هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قدر الربيع العربي على ما يبدو، كلما خاب ظن الناس بقدراتهم وإمكانياتهم في التغيير نحو غد عربي حر وأفضل، كلما قيّض الله تبارك وتعالى أملا جديدا يشحذ الهمم الثورية من جديد، ويجدد لهذه الأمة الثائرة الغاضبة على طغاتها واستبدادييها، أن تجدد معه العهد الذي أفنى الملايين منهم على درب الخلاص من الاستبداد والتشوّف للحرية وللحكم العادل، الذي ينصفهم بعد ظلم ران على القلوب والأوطان، ويخرجهم من عبودية الطغاة والاستبداد والتبعية الأجنبية، إلى الحكم الرشيد الذي تشارك فيه الشعوب.
فمع الانتكاسة التي تعرضت لها الثورات العربية في ليبيا ومصر وسوريا، جاء رحيل طاغية اليمن، وعلى أيدي من وقف معهم ووقفوا معه، بعد أن خان شعبه، وقتله وجلب له كل أشكال الاستبداد والقتل والخيانة، فكان قدره أن يرحل بطريقة كان من المفترض أن تجعل منه عبرة لمن بعده، وأن جزاء من يربي الثعابين ويتربى في ظلها وحمايتها، ستكون نهايته الموت من لدغاتها ومن سمومها، لكن طغاة واستبداديي بلدان الربيع العربي، أصموا آذانهم وأغشوا أعينهم عن كل ما يرشدهم إلى خيرهم، ناهيك
عن خير شعوبهم وبلدانهم.
اليوم ينتفض شعب الأوراس، مجددا العهد من جديد للربيع العربي الذي غدا عبارة عن سلسلة من حلقات، بوصلتها كلها نحو شاهد المسبحة، وهو الحرية والتخلص من الاستبداد العربي الذي ران على القلوب، لم ينفع تخويف الشعوب بالعشرية السوداء التي عاشها الشعب الجزائري، ولم ينفع من خوّفه بما حصل للربيع العربي وثوراته في سوريا واليمن وليبيا ومصر، فالشعوب صممت وعزمت على التغيير مهما كانت الكلف والأثمان، فلن يفيد الطغاة ولا من خلفهم تخويفهم بكل بنوك الرعب والخوف الذي في حوزتهم ضد الشعوب.
الجزائر اليوم تقدم المثال الأوضح في عالم الربيع العربي، بعد أن قدمته أنموذجا رائعا في الستينيات حين ضحت بمليون شهيد من أجل أن تصل إلى هدف الحرية، ليختطف حلم الحرية أخيرا مومياءات ومن خلفها، وممن خلف الجميع، ولكن ظل الشعب الجزائري مصمما على هدفه وهو الحرية، ولعل ما يجري اليوم فيها هو استكمال لمشروع استقلال الجزائر، الذي أطلقه الآباء المؤسسون، كما أن ما يجري في الشام والعراق واليمن ومصر واليمن وغيرها، هو استمرار لمشروع الاستقلال من الاحتلال الأجنبي، واليوم يصار إلى التخلص من الاحتلال الأجنبي الذي جثم فترة أطول، فكانت ممارساته أقسى وأخطر بعد أن عشعش في العقول.
ما يجري في الجزائر اليوم هو ضوء ليس لأهل الجزائر فقط بعد أن أوقفت المومياء ترشحها عن الرئاسة، وإنما ضوء من جبال الأوراس لكل الربيع العربي من الشام واليمن إلى العراق ومصر، فالكل يعتبر انتصار ثورة واحدة يعني انتصار الثورات كلها، فالثوار والثورات بعضهم أولياء بعض، كما أن الثورات المضادة بعضهم أولياء بعض، فالثوار لا يموتون وكذلك الثورة.
عن صحيفة العرب القطرية