الخبير الأمني محمود قطري: الداخلية المصرية هيكل كرتوني
القاهرة- عربي21- مهند العربي07-Oct-1709:03 PM
0
شارك
قطري: لو عرض علي منصب وزير الخارجية لرفضت- أرشيفية
وصف الخبير الأمني والعميد السابق المصري محمود قطري وزارة الداخلية المصرية بأنها هيكل كرتوني، ولا تتعامل بالأساليب الأمنية الحديثة ولا زالت تطبق الفكر الشرطي التقليدي الذي يقود إلى الفشل الأمني الحالي، وتكرار نفس أخطاء الوزير الأسبق حبيب العادلي الذي قامت عليه ثورة يناير (كانون الثاني).
وأعلن العميد قطري في مقابلة خاصة مع "عربي21" عن رفضه لمنصب وزير الداخلية في حال عرض عليه، لأن هذا المنصب لم يعد مستقلا ويتلقى صاحبه التعليمات وهذا شأن كل الوزراء.
وانتقد قطري طريقة معالجة ما يجري بسيناء، سواء اتهام أهل سيناء بالخيانة والتعسف معهم أو اتباع آليات وتكتيكات أمنية غير مفيدة وتقليدية، مؤكدا في الوقت نفسه على براءة حركة "حماس" من الإرهاب في سيناء أو أي مكان داخل مصر، مؤكدا على ضرورة التعاون معها لصالح الأمن القومي المصري.
التصفية الجسدية
كيف ترى التصفية الجسدية التي تستهدف العديد من الشباب وتنفذها قوات الجيش والشرطة؟
الأصل في القانون إلقاء القبض علي المتهم، وبشكل شرطي بحت ومحترف، إنك تبذل قصارى جهدك للقبض على المتهم حيا وتحاول أن تحافظ على حياته بكل الطرق، حتى تتعرف منه على ما وراءه وتحصل على أكبر قدر من المعلومات ولو وصل الأمر إلى محاولته الاعتداء على رجال الشرطة، أقصى ما يمكن فعله إصابته للإعاقة ومنعه من الاعتداء ولكن ليس بقتله.
لكن قوات الشرطة تعلن في الكثير من المرات أنها تبادلت إطلاق النار مع أشخاص قبل تصفيتهم؟
من الصعب تصديق رواية تبادل إطلاق النار على الأقل في بعض الحالات، خاصة إذا اعتمدنا على الصور التي تنشرها الداخلية، إذ يكون كل الضحايا بجوار بعضهم البعض وهذا ليس منطقي، لكن التأهب للمواجهة وتبادل إطلاق النار يقتضي منهم أن يتوزعوا في أماكن متفرقة، وهذا لم يحصل.
هل هناك آلية لضبط هذا الأمر وإثبات ما إذا كان هناك إطلاق نار من عدمه؟
الحل الذي يمكن أن ينهي هذا الأمر، هو تصوير المداهمات والاقتحامات والاشتباك مع هذه المجموعات بالفيديو خاصة في حالات المبادرة بإطلاق الرصاص من جانب المطلوبين وبذلك ننهي الجدل، وكنت اقترحت هذا الاقتراح على بعض قادة الشرطة ولم يتم الأخذ به.
وهل عدم الأخذ به يؤكد عدم صدق رواية الداخلية؟
يبدو أن هذا صحيح وعدم تنفيذه على الأقل يشكك في رواية الداخلية، خاصة أن هناك بالفعل روايات كثيرة لأهالي الضحايا يؤكدون أن ذويهم كانوا مختفين قسريا ويؤكدون ذلك من خلال بلاغات للنائب العام، وبالتالي على الداخلية الرد على هذا الكلام.
وما هي تداعيات هذه الإجراء على المجتمع من وجهة نظرك؟
للأسف الشديد ما يجري من تصفية له عواقب وخيمة على أكثر من مستوى، سواء على مستوى زيادة العنف وتطبيق نظرية العنف والعنف المضاد من جانب أقارب الضحايا الذين يصبحون مشحونين بالكراهية ضد الشرطة، أيضا الشباب المطلوبين ومطلقي السراح ربما يتجه للعنف بالفعل للدفاع عن نفسه من وجهة نظره، خاصة إذا تأكد أنه مقتول وستتم تصفيته، وكل هذا يساعد على تغذية العنف بالمجتمع، وهو ما يمثل خطورة شديدة بالتأكيد.
السجون والوضع المزري
كيف ترى وضع السجون المصرية اليوم؟
للأسف ملف السجون وتحديدا ملف العلاج والإعاشة، ملف مزر للغاية ولا يتم تطبيق لائحة السجون بالتعامل مع المرضى والاهتمام بالسجين ورعايته صحيا، وهذا يعود إلى الأعداد الكبيرة السجناء، وهذا يؤدي إلى الزحام وانتشار الأمراض من ناحية، وقلة الرعاية اليومية من ناحية أخرى، فبعض السجون تكدس فيها السجناء إلى درجة أن نصيب كل سجين من المساحة لا يتجاوز قبضة اليد أو شبر وهذا معناه، أنه لا يستطيع أن ينام سوى على جنبه وعندما يريد أن يبدل على الجنب الآخر يضطر للوقوف قبل أن يعاود النوم مرة أخرى وهذا غير مقبول.
كيف ترى الدعوات المتتالية للإفراج عن السجناء المرضى خاصة كبار السن بعد وفاة مهدي عاكف؟
هذا ما يجب أن يكون وهذا موجود في القانون، وكذلك العلاج وتوفير الأدوية أو الإفراج في حالة ما كان المرض قد تمكن من المريض خاصة كبار السن، ولكن لا أعرف ما هي تقديرات الجهات الأمنية لهذا الأمر، وإن كان يبدو أن له علاقة بالوضع السياسي الحالي الذي تمر به البلاد، لكن الأصل تطبيق اللوائح بصرف النظر عن المواقف السياسية.
الداخلية هيكل كرتوني
كيف تقيم أداء وزارة الداخلية في هذه الفترة بشكل عام؟
وزارة الداخلية تعمل بشكل عشوائي ولا تلتزم بأية منهجية ولا لوائح أو قوانين ونظامها كما هو دون أي تجديد وأداؤها تقليدي، ما زالت تطغى عليها المجاملة والمحسوبية والوساطة دون أي تطوير رغم الفشل الأمني الكبير، سواء على مستوى جرائم الإرهاب أو الجرائم المدنية اليومية حيث صراخ الناس يوميا من الجرائم المتعددة.. باختصار يمكن القول إن الجهاز الشرطي صار هيكلا كرتونيا ويحتاج إلى مزيد من التطوير والتغيي.
وما هي أسباب ذلك من وجهة نظرك؟
هناك أسباب كثيرة منها الجمود الذي يسيطر على الجهاز واللوائح والقوانين التي عفى عليها الزمن وعدم الرغبة في التطور، فضلا عن مناهج كلية الشرطة التي تحتاج إلى تطوير وتغيير جوهري حتى تخرج ضابطا عصريا يواكب المتغيرات بدلا من تلك المناهج التي تعلم الطالب الأنانية والنظرة الفوقية واعتبار نفسه فوق باقي أفراد المجتمع.
كيف ترى الحل من وجهة نظرك؟
ضرورة عقد مؤتمر أمني كبير يمثل فيه الأمنيون والحقوقيون وعلماء النفس والاجتماع لوضع خطط أمنية على المدى البعيد بشكل متكامل وبرؤى أمنية حديثة، وأن يتم تجاوز الفكر التقليدي الذي لا يزال يحكم أداء وزارة الداخلية المصرية حتى الآن.
ماذا عن تجاوزات الشرطة ضد المواطنين التي أصبحت عرضا مستمرا؟
جرائم رجال الشرطة ضد المواطنين تحتاج إلى وقفة جادة بسبب تكرارها وعدم وجود محاسبة حقيقية، وسبب ذلك العقلية التي تدار بها الداخلية وكلية الشرطة التي تخرج هؤلاء الضباط حيث لا يوجد تأهيل أو تدريب أو مناهج مواكبة للتطورات، ولا زالت الأفكار العتيقة هي المسيطرة سواء من خلال إدارة العملية الشرطية بوزارة الداخلية، أو ما يجد من لوائح أو قوانين تحكم هذا العمل.
ما الذي يدفع العديد من رجال الشرطة لممارسة تجاوزات ضد المواطنين.. أليست هناك محاسبة؟
للأسف لا توجد محاسبة حقيقية وهذا ما يغري الضباط والأمناء بتكرار نفس الممارسات، فلوائح المحاسبة لا تطبق كما ينبغي؛ كما أن الكثير من رجال الشرطة يجاملون بعضهم البعض خاصة في محاضر التحريات الخاصة بمثل هذه الجرائم، فضلا عن استخدام الضباط لعلاقتهم للإفلات من العقاب بشكل أو بأخر، وأحيانا البعض يستغل خبرته القانونية في وجود ثغرات لإفشال أي محاولة للمحاسبة والالتفاف على القانون، وهذا كله يؤدي إلى مزيد من الممارسات (التجاوزات) التي نراها.
العادلي وثورة يناير
هل من الممكن أن تثير هذه الممارسات غضب الشارع؟
طبعا أنا أحذر من غضب الشارع وانتقام الشعب من الشرطة في حال قيام ثورة أخرى، ففي ثورة يناير تم السماح لرجال الشرطة بالذهاب إلى منازلهم وترك الأقسام ومقار العمل، أما في هذه المرة فسوف يكون الأمر مختلفا ما لم تكن هناك وقفة جادة وكبح جماح بعض الضباط وأمناء الشرطة المنفلتين في التعامل مع المواطنين، يبدو الأمر كأن هناك من عاد لينتقم من الشعب بعد ثورة يناير، مع ملاحظة أن بعض القضايا يتم الاهتمام بها من جانب الإعلام فتبدو الأمور وكأن الاعتداءات موسمية أو تعلو أحيانا وتنخفض أحيانا، ولكن حقيقة الأمر أن الاعتداءات مستمرة ولكن الاهتمام الإعلامي بقضية ما هو الذي يجعل الأمور تبدو هكذا.
وهل مثل هذه الممارسات هي التي جعلت الشعب يصب غضبه على وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي في ثورة يناير؟
بالتأكيد هذه الممارسات هي التي جعلت الناس غاضبة على حبيب العادلي، لأنه بالفعل حول مصر إلى دولة بوليسية وأصبح جهاز الشرطة هو المتحكم في المواطن المصري بل في مصر كلها، وبطريقة كلها إهانة وإساءة وهو ما جعل الثورة تقوم على هذه الممارسات.
على ذكر العادلي ..هل تم تهريبه فعلا خارج البلاد؟
أعتقد هذا، لأنه لا يمكن أن يكون بالداخل كل هذه الفترة، وربما كان الهدف من اختفائه وعدم البحث عنه بجدية منحه فرصة الهروب.
وكيف يتم هروبه ويفلت من قبضة الأمن؟
العادلي كان له رجاله في الوزارة وما زال لأنه كان فاسدا ويستطيع أن يشتري من حوله في شكل إفادة بطريقة أو بأخرى أو ما يقال عنه إفادة للآخرين، ولكن بشكل غير قانوني، وبالتالي بحكم شبكة علاقاته العنكبوتية أعتقد أنه استطاع الهروب.
ألم تعتبر الشرطة وتتعلم مما حدث للعادلي في ثورة يناير؟
الشرطة المصرية للأسف لم تتعلم بعد من درس 25 يناير، حيث الممارسات السيئة والمرفوضة مع المواطنين وكذلك التصدعات التي كانت تشهدها والتي أدت إلى انهيارها لا زالت موجودة كما هي، وتتمثل في غياب الفكر الشرطي الحقيقي وسوء إدارة ميزانية الوزارة وإهدارها في الرواتب والمكافآت وحفظ الأمن السياسي على حساب الجنائي، وكذلك الإصرار على الخطط الأمنية الفاشلة كما هو الحال في سيناء.
هل شاركت في ثورة يناير أو على الأقل كنت من مؤيديها؟
طبعا شاركت في ثورة يناير وتعرضت لإطلاق النار، بل كنت من أوائل الضباط الذين تمردوا على ما يجري بأروقة الداخلية وممارساتها، وسجلت ذلك في كتابين (تزوير دولة) و(يوميات ضابط شرطة في مدينة الذئاب)، وتم التحقيق معي واتهامي في 8 قضايا سياسية وانتهى الأمر بتقديم استقالتي قبل ثورة يناير.
"الوزير الطرطور"
هل تم ترشيحك لوزارة الداخلية عقب الثورة؟
بالفعل أبلغني البعض بأنني كنت ضمن ترشيحات المجلس العسكري، ولكن لم يتم إبلاغي بشكل رسمي وفي النهاية المجلس العسكري اختار من يراه مناسبا من وجهة نظره وقتها.
لو عرضت عليك الوزارة مرة أخرى الآن هل تقبلها؟
من الصعب أن يحصل هذا، والأرجح أنني سأرفض لسبب بسيط وهو أن الوزير الآن غير مستقل سواء الوزراء بشكل عام أو وزير الداخلية، وبالتالي أرفض أن أكون الوزير الطرطور.
كيف ترى اختيار الوزير من مطبخ الأمن الوطني؟
هذا الاختيار خاطئ ويخضع لرؤية وقرار سطحي، لأن الأصل في وزارة الداخلية وعمود خيمتها، الأمن العام الذي تخرج منه باقي الفروع، والأمن الوطني مجرد فرع منه، فكيف يتم إخضاع الأصل للفرع عبر اختيار وزير من هذه المنطقة؟ كما أن هذا تغليب الأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي.
كيف ترى الاستهانة بأمن المواطن لصالح الأمن السياسي؟
هناك استهانة بأمن المواطن البسيط لصالح الأمن السياسي وأمن المسؤولين، حيث يتم رصد الميزانيات للأمن السياسي وتوضع الخطط ويكون الاستنفار على حساب الأمن الجنائي الذي يمس الحياة اليومية للمواطنين، وهذا يعد من التخطيط الفاشل لمنظومة الأمن في مصر، حيث لابد أن يرتبط الاثنان معا السياسي والجنائي، وأن تعافي الشق الجنائي يساعد كثيرا في تحقيق الشق السياسي، ولكن يبقى الفكر التقليدي هو المهيمن على تفكير الجهاز الشرطي المصري.
سيناء وحماس
كيف ترى الوضع في شبه جزيرة سيناء؟
الوضع معقد وهناك ثلاثة أسباب وراء هذا التعقيد، بدأت بالمعاملة السيئة مع أهل سيناء منذ وقت مبكر عقب تسلم مصر لها وكانت هناك شكوك طول الوقت من جانب الأمن تجاه أبنائها مما أدى إلى نتائج سلبية، فضلا عن انتشار المخدرات في فترة من الفترات بسبب غياب التنمية والوعي، ثم جاء الفكر المتطرف مؤخرا ليزيد الأمور تعقيدا، يقابله سوء تعامل مع أهل سيناء وفشل أمني وتخوين واستهداف لأهالي سيناء وقتل العديد من المدنيين بسبب تعامل الجيش وكمية النيران الكبيرة التي تطال المدنيين.
ما المطلوب في نظرك لإصلاح الوضع الأمني في سيناء؟
أطالب بضرورة إجراء تغييرات حقيقية وإدخال أساليب ونظم أمنية جديدة، وهذا بالإمكان خاصة أن وزارة الداخلية يتم توفير ميزانية مالية كبيرة لها، وليست المشكلة في الإمكانيات ولكن المشكلة في الفكر العجوز الذي يسيطر على الوزارة التي ترهلت.
ولا بد كذلك من اتباع سياسة الوضوح والشفافية وعدم احتكار التعامل مع هذه الأزمة التي تواجه المجتمع المصري من جهة معينة أو شخص معين، حيث توجد بعض الشخصيات في السلطة تتعامل وكأنها تعلم كل شيء ولا يجوز لأحد نقاشها وهي وحدها القادرة على التعامل مع الأمور وغيرها لا يحق له المشاركة في الأمر وهذا شيء مرفوض.
ماهي الاقتراحات التي تقترحها للقضاء على الإرهاب بشكل عام؟
هناك عدة اقتراحات لتفعيلها للقضاء على الإرهاب أو للحد منه على الأقل، وتأتي في سياق الأمن الوقائي لمنع الأحداث قبل وقوعها، ومن بينها أنه لابد من عودة عسكريي الدرك بشكل عام وتحديدا في سيناء ووضع خطة أمنية هناك تبدأ بعمل حرم للأماكن المستهدفة مع وجود كمين مكون من وحدة للجيش والشرطة، وكذلك الاستعانة بأهل سيناء وعدم تخوينهم كما يفعل بعض رجال الأمن، وإعادة النظر في التعامل مع الأهالي هناك، وعدم تكرار أخطاء فترة مبارك التي تركت رواسب وتراكمات أدت إلى الوضع الحالي في سيناء.
كيف ترى تطور العلاقات بين مصر وحركة حماس التي كانت محل اتهام طوال الوقت؟
عودة العلاقات مع حماس ضرورة وربما السلطة بمصر أدركت ذلك، باعتبار أن غزة تمثل امتدادا للأمن القومي المصري، وعليه كان لابد من عودة التفاهمات مع حماس خاصة أنها اجتهدت كثيرا في التعاون مع مصر.
ولكن كانت السلطات المصرية وإعلامها دائما تتهمها بدعم الإرهاب؟
أعتقد أن حماس لم تكن متورطة في أي أحداث عنف وإرهاب بمصر، ولكن ربما بعض الجماعات الأخرى التي تنطلق من غزة والتي لم تستطع حماس السيطرة على حركتها وربما أيضا تأكدت السلطات المصرية من ذلك مما شجعها على التقارب معها.