هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هل تخلت
الولايات المتحدة عن آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، أم أن هذا الرجل فقد صوابه بحيث
صار يرى كل الناس وكل الدول يتآمرون من أجل إسقاطه؟!
المتابع
للمواقف الأمريكية من نظام آبي أحمد قد يكتشف أن أمريكا لم تضغط على الرجل ضغطا حقيقيا
في أي لحظة، حتى عز أيام دونالد ترامب.
نتذكر
جميعا أن الإدارة الأمريكية السابقة استضافت مفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر والسودان
وإثيوبيا في واشنطن بقيادة وزير الخزانة الأمريكي السابق مينوتش وبمشاركة من رئيس البنك
الدولي ديفيد مالباس، وأسفرت المفاوضات عن التوصل لاتفاق ثلاثي في فبراير ٢٠١٩، لكن
إثيوبيا هربت من التوقيع فى اللحظة الأخيرة، في حين تحفظت السودان تحت حكم عمر البشير
عن التوقيع.
إثيوبيا
وقتها ادعت أن أمريكا منحازة لمصر ولو أن الاتهام صحيح، لكانت أمريكا قد ضغطت على إثيوبيا
بصورة كبيرة عبر العديد من الأدوات التي تملكها واشنطن، لكن وباستثناء انتقادات لفظية
فإن إدارة ترامب لم تفعل شيئا عمليا.
بعدها
وفي عز تعنت إثيوبيا في المفاوضات، خرج ترامب بتصريحه الملفت جدا للنظر في ٢٤ أكتوبر
٢٠٢٠، حينما قال إنه لن يستغرب إذا قامت مصر بتدمير سد النهضة، لأنها لن تكون قادرة
على العيش بهذه الطريقة مع السد.
كثيرون
احتاروا فى تفسير مغزى هذا الكلام، وهل كان يقصد تأييده لقيام مصر بذلك، أم للضغط على
إثيوبيا لتقبل باتفاق شامل، أم أنه كان يريد توريط مصر؟
ظن كثيرون
أن مجيء إدارة جو بايدن الديمقراطية هو خبر سار لأحمد، والملاحظ أن الأخير تورط فى
الحرب على إقليم التيجراي في ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ بالتزامن مع إجراء الانتخابات الأمريكية
وبالتالي انشغال هذه الإدارة عنه، لكن من سوء حظه هو توالي التقارير الدولية عن انتهاكات
مريعة لحقوق الإنسان وانتشار المجاعة، وتزايد عدد اللاجئين في الإقليم. ولاحقا اضطرت
إدارة بايدن إلى فرض عقوبات لردع أديس أبابا، لكنها لم تكن عقوبات جادة بل مجرد حظر
سفر وتجميد أصول للأفراد والكيانات التى تطيل أمد الحرب وتمنع وصول المساعدات الإنسانية
وحتى هذه اللحظة فإن موقفها لا يزيد عن وقف اطلاق النار والسماح بتدفق المساعدات الانسانية
اضافة الى حض المعارضة علي عدم الزحف الى اديس ابابا.
الولايات
المتحدة وبسبب تزايد الانتقادات الدولية الحقوقية على ما يجرى من فظائع إنسانية في
إقليم التيجراي، كررت تحذيراتها للحكومة الإثيوبية، لكن الأخيرة رفضت بعناد الاستماع
إلى أية نصائح أمريكية أو غربية، وربما ذلك هو ما يجعل واشنطن تنظر إلى أحمد باعتباره
صار جزءا من المشكلة وليس من الحل، كما كانت تأمل في بدايات صعوده للحكم.
آبي
أحمد ينظر إلى دعوة واشنطن لرعاياها مغادرة إثيوبيا على أنه موقف منحاز ويصب في مصلحة
معارضيه، وهو ما فعلته أكثر من دولة منها بريطانيا وحتى إسرائيل، لكن هو ينسى أن أمريكا
تفعل نفس الأمر في أي منطقة صراع مسلح، وبالتالي يبدو الأمر تطرفا من آبي أحمد.
لكن
ربما كان على آبي أحمد أن يقلق كثيرا لأن تسع جماعات سياسية وعسكرية إثيوبية أعلنت
يوم الجمعة الماضي من واشنطن تكوين تحالف لإسقاطه.
جيفرى
فيلتمان المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي دعا أكثر من مرة الحكومة الإثيوبية وجبهة
التيجراي إلى وقف القتال والبدء فى مفاوضات سلمية فورية، للوصول إلى تسوية باعتبار
أن القتال لن يقود لأي حسم للصراع. لكن آبي أحمد ظن في البداية أنه قادر على الحسم.
ويعتقد أنه لو قبل بالتفاوض حاليا فسيعتبر ذلك هزيمة ساحقة له.
هناك
تقديرات تقول إن فترة العلاقات الذهبية بين واشنطن وأديس أبابا كانت منذ سقوط نظام
منجستو هيلا ماريام الماركسي عام ١٩٩١ وحتى صعود آبي أحمد. وهذه الفترة كانت جبهة التيجراي
هي التى تحكم وتقود إثيوبيا، في حين أن آبي أحمد اقترب أكثر وأكثر من الصين، وهو الأمر
الذي أغضب الولايات المتحدة، وانطلاقا من هذه النقطة يرى البعض أن آبي أحمد ربما صار
ورقة محروقة لدى واشنطن. لكن الأقرب إلى الصواب أن حسم الأمر ليس موجودا فى يد واشنطن
أو بكين بل فى يد الشعب الإثيوبي بالدرجة الأولى.
(الشروق المصرية)