هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تدخل الأزمة التونسية منعطفا جديدا مع تكليف الرئيس قيس سعيّد، مستشاره القانوني السابق ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي، بتشكيل حكومة جديدة، خلفا لرئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ.
استخدم الرئيس حقه الدستوري باختيار الشخصية التي يراها الأقدر لرئاسة الحكومة، ولكنه تجاوز كل ترشيحات الكتل النيابية، بما في ذلك فاضل عبد الكافي الذي رشحته أكبر كتلتين نيابيتين هما النهضة وقلب تونس.
ولا يحتاج أي متابع للشأن التونسي لجهد كبير لإدراك عمق الأزمة التي قد يخلفها هذا الترشيح، وأهمها:
أولا: المخاوف من تحويل الحكم في تونس إلى نظام رئاسي، بالرغم من أن الدستور يجعل الحكم برلمانيا رئاسيا، ويفترض أن تشكيل الحكومة يتم بترشيحات الكتلة النيابية الأكبر، ولكن الرئيس استخدم حقا دستوريا أيضا يمنحه اختيار رئيس الحكومة في حال فشل رئيس الوزراء الذي اختارته الكتل النيابية بالحصول على ثقة أغلبية النواب.
ثانيا: احتمالية حل مجلس النواب في حال عدم حصول الرئيس المكلف على ثقة البرلمان، وهو ما قد يؤدي لفراغ سياسي، وتحميل ميزانية البلاد لتكاليف إجراء انتخابات مبكرة.
ثالثا: في حال حصول المشيشي على الثقة، بسبب اضطرار الكتل النيابية لذلك لمنع خيار حل البرلمان، فإن ذلك قد يؤدي لتشكيل حكومة ضعيفة لا تتمتع بحزام سياسي قوي، أو لسنوات من المناكفة بين رئيس الحكومة وبين البرلمان الذي منحه الثقة اضطرارا.
من الواضح أن الرئيس اختار مسار التأزيم بشكل واع جدا، فهو يريد التحكم بمفاصل العملية السياسية من جهة، وإثبات رؤيته المتشككة تجاه البرلمان والأحزاب
جاء الرئيس سعيد من خارج المؤسسات السياسية، وبخلفية قانونية ودستورية متينة. مارس حقه الدستوري في تكليف إلياس الفخفاخ ومارسه مرة أخرى بتكليف المشيشي، ولكنه لم يمارس السياسة التي تضمن استمرار العملية السياسية وتحقيق إنجازات حكومية يحتاجها المواطن التونسي، وغامر بذلك بإمكانية ضرب إيمان التونسيين بالديمقراطية ومنجزات الثورة، وإدخال السياسة بموت سريري.
الأزمة في تونس عميقة بلا شك، وهي تحتاج لرئيس يبدع في ممارسة السياسة، لا في قراءة الدستور فقط!