هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا شك أن حزب الليكود حقق
تقدما كبيرا في هذه الانتخابات، ولا شك أن نتنياهو قد لعب دورا محوريا في هذا
التقدم.
لم تكن الحملة الانتخابية لكل من الليكود
ونتنياهو مجرد معركة انتخابية، بدت في بعض اللحظات وكأنها معركة حياة أو موت.
لم يكن نتنياهو على خطأ حين اعتبرها كذلك، ولم
يكن كامل معسكر اليمين في إسرائيل يشعر ويستشعرها إلا كذلك أيضا.
وهذه الانتخابات بالذات بقدر
ما كانت ـ وربما ما زالت ـ فرصة لهذا اليمين، إلا أنها وخلافا عن كامل باقي القوى
السياسية في إسرائيل هي ورطة كبيرة أن ضاعت الفرصة أو أفلتت من بين أيدي هذا
اليمين.
تماسك اليمين كان مهما للغاية من اجل الوصول إلى
«الواحد والستين» مقعدا، وما زال مهما من أجل المناورة مع عضو هنا وآخر هناك مع
هذه القائمة أو تلك.
هنا بالذات يصعب الحديث عن
أساليب سياسية متعارف عليها للوصول إلى الهدف. هنا في عرف نتنياهو، وعرف الليكود،
وعرف كامل مصفوفة اليمين الأمر يتعلق بأحط أشكال الابتزاز، وأخس الوسائل،
وبما يتشابه كثيرا، وربما يتماهى مع الأساليب المتبعة في مافيات بداية القرن
العشرين.
ومازال تماسك اليمين ضروريا إلى أبعد الحدود
حتى لو فشل هذا اليمين بتأمين العدد المطلوب لتشكيل الحكومة وإنقاذ نتنياهو، ذلك
أن اليمين لديه مهمة أخرى إضافية وهي منع حزب «ازرق ـ ابيض» من تشكيل هذه الحكومة أو
أي شخصية أو حزب آخر.
احتفل نتنياهو على خجل، ولم
يحرق كامل سفنه في ذلك الاحتفال المبكر، لكن شعر بما يشبه نشوة الانتصار، وكأنه في
لحظات معينة اتضح أن الأمور في طريقها إلى الحل.
الآن يمكن القول أن ذلك الشيء الذي يشبه نشوة
النصر قد تلاشى بالكامل، والأمل بأن يشكل الحكومة بدأ يختفي، رويدا رويدا، وإنقاذ
نتنياهو تحول إلى مهمة صعبة.
استمالة مجموعة من أعضاء
الكنيست من بين صفوف «ازرق ـ ابيض» ما زال ممكنا نظريا، أما استمالة أحد أعضاء حزب
العمل فيبدو أنها أصبحت بلا جدوى طالما أن هذه الاستمالة لا تؤدي إلى تشكيل
الحكومة. اليمين في إسرائيل تكتل حول نتنياهو على الرغم من العبء الأخلاقي لهذا
الموقف، بسبب ذلك الربط المحكم بين بقاء نتنياهو، ودوره في قيادة حكومة يمين، وبين
بقاء اليمين في الحكم أو التشظي المحتوم بدون سدة الحكم في إسرائيل.
وإذا فشل نتنياهو خلال أسبوع
واحد أو عشرة أيام بدءا من صباح هذا اليوم في إيجاد مخرج لتشكيل الحكومة فإن مصيره
المحتوم هو العزل أو الاعتزال أو السجن.
العزل لأن القائمة المشتركة
مع تحالف حزب العمل وحزب «ازرق ـ ابيض» وحزب ليبرمان لديهم أكثر من واحد وستين
عضوا للمطالبة بعزله، أو منع ترشحه.
لو تأكد هذا التوجه فالعزل
يصبح مؤكدا.
الاعتزال هو أن يذهب نتنياهو
بنفسه إلى النائب العام ويعقد معه صفقة للاعتزال السياسي مقابل إسقاط التهم، أو
ضمان عدم الذهاب إلى السجن على أقل تقدير.
أما إذا ركب نتنياهو رأسه،
وأصر على انه يواجه «مؤامرة»، وان الذي يجري ضده هو «انقلاب» كما أشاع ويستمر في
التحريض ضد جهاز الشرطة والنيابة العامة والمستشار القضائي، فإن احتمال الذهاب إلى
السجن يصبح هو المرجّح.
بكل هذه المعاني فقد كان
الاحتفال مبكرا، وما كان لشخص مثل نتنياهو أن يقبل بخداع نفسه وخداع جمهور
الليكود. كل القوى السياسية تشعر بخيبة الأمل، وعلى رأس كل القوى حزب «ازرق ـ
ابيض»، الذي لم يتمكن من التقدم، ولم يتمكن من المحافظة على قوته في الانتخابات
السابقة.
كل القوى تراجعت إلا «شاس»، والقائمة
المشتركة، والتقدم الذي أحرزه الليكود كان مهما، ولكن ليس إلى درجة تحقيق الهدف.
وبما أن تقدم «شاس» هو في المحصلة لمصلحة
تحالف اليمين، ولمصلحة نتنياهو، فإن تقدم «المشتركة» بمقعدين وملامسة خط التماس
لعدة مرات للمقعد الثالث هو الضربة القاصمة التي وجهت لنتنياهو. وحدها القائمة
المشتركة هي التي ركلت اليمين، ووحدها أفقدت هذا اليمين صوابه وتوازنه.
صحيح أن القائمة المشتركة
أبقت لليمين حتى هذه اللحظة بصيص أمل خافتا، وصحيح أنها «المشتركة» لم تحسم
المعركة نهائيا، إلا أن الواقع يقول بكل وضوح أن هذه القائمة بدعم غير مسبوق من
جماهير شعبنا قد ردت لهذا اليمين ولنتنياهو الصاع صاعين على حملات التحريض على
شعبنا وعلى قيادته هناك.
بلغت نسبة المشاركة الفلسطينية في هذه الدورة
من الانتخابات حوالي 68%، وهي نسبة عالية للغاية وتفوقت عن النسبة السابقة بحوالي
9 نقاط.
وبلغ تأييد «المشتركة» من
الأصوات الفلسطينية ما يقارب الـ89% وتجاوزت هذه النسبة الـ90% في بلدات كثيرة.
لاحظ القاصي والداني كيف واصلت قيادة الجماهير العربية في الداخل الليل بالنهار
جنبا إلى جنب مع قيادات المشتركة، وخصوصا زعيمها أيمن عودة، وكيف وصلوا إلى كل بيت
وركن وزاوية إيمانا منهم بخطورة المرحلة، وأهوال التحديات القائمة والقادمة. وإذا
قدّر لهذه الانتخابات أن تودي بالحياة السياسية لنتنياهو، وان تشتت معسكر اليمين
في إسرائيل، وان تمنعه من المضي قدما في برنامج الضم والتوسع والاستيلاء التوسعي،
وأن تحبط مخططاته «للتخلص» من أهل المثلث درءا لأخطار الديمغرافيا الفلسطينية على
المشروع الصهيوني، فإن التاريخ الفلسطيني سيسجل للقائمة المشتركة ولجماهير شعبنا
في الداخل صفحات مشرّفة ومشرقة وبأحرف من ذهب.
أما الصورة المحزنة والتي تدمي القلب وتبعث
على اشد درجات الحزن والشفقة والغضب في الوقت نفسه، فهي صورة هؤلاء الذين كانوا
«يحرضون» على المقاطعة.
أيعقل أن يصل العمى والانغلاق الأيديولوجي إلى
هذه الحدود من عدم التمييز بين ما هو ضروري سياسيا في مراحل فاصلة، وبين ما هو
عارض ولحظي ومؤقت؟!
أيعقل أن تكون محصلة
المواقف، ومحصلة التحريض لليمين الصهيوني تنسجم وتلتقي بالكامل مع تحريض دعاة
مقاطعة الانتخابات دون فرق يذكر؟!
أيمكن أن يكون 90% من شعبنا
في الداخل هم من السذّج والجهلة باستثناء العباقرة والحكماء الذين واصلوا الليل
بالنهار للتحريض على المقاطعة؟!
الأمل أن يعود هؤلاء عن هذا
النهج الصبياني، وأن يعاودوا الانخراط في معركة شعبهم المصيرية، وأن يستيقظوا قبل
أن يجدوا أنفسهم في أحضان نتنياهو وبينيت وهم غافلون.
عن صحيفة "الأيام"
الفلسطينية