هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إن صحّ ما يتداوله الشارع على نطاق واسع، بأن الكثير من المسؤولين،
من الذين علموا بأن مدة "صلاحيتهم"، إن صحّت كلمة صلاحية، قد
انتهت، قد باشروا عمليات نهب وتقديم الهبات من أراض وصفقات بطرق غير قانونية،
فإننا بذلك سنكون أمام أناس أبشع من الاستعمار نفسه الذي مارس سياسة الأرض
المحروقة تجاه شعب آخر، وهم مارسوا جريمة الأرض المنهوبة تجاه شعبهم.
لا
أظن أن ما قام به بعض المنتمين إلى حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني
الديمقراطي والقضاة والإعلاميين والمسؤولين الذين انضموا لمسيرات الجمعة له معنى،
إن لم يدعّموا هذه الصور، بالفعل الحقيقي، وهو كشف هذه التجاوزات الخطيرة، التي
تدلّ على درجة الوضاعة والحقارة التي وصلها بعض المسئولين الذين من المفروض أن
يكون مكانهم المناسب في غياهب السجون.
نخشى
أن يتحوّل العمر الطويل لحراك الشارع الذي دخل يوم الجمعة شهره الثاني، إلى مزيد
من الوقت ليحمل الانتهازيون الذين نعلم جميعا كيف وصلوا إلى السلطة، مزيدا من
حقائب السفر المليئة بالكنوز، ويلحسون ما تبقى من آبار النفط. فكثير من كبار القوم
وصلوا إلى" الكرسي" بكثير من التنازلات المادية وحتى
الأخلاقية، ولا يمكنهم أن يغادروا إلا بنهب كل ما رأته أعينهم وسمعت عنه آذانهم،
فإذا كانوا قد نهبوا البلاد وهم مقتنعون بأنهم "سيخلدون" فيها،
فكيف ستكون حالهم وهم يعلمون بأن بقاءهم في مناصبهم لن يزيد عن أيام معدودات؟
المؤسف
أن ما يحصل حاليا من جرائم في حق الشعب، لم يخرج عن تغريدات مواقع التواصل
الاجتماعي، بينما بقي الذين من المفروض أن يحققوا ويتابعوا ويحاسبوا هؤلاء،
غائبين، ونخاف أن يأتي تحرّكهم متأخرا جدا، كما هو تحرك الدولة إزاء حراك القاعدة
التي كلما علا صوتها كلما خفت صوت القمة، فقد وجد جمال ولد عباس وأحمد أويحيى
ومحمد بن حمو وعمار غول وسيدي السعيد وغيرهم من الذين أسمعونا قرعهم للطبول و"تبريحاتهم" من
يجلدهم، من دون أن تأخذه بهم رأفة في مسيرات الشارع وعلى منابر التواصل الاجتماعي
قبل أن يرمى بهم في مفرغة التاريخ، ولكن أشدّ منهم خطرا، هم بالتأكيد الصامتون
الذين تجري أمام أعينهم هذه التجاوزات ولا يحركون ساكنا، ولن يجد الشعب فرصة لكشف
المتلاعبين من هذه التي سنحت لهم، ولن يجد سلك العدالة فرصة للتحرر من الأوامر
الفوقية وكسب ثقة المواطنين من جرّ هؤلاء إلى المحاسبة.
مازال
الجزائريون مختلفين في معالم رسم المستقبل، بين من يصرّ على ألّا يرحم القانون من
نهبوا المال العام، وآلموا أبناء الجزائر، بين تهجير وتيئيس وتهميش، وبين من
يريدها على طريقة فتح مكة.. "من دخل بيت الجزائر فهو آمن"، ولكنهم
بالتأكيد سيتفقون على ضرورة محاسبة كل من مدّ يده لأرزاق الناس، والناس على
أرزاقهم في مسيراتهم حريصون.
عن صحيفة الشروق الجزائرية