هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ارتفعت مئات الأعلام الفلسطينية في المؤتمر السنوي لحزب العمال البريطاني، هذا الأسبوع، أثناء الجدل الصاخب بشـأن الموقف من القضية الفلسطينية، ووجه المؤتمر رسالة أشد حدة وقوة من "أطنان" رسائل الانتقاد، والتهديد المعنوي، وعمليات الضغط التي يقوم بها، لا اللوبي الإسرائيلي وحسب، بل الحكومة الإسرائيلية ذاتها، عبر وزارة الخارجية وسفاراتها، ووزارة الثقافة، ووزارة الشؤون الاستراتيجية، وأجهزة الأمن، فكل هذه وغيرها، تتابع ما يقال حتى في مؤتمر أكاديمي أو مهرجان فني، فما بالك بمؤتمر حزب العمال البريطاني، المرشح لاستلام الحكم في أي لحظة. وإذا قرأتَ كواليس حزب العمال وما كان يجري من نقاش ستجد أنّ ما فعله البعض هو أيضاً للتصدي الصريح لصفعات دونالد ترامب على الخد الفلسطيني، برفع علم ووردة وقبضة.
هل يبدو الكلام رومانسياً؟
ماذا تُسمي إذاً موقفاً تضج فيه صالة الحزب بآلاف الحضور ومئات الأعلام الفلسطينية، ثم يأتي عضو الحزب كولين مونهين (Colin Monehen)، فتطلب منه مديرة الجلسة إنهاء حديثه لأنّ الوقت المخصص انتهى، فيقول لها وسط ترحيب وتأييد صاخب من الحضور "لم ينتهِ وقتي، أنا أتحدث عن الشعب الفلسطيني". وأضاف "إذا أردتِ أن أتوقف، من الأفضل أن ترسلي جيشا، لأنّ (جماعة) إيست إندرز (منطقته)، مثل الفلسطينيين، لا ينزلون بسهولة". وخاطب الفلسطينيين: "لا يمكننا ولن نتجاهل مأساتكم". وبالطبع كان أهم معنى عملي في المؤتمر، وعد أمين عام الحزب، أنّه سيتم الاعتراف بدولة فلسطين إذا وصل الحزب الحكم، عدا عن النقد للسياسات الإسرائيلية، والمطالبة بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
ليس المهم هو هذا الوعد فقط، بل ما يعنيه على المستويين النفسي والعقلي في بريطانيا:
قبل 18 عاما أخبرني أكاديمي بريطاني يعمل في لندن، كل يوم، مع السياسيين البريطانيين، قال بعد أن شدد على أنه يتعاطف مع تاريخ المعاناة اليهودية، إنّه هو والسياسيين، يرفضون بشدة واشمئزاز السياسات الإسرائيلية، ولكنه قال إن السياسيين البريطانيين يخشون اتخاذ قرار أو موقف لصالح الفلسطينيين، لأنّه في اليوم الذي يتخذ مثل هذا الموقف سيعاني هجوما منظما من اللوبي الإسرائيلي، وفي المقابل، لا يجد هؤلاء السياسيون ضغطاً من المسؤولين العرب الذين يقابلونهم لأجل فلسطين، ما يبرر أن يقفوا موقفاً قوياً.
بعد ذلك، ربما بعامين، زرت رجل دين بارزا في الكنيسة الاسكتلندية، في بيته، لأغراض بحث أكاديمي. ووجدت على باب البيت، اسم العائلة بالإنجليزية والعبرية والعربية، ولكن في الداخل كانت رموز فلسطينية حاضرة، بما في ذلك شجرة زيتون صغيرة مزروعة داخل البيت أحضروها معهم من القدس. كان متحفظاً قليلاً في حديثه يحاول أن يبدو محايداً، بينما جهاز التسجيل يعمل. ولكن زوجته، التي التقيتها بعد ذلك في مناسبة عامة، ترتدي التطريز الفلسطيني، وتناصر القضية الفلسطينية، قالت إنها وزوجها ذهبا للقدس، على مسافة واحدة من الجميع، بل أقرب للموقف الإسرائيلي، ولكنهما عادا يدركان القضية الفلسطينية. ولعل ما لفتني أنّ المرأة وزوجها كذلك، رغم تحفظه العلني النسبي، وقعا في غرام الكثير من الرموز الفلسطينية، من التطريز، إلى زيت الزيتون إلى اللوز، وكانا يُحضران كل ذلك من أصدقائهما الفلسطينيين. وانتقلت إلى كيمبردج، لأجد المنتجات ذاتها تباع هناك لصالح منتجيها الفلسطينيين من قبل أصدقائهم البريطانيين، لأجد أن من في كيمبردج واسكتلندا، شبكة حب وتضامن واحدة. وفي بيت واحد ممن يبيعون تلك المنتجات، وجدت غراماً بالرموز الفلسطينية، حد الاحتفاظ بأكياس المحلات التجارية المكتوب عليها بالعربي. وعندما انقسم "فتح" و"حماس" وجدت هذا الصديق غاضبا، يحدث نفسه، أمامي، "أنا مع القضية ذاتها بغض النظر عن سياسات السياسيين".
ما حدث في مؤتمر حزب العمال، هو أنّ التضامن والتعاطف والمحبة من قطاعات واسعة من الناس، تخطت عتبة الصمت، وامتلكت الشجاعة لتعلن موقفاً واضحاً، ضد فلسفة العدوان.
اتخذ ناشطون من داخل حزب العمال رسما لوردة بألوان العلم الفلسطيني، شعاراً لحملتهم ونشاطهم، ويعدون للمزيد من العمل. ولمن يعرف قصة الوردة في بريطانيا، يعرف أنّ وردة حمراء (كزهر الحنون) تُرتدى من قبل بريطانيين، في مناسبات، استذكاراً لجنود يعتقدون أنهم استشهدوا دفاعاً عن قيم الحرية. ما يحدث هو أنسنة النضال الفلسطيني؛ اعتباره جزءاً من نضال الإنسان لقيم العدالة والحرية.
عن صحيفة الغد الأردنية