غربا؛ ولم يقف حتى وصل إلى ضواحي قرطاج في تونس. ولما رجع ترك هناك مجموعات من قبائل حمير صنهاجة وكتامة، فما زالوا بها باقين. وفي حقب لاحقة تمددت آثار اللُغة العربية في عددٍ من اللُغات الإفريقية المحلية لدرجة كبيرة، وظهر هذا الأثر واضحا في لغة الهوسا وصنفي والفولاني، ويُوجد في هذه اللُغات الكثير من الكلمات ذات الأصول العربية، بل أن الحروف العربية استخدمت في كتابة لُغة الهوسا منذ زمن مُبكر، كما استخدمت في اللُغة الفُولانية.

أما الأثر الثقافي الإفريقي في البلاد العربية فقد بلغ مبلغا كبيرا فدخلت بعض المفردات اللُغويّة الإفريقية في اللغة العربية، بل إن بعض تلك المفردات وجدت طريقها إلى الأحاديث النبوية الشريفة؛ فقد "أخرج أحمد عن حذيفة قال سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الساعة فقال: عِلمها عند ربّي لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها؛ إن بين يديها فتنة وهرجا، قالوا: يا رسول الله، الفتنة عرفناها فالهرج ما هو؟ قال بلسان الحبشة القتل". بل كانت هناك هجرات إفريقية معاكسة إلى الجزيرة العربية، فكان العهد الجاهلي زاخرا ببعض المجموعات الإفريقية التي استقرت بين العرب وانصهرت في بوتقة القبائل العربية عن طريق الولاء والانتماء الكامل. ولا شك في أنّ بعض هذه المجموعات شقّت طريقها إلى الجزيرة العربية لعوامل غير الرّق والغزو كالغزو الحبشي لليمن. ولعل فكرة الزنجية لم تكن رد فعل لما يُدعى بالهيمنة العربية الإسلامية وتجارة الرقيق العربية عبر الصحراء أو المحيط العربي بل كانت رد فعل للاستعمار الغربي وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

إن ويلات الاستعمار الغربي لإفريقيا ظلت ماضيا أسود وحاضرا مستحكما؛ المفكرون الأوروبيون والغربيون أفصحوا الأسباب التي دفعت بلادهم لاستعمار إفريقيا، فعدد المستعمرات تزداد معها هيبة الدولة المستعمرة بين رصيفاتها، ومن ثمّ تصبح لاعباً عالمياً. كانت تلك الدول المتنافسة بحاجة إلى موانئ لسفنها وقواتها البحرية للتوقف وإعادة الإمداد. فقد كانت القوات البحرية تمثل ذلك الوقت سلاحا نوويا. اقتصاديا كانت موارد الدول الأوروبية الطبيعية قليلة أو ربما معدومة. كما إنشاء المستعمرات يوفر أسواقًا جديدة لسلعها المصنعة من موارد ذات الدول التي تحول قسرا لسوق استهلاكية. لقد كان التوسّع في إفريقيا، والسيطرة على مناطق التحكم الاستراتيجي، والمعابر المائية القابضة، على طرق التجارة الدولية أحد الأهداف الاستعمارية في إفريقيا، وبرزت في الأفق الإمبراطوريات البريطانية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، وكانت تتصارع بعنف وتتسابق بنشاط لاقتسام مناطق النفوذ، وتوزيع الإرث وخاصة ما كان يُطلق عليه وقتها "أرض بلا صاحب"، وما كان أكثر تلك الأراضي التي وضعها الاستعمار الأوروبي تحت هذا الشعار خاصة في إفريقيا. وجاء مؤتمر برلين 1884- 1885م ليضع خريطة تقسيم إفريقيا، وليقنن السباق الاستعماري الأوروبي، ويحدّد لكل دولة من الدول حدود مستعمراتها الجديدة.

لقد بقيت إفريقيا مستودعا مهما للمواد الأولية، ولم يكد يتم استغلال ما يزيد عن الطبقة السطحية من أرضها حتى اليوم، ومع ذلك فإنها تنتج ما يقرب من نحو 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية مهمة كالمنجنيز والكروم و اليورانيوم. كما تنتج إفريقيا نحو ثلثي كاكاو العالم وثلاثة أخماس زيت النخيل، وأرضها فيها احتياطيات لا نهاية لها من القوة المائية كما ينمو في أرضها أي نبات في العالم.

في فرنسا شهد الأسبوع الماضي الدولة الاستعمارية الأعظم تظاهر آلاف الأفارقة في باريس ومدن فرنسية أخرى احتجاجاً على العنصرية وعنف الشرطة. وسار المتظاهرون خلف لافتة تدين "جرائم الدولة"، وحمل آخرون لافتات كُتب عليها شعار "حياة السود مهمة". وجاءت التظاهرات عشيّة اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري الذي يتم إحياؤه في 21 مارس تكريماً لذكرى مقتل 69 متظاهراً سلمياً في جنوب إفريقيا برصاص الشرطة عام 1960 في ظل نظام الفصل العنصري. جاءت الدول الاستعمارية بالأفارقة إلى أوروبا عبيدا ورقيقا فلما بنوا لها حضارتها مضت تسومهم سوء العذاب تحتقر أبناءهم وتشتم نساءهم. ومع كل تلك الكراهية العنصرية يتحدث اليوم الاقتصاديون في الولايات المتحدة عن الآثار الاقتصادية والمالية جراء انخفاض أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء من 2017 إلى 2020 بسبب السياسة المتشددة التي فرضها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق. ويعترف الاقتصاديون بأن المهاجرين الدوليين ويمثل الأفارقة جزءاً كبيراً منهم، يشاركون أيضًا في الاقتصاد. وأن الانخفاض الحاد في قبول اللاجئين في الولايات المتحدة بدءًا من عام 2017 يكلف لاقتصاد الأمريكي الإجمالي اليوم أكثر من 9.1 مليار دولار سنويًا ويكلف الخزينة العامة على جميع مستويات الحكومة أكثر من 2.0 مليار دولار سنويًا.

لقد كان التغيير الجذري الهائل في إفريقيا عقب ظهور الاستعمار بقيمه الثقافية ومبادئه السياسية، وطال هذا التغيير منظور السلطة وطبيعتها في المؤسسة السياسية الإفريقية، حين حقنها بقيم فضفاضة في جوانبها النظرية خاوية في أبعادها التطبيقية كما أنها لم تكن تتناسب مع البنية الثقافية الإفريقية نظراً لتعقد آليات تشغيلها. فقد رفض الاستعمار الاعتراف بوجود الممارسات الديمقراطية في الحياة السياسية التقليدية التي ربطها تلقائيا بالتخلف والبدائية، والاستقراطية، والديكتاتورية في الحكم، كما لم يمارس الاستعمار الديمقراطية المُدعاة في تعامله مع المجتمعات الإفريقية، وإن ادعى نشر قيمها والسعي لتوطيدها. وما من شك في أن الصراعات والنزاعات التي تدور حاليا بين بعض الأقطار الإفريقية، تعود جذورها إلى فترة الاستعمار الأوروبي للقارة الذي قام برسم الحدود بين الدول الإفريقية دون أن يراعي الاعتبارات الإنسانية والقبلية التي كانت موجودة في القارة، فمعروف أن هناك بعض القبائل كبيرة العدد، تعيش في بعض المناطق، وعندما قام الاستعمار برسم الحدود، لم يضع في اعتباره ضرورة وحدة هذه القبائل ووجودها في مكان أو دولة واحدة.

(الشرق القطرية)

 

0
التعليقات (0)