لا شيء قد يزعج السيد يوسف الشاهد رئيس حكومة تونس هذه الأيام. يبدو بصحة جيدة ويوالي الظهور في الأماكن العامة ويحاول استعمال لغة شعبية كما لو أنه مصاب بعقدة بن كيران المغربي. إنه شاب وطموح ومسنود بأصوله الحضرية. وفوق ذلك ليس له معارضة جديرة باسمها يمكن أن تزعج طريقته في إدارة البلد. كل شيء على ما يرام حتى إنه يمكن أن يفكر في رئاسيات 2019 ويفوز. لكنه ليس موضوع المقال إلا كعارض تقديم.
الدينار التونسي المسكين
خطر لوزيرة المالية العبقرية في حكومة الشاهد وهي خبيرة مالية تحمل شهاداتها العلمية من جامعة فرنسية لا يعلى عليها، جاء بها حزب النداء من زاروب مجهول في الإدارة معتمدا على فخامة اسمها العائلي فقط. خطر لها أن تصرّح دون العودة إلى رئيس حكومتها التي تفاوض مع البنك الدولي بأن الدينار التونسي سيتم تعويمه وبالأدق سيتم تخفيض قيمته أمام العملات الأجنبية. ولم يمر اليوم الأغبر حتى فقد الدينار من قيمته أمام اليورو فاقترب الصرف في البنوك من ثلاث دنانير لليورو الواحد وهو حضيض لم يبلغ في تاريخه. أما في السوق السوداء للعملات الأجنبية فقد تجاوز الدنانير الثلاثة.
ونامت الوزيرة قريرة العين لم يزعجها شيء وبات رئيس الحكومة ضاحكا، فلا أحد من معارضيه أثار المسألة أو أزعج قيافته بتلميح إلى أن العملية الاقتصادية في كامل البلد تنهار بانهيار العملة الوطنية. وحدهم المهربون انتعشوا فالاقتصاد الموازي يملك أرصدته الكافية ليمول سوقا بسلع من كل مكان. خاصة وأن حكومة الشاهد لم تقم بأي إجراء احترازي لمنع التوريد بالعملة الأجنبية لحماية رصيدها منه.
المعارضة تحب يوسف
بالتوازي مع عبث الحكومة اندلعت معركة على الفايس بوك بين شباب حزب التيار الديمقراطية وشباب حزب النهضة. كل يزعم أنه ضحية وأن الآخر بدأ المعركة. واستهلك ذلك من قواعد الحزبين أكثر من أسبوع من الشجار الافتراضي أعتقد أنه ترك فرقة بين الشباب لن يمكن ردمها مهما تقاربت القيادات.. أو تظاهرات بذلك الخطاب المتسامي فوق الجروح.
من فعل ذلك بالحزبين؟ من بدأ ومن أفرط؟ هذه تصبح تفاصيل غير مهمة لكن الأهم منها أن يوسف الشاهد وحكومته كانا يراقبان الوضع ويتمتع بالصراع ولو من وراء ضحكته البلهاء. فكل انشغال عن أعوار حكومته يمدد أجلها لذلك فإن المعارضة تحبه لأنها (تدعو لأندلس إذا حوصرت حلب).
معارضة تنشغل بذاتها وبمواقع قياداتها الاعتبارية التي لا يجب أن يطالها النقد أو التجريح مهما ارتكبت من حماقات سياسية. مثل هذه المعارك الجانبية في غير وقتها وليس لها موضوع حقيقي يطور الحياة السياسة تنتهي دوما لصالح حكومة الشاهد.
مضى الزمان الذي كان فيه المتفائلون يتحدثون عن تشكيل الكتلة التاريخية من شباب النهضة والتيارات السياسية التي كانت تعارض بن علي. لقد انتهت تلك الطموحات المتفائلة فلا كتلة تاريخية ولا حتى التقاء جبهويا مؤقتا حول مسائل حيوية كإنقاذ العملة الوطنية من الانهيار إثر تصريح وزيرة غير منضبطة لقواعد العمل الحكومي.
الحالمون بتلك الكتلة التاريخية دخلوا الآن منطقة تنظيم الرثاء في الثورة لأن قيادات العمل السياسي تنشغل وتشغل شبابها بمعارك تافهة وسخيفة من أجل مجدها الشخصي القصير الأجل. أمّا الثورة ومبادئها وشعاراتها فقد دخلت الخطاب الخشب الذي يستعمل في مواقف جاهزة في الإذاعة كلما أتاحت الحكومة فرصة لمعارض أن يتكلم ليغطي على أعوارها الديمقراطية. الطبقة السياسة عادت لزمن بن علي وقبل الشارع المسكين العمل في هامش الرضا الحكومة والفوز ببعض فجواته لمتعة النرجسية القيادية ليس أكثر. بإمكان يوسف أن يمد يده تحت فستان المعارضة فقد هيأت له وهو لا يستعصم.
طريق الكامور قد يكون الحل
الكامور منطقة صغيرة من تطاوين مدت فيها طريق صحراوية تصل آبار النفط والغاز بالطريق الرئيسية رقم واحد التي تربط شمال البلاد بجنوبها. يوم الأحد هاجر أهل تطاوين جميعها إلى طريق الكامور يقودهم شبابهم غير الحزبي ليقطعوا قنوات تدفق النفط والغاز نحو الشمال. رجل الشاهد الممدودة هنا قد تقطع فقد أوصلته إلى صفاقس ليزيد في عدد المشافي الراقية لكنه قصّر دون تطاوين ومطالبها في التنمية لذلك زاد غضب المتروكين في الأقاصي وامتدت احتجاجاتهم إلى أبعد من خيام اعتصام مجهول بل صعد الشباب ليكون للحكومة قرار بالتفاوض الجدي أو القمع الجدي وهي عاجزة عن القمع فالعصا في الجنوب يمكن أن تكسر يد من يستعملها.
لقد ضيّعت حكومة الشاهد فرصة جمنة ومقترحاتها التنموية، وهي تماطل معوّلة على ملل السكان متناسية أن سكان الصحراء لا يعرفون الملل وهم على أرضهم. تلك الفرصة المهدرة تضاف إليها فرصة تطاوين وقد تنكسر هذه الحكومة في طريق الكامور، فأصحاب مستغلات الطاقة أقوياء إلى درجة دفع الحكومة إلى الصدام لتحافظ على مصالحهم. وخبراء الحكومة يعرفون أن المساس بسلامة السكان وقمع مطالبهم سيوسع بقعة الاحتجاجات.
غير أن ما يطمئن الشاهد أن المعارضة في العاصمة التي تتعارك على الظهور في برنامج تلفزي لن تقف مع احتجاجات تطاوين. لقد سجلت مواقف ببيانات مسطحة استعفت بها من التظاهر في الشارع (سابقا جاء أهل جمنة للتظاهر في العاصمة لأن سكان العاصمة المتضامين معهم في السوشيال ميديا لم يتحركوا فعلا لنصرتهم).
مد كراعك يا يوسف
طواحين الكلام المعارضة لن تقف مع تطاوين وهذا يسمح لرئيس الحكومة بأن ينام مطمئنا. القطيعة الأصلية بين الشارع والنخب تأبى إلا أن تفرض نفسها على النقاش كل مرة نظرنا فيها إلى تجانس الخطاب الثوري وتناقضه مع الممارسة الميدانية. النخبة السياسية لها وجه واحد صنعه بن علي.
"عارض في التلفزة أو في الجريدة فإذا أفرطت في الحماس أدخل السوشيال ميديا المحررة واكتب ضد الحكومة". لكن إذا تحرك الشارع فتظاهر بالغياب وافتح صراعات جانبية.
الشارع مسؤولية حقيقية والكامور فصل منه مثلما كانت جمنة فصلا ومثلما هي الكاف الآن لكن يوسف مطمئن. ووزيرته تعبث بالعملة الوطنية؟ هذه المعارضة لن تسقط حكومة الشاهد مهما تردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأنها بكل ببساطة تخاف من ممارسة السلطة. بل لعلها وهو الأرجح عاجزة دونها.. بما يجعل الشاهد هو الأقدر والأبقى ولو كان أعمش قصير النظر فهو في أسوأ أحواله "عمشاء في بيت عميان". فمد كراعك يا يوسف.
1
شارك
التعليقات (1)
ناصح قومه
الأربعاء، 26-04-201702:51 م
عندما كان استبداد "البغل البليد" يطحن اهل تؤنس كنا نقول والله البلد فيه كفاءات افضل و يستأهل افضل من هذا الحاكم الابكم؛ و عندما سرق خدام المحتل الفرصة الثورية ب"ديمقراطية شراء الاصوات" قدموا للبلد وزراء من نوع وزيرة المالية التي لا تحسن نطق جملة واحدة بلغة بلدها ؛ رغم انها، على عكس ما تصورت يا استاذ علوي، لم تدرس في بلد المحتل و لم نل منه اي تاهيل جامعي و تحصيلها الدراسي ينحصر اجازة في الاقتصاد من تؤنس ثم المدرسة الوطنية للادارة و المؤسستين نسختين رديئتين من مؤسسات المحتل السابق في عهدها القديم.
كل عربي عاقل شاهد المحاورة الصحفية التي تفوهت خلالها هذه الوزيرة بكلامها الكارثة عما تراه سعر صرف مناسب للدينار بالدولار يصدم بجهلها المدقع بالفرق بين السياسية المالية و السياسة النقدية كما يشتد حزنه على مصير بلد يسير اقتصاده هكذا مسؤولين.