هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على الرغم من الإجماع الوطني الفلسطيني الواسع على اعتبار خطة ترامب تكريساً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي بصيغته اليمينية القومية الدينية، يصر طاقم ترامب الثلاثي كوشنير-غرينبلات-فريدمان وأصدقاؤه من بعض قادة دول الخليج على دعوة شخصيات اقتصادية عالمية وإقليمية، من بينهم وزير المالية الإسرائيلي كحلون لحضور مؤتمر أو ورشة عمل اقتصادية في المنامة يومي 25 و26 -6-2019، تحت شعار ازدهار للسلام، وذلك في ظل مقاطعة ورفض فلسطيني رسمي وشعبي.
يصر طاقم ترامب على عدم الاعتراف بفشل مقاربته السياسية لتسوية الصراع وتحريك ما يسمى بالعملية السلمية بسبب إجماع فلسطيني كبير على رفض أسس خطته القائمة على تجاهل الاحتلال وتعزيز الأمر الواقع كما ظهر باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وعدم التطرق للأساس التقليدي لعملية التسوية وهو حل الدولتين، وبدلا من ذلك هرب الطاقم- الموصوف فلسطينيا باليميني المتطرف– نحو الأمام بمقاربة اقتصادية جديدة قديمة ومحكوم عليها بالفشل المسبق، وذلك فيما يبدو على أنه محاولة لطرح "شيء ما" يملأ الفراغ السياسي، ويمنع الظهور بمظهر الفاشل لحين الانتخابات الأمريكية.
يحاول المؤتمر على ما يبدو تكرار التجربة الفاشلة السابقة في المساعدات الدولية رغم توفر عنصر تعاون السلطة، وستكون أكثر فشلا بدون تعاونها، فالإطار الاقتصادي الذي كان قد حدده أوسلو ودعمه البنك الدولي تحت عنوان "الاستثمار في السلام" أو "السلام الاقتصادي" بأجندة نيوليبرالية تزيد الفقير فقراً والغني غناً، و تحت احتلال عسكري استيطاني يتسبب بخسائر سنوية للاقتصاد الفلسطيني تصل لحوالي 7 مليارات دولار سنويا، أي ما يعادل 85% من الناتج المحلي، وفي ظل تشظي فلسطيني جغرافي وسياسي لا يمكن أن يكتب لهذه التجربة النجاح بل ستعزز هيمنة الاحتلال سياسيا واقتصاديا.
بمعنى آخر فكرة مؤتمر المنامة حتى لو افترضنا أنها جدية وليست عبثية عقيمة كما هو الرأي السائد فلن تبتعد عن النظرة الأمريكية لنهج المعونة للفلسطينيين، كما ظهرت في تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي 2014 والهادفة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، أي مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة ودعم التعايش وتعزيز الحكم الذاتي.
قد يحمل الإعلان الأمريكي- الخليجي معنى من معاني الابتزاز والمناكفة للسلطة الفلسطينية ولرئيسها أبو مازن المتهم أمريكيا بتعطيل خطة ترامب، وخاصة من خلال الإعلان بأن الخطة ستتضمن استثمارات كبيرة في قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب ووفق مسؤول كبير في البيت الأبيض لهآرتس 20-5 "اتفاق وقف إطلاق نار جدي و مستمر"، مما قد يعتبر تلويحا "صبيانيا " لأبي مازن بأن ظروف غزة تسمح بأن تمضي وحدها في وقف النار والازدهار الاقتصادي حتى دون موافقته أو شراكته.
من جهة أخرى فلا شك أن عقد المؤتمر الاقتصادي في عاصمة هامة كالمنامة وبدعم سعودي وإماراتي كامل، قد يشمل 70% من حجم الاستثمارات والمساعدات المقترحة (والوهمية على الأرجح) وعلى الرغم من رفض وغيظ الفلسطينيين- ووصفهم له كطعنة خنجر في ظهرهم - سيزيد الهوة والشرخ بين الفلسطينيين ومن ناصرهم من العرب من جهة وبين المحور السعودي الإماراتي، كما بدأ يظهر في التقارب الفلسطيني القطري، مما سيزيد الموقف العربي ضعفا وتشرذما، وبالتالي تراجع فرص حل عادل لقضية فلسطين، كما سيسمح لنتنياهو بالاحتفاء بإنجاز سياسي آخر على طريقته ومنهجه في عزل الفلسطينيين والتقدم نحو التطبيع الكامل.
وهكذا يبدو مؤتمر المنامة -إن تم عقده- عقيما لا يحمل تأثيرا سياسيا أو اقتصاديا إيجابيا على القضية الفلسطينية، بل على العكس هو يعزز الاحتلال ويسهم في تقويض أسس عملية السلام التقليدية، كما أنه تجاوز للشعب الفلسطيني بأكمله وبصورة فظة، وهو تساوق بشكل شبه أعمى مع أطروحات ترامب ونتنياهو ولن يزيد الوضع العربي إلا تعقيدا وتخبطا وانشقاقا.