اكد نائب رئيس حزب
العدالة والتنمية التركي، ياسين أقطاي، أن الوجود
العربي في
تركيا لم يكن عبئا سياسيا أو اقتصاديا، مشيرا في مقابلة خاصة مع "عربي21"؛ إلى أن أن الدولة التركية تدرس ملف التجنيس لعدد من السوريين وفتح الباب أمام الاستعانة بهم وبغيرهم من العرب المؤهلين لتدريس العربية بالمدارس التركية.
ووصف أقطاي الذي التقته "عربي21" على هامش افتتاح معرض إسطنبول الدولي الرابع للكتاب، المشاركة العربية في المعرض بأنها "تجربة رائعة، وتؤكد تزايد الحاجة إلى
اللغة العربية في تركيا"، مشيدا بـ"متانة" العلاقات التركية مع السعودية وقطر بشكل خاص.
من جهة أخرى، قال أقطاي إن "الشعب التركي في غالبيته يدعم التحول للنظام الرئاسي لمصلحة تركيا الجديدة، وهم الذين خرجوا عن بكرة أبيهم للالتفاف حول الرئيس (رجب طيب) أردوغان في مشهد 15 تموز/ يوليو وأسقطوا الانقلاب العسكري الدموي في مهده" ما يكذب مقولات ان الرئيس اردوغان ديكتاتور"، كما قال.
وإلى نص الحوار:
الجاليات العربية.. واللغة العربية
* للعام الثاني على التوالي تشارك العشرات من دور النشر العربية في معرض إسطنبول الدولي للكتاب.. كيف ترى هذه المشاركة العربية؟
- لا شك انه في هذا العرس الثقافي الذي تشهده تركيا تؤكد حرصها على المشاركة العربية في المعرض؛ لا سيما وأن تركيا فيها الآن من أربعة إلى خمسة ملايين مواطن عربي من جميع الجنسيات، ويوجد من بينهم عدد كبير من السائحين في مدن تركيا المختلفة، فضلا عن أن إسطنبول اليوم أصبحت بمثابة عاصمة للثقافة العربية التركية وجسرا، لكلا الطرفين إلى الآخر، إضافة إلى أن من بين المقيمين العرب في تركيا من يستثمرون أموالهم ويقتنون العقارات ويتملكون المشروعات، ويحصلون على الإقامة الدائمة في البلاد، وهذه حالة طبيعية. كما أن هناك من لديهم جنسية تركية ويمتلكون عقارات وعدد كبير منهم من الخليج، وهذا كله يخلق في إسطنبول حاجة شديدة للكتاب العربي وللغة العربية والثقافة العربية، حيث أن إسطنبول صارت هدفاً رئيسياً للكثير من السائحين العرب.
أضف إلى ما سبق؛ أن لدينا في الجنوب التركي أكثر من خمسة ملايين مواطن تركي بالقرب من الحدود التركية السورية والعراقية يتكلمون اللغتين العربية والتركية؛ تزايدت حاجتهم للغة العربية في الآونة الأخيرة، وكانوا من أشد المرحبين بالتواجد العربي في تركيا بصفة خاصة، فضلا عن غالبية الشعب التركي بصفة عامة، كما كانوا من أكثر رواد المعرض الدولي الثالث للكتاب الذي أقيم بمشاركة عشرات من دور النشر العربية، ومن أشد المرحبين والمتحمسين للتواجد الثقافي العربي بالمعرض ولكتب دور النشر العربية، بوجود آلاف عناوين الكتب العربية في المعرض. ومن ثم فإنني أرى أن استمرار المشاركة العربية بمعرض إسطنبول الدولي للكتاب؛ أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا كحكومة تركية، ونحرص عليه بشدة، إذ كانت له سمعة إيجابية، وسيستمر تنظيمه بشكل مؤسسي إن شاء الله.
* كثر الجدل أيضا حول التوسع في حصص اللغة العربية بالمدارس التركية في الآونة الأخيرة، لا سيما مدارس الإمام والخطيب.. ما انعكس ذلك على تعميق الروابط بين الأجيال الناشئة من العرب والأتراك؟
- بالتأكيد سيعمقها ويخلق حالة تفاهم كلانا أحوج ما نكون إليها اليوم.. ومن ثم فقد تم افتتاح الآلاف من مدارس الأئمة والخطباء بمرحلتيها الإعدادي والثانوي، كما أن كليات الإلهيات وصل عددها إلى 100 كلية، ولهذا تعليم اللغة العربية في تركيا وصل لمستوى عالٍ جدا، الأمر الذي أدى إلى انتشار الكتب العربية بين الأتراك في السنوات الأخيرة بدرجة كبيرة.
* هل هذا التوسع في حصص اللغة العربية بالمدارس التركية يفتح الباب أمام فرص الاستعانة بالمدرسين العرب لتغطية ذلك؟
- الآن الجميع يعرف أن تركيا يوجد فيها ملايين السوريين، ويوجد إلى جانبهم الآلاف من مختلف الجنسيات العربية العراقية والمصرية والليبية واليمنية، وغيرهم الكثير، كما أنه ليس سراً اليوم أن الحكومة التركية تدرس بجدية مشروع تجنيس آلاف السوريين على وجه الخصوص، نظرا لما تعرضت له سوريا من تدمير على يد بشار، وأعتقد أننا كذلك بصدد الاستعانة بهم في تدريس اللغة العربية بمدارسنا وبمن يكون مؤهلا من الجاليات العربية الأخرى إن شاء الله.
* من المعلوم الدور الكبير الذي تقوم به تركيا في استقبال العرب.. هل صارت الجاليات العربية عبئا سياسيا واقتصاديا على الحكومة التركية حاليا؟
- أبدا.. أبدا، لا تقل أخي هكذا، فالإخوة العرب لم يكونوا عبئا ولن يكونوا كذلك إن شاء الله.. فهم ليسوا عبئاً علينا، ولكنهم إخوة لنا نعتبرهم من المهاجرين ونحن لهم الأنصار، كما حدث مع صحابة رسول الله في المدينة المنورة.. فالإخوة من الجاليات العربية بدون استثناء ليسوا عبئاً، ولكنهم ضيوف الرحمن لدى إخوانهم من الشعب التركي، وغالبية الأتراك يعتبرونهم أشقاء ويتسابق الكثير من الأتراك في مساعدة ودعم ومناصرة إخوانهم المهاجرين في مختلف أرجاء تركيا ويحرصون على التواصل معهم، حيث أن شريحة كبيرة جدا من الشعب التركي يعتبرون أنفسهم الانصار لإخوانهم المهاجرين من مختلف الأقطار العربية.
* هل وجود الجاليات العربية بكثرة أعدادها تسبب حرجاً ومشاكل لكم من قبل خصومكم السياسيين من العلمانيين والقوميين؟
- إطلاقاً، لا تسبب لنا حرجا، ونحن نعتبرهم إخواننا المهاجرين ونتسابق في خدمتهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يوجد في تركيا تيار قومي علماني، وهؤلاء لا يحبون الأجانب بشكل عام، كما أنهم لا يحبون المسلمين على وجه الخصوص.. ولكن وبحمد الله غالبية الشعب التركي لا يحبون هؤلاء العلمانيين ولا ينجذبون لأفكارهم في معاداة العرب.
كما أنه بفضل الله ليس لهؤلاء الناس قوة على الأرض تمكنهم من وضع السياسات المعادية للعرب، أو سن القوانين التي تنال من ضيوفنا من العرب والمسلمين.. ضيوفنا في طول البلاد وعرضها.. وهم (العلمانيون) لا يشكلون قوة سياسية تؤثر على الأجانب.
الإخوان المسلمون
* من وجهة نظركم ما هو السبب وراء المطالبات بتسليم قيادات الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا هذه الأيام؟
- منذ إفشال الانقلاب العسكري المشؤوم في تركيا واكتشاف خيوط المؤامرة وضلوع منظمة فتح الله غولن الإرهابية في كافة مراحل هذا الانقلاب الفاشل في الخامس عشر من تموز؛ وتركيا حريصة على استعادة العقل المدبر لهذا الانقلاب من ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة، وملف استرداد كولن حاضر في العلاقات التركية الأمريكية في كل الأوقات حتى تستطيع تركيا محاسبته على هذه الدماء التي تسبب في إراقتها، وهذه الأرواح التي أزهقها في انقلابه الفاشل.. ومن هنا نجد أعداء تركيا من الأنظمة الانقلابية التي لا توجد فيها قواعد للعدالة مطلقا، ويقومون بتلفيق القضايا والتحقيقات، ويمارسون الإرهاب عينه؛ لأن الانقلاب العسكري هو الإرهاب بعينه، كما هو الحال في مصر.
كما أن مطالبة الانقلابيين بتسليم قيادات الإخوان على سبيل المناكفة.. إذا كنتم تريدون تسليم أمريكا فتح الله غولن لكم فيجب تسليم قادة الإخوان لديكم.. ولكن رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قاطعاً في مقابلته مع قناة العربية قبيل أيام؛ بأن جماعة الإخوان المسلمين منظمة فكرية وليست إرهابية، وأنه لن يستطيع إدراجها كمنظمة إرهابية طالما لم تلجأ للعمل المسلح، وبالتالي لن يقدم على تسليم قيادات الإخوان الموجودة في تركيا طالما أنهم لم يرتكبوا أعمالاً إرهابية".
* وما تعليقكم على ما قاله الرئيس أردوغان؟
- إنني أؤيد كل ما قاله الرئيس أردوغان، حيث أن تركيا تتلقى من أن لآخر طلبات من هذا النوع، ولكنها ترفضها رفضا قاطعاً، ولو أن هناك أحدا من قيادات الإخوان أو من غيرهم منخرط في الإرهاب؛ لن نتردد في أن نعتبره إرهابيا، ولكن من انخرط في معارضة سلمية فكرية سياسية لا يمكن أن نعتبره إرهابيا، والإخوان المسلمون هم معارضة فكرية سياسية غير إرهابية، كما أننا لدينا معارضين سياسيين كثر في مختلف الدول ولا نعتبرهم إرهابيين. ونحن نرى الإخوان، وكثير من الحركات الإسلامية المعتدلة التي تجادل في الأفكار، غير إرهابيين.
* كيف ترى صدور حكم الإعدام بحق الرئيس محمد مرسي وقيادات حزب الحرية والعدالة في مصر؟
- أحكام الإعدام بحق الرئيس مرسي وقيادات الحرية والعدالة الهدف منها هو التغطية على جرائم الانقلاب، والرئيس أردوغان أعلن موقفا قويا رافضا لهذا الانقلاب الدموي غير الأخلاقي، شأن أي انقلاب عسكري في أي مكان في العالم.. وإن الحكم بالإعدام هو تأكيد لرغبة قائد الانقلاب في القضاء على الرئيس الذي اختاره الشعب، والانقلاب هو الإرهاب وليس الرئيس المدني المنتخب للبلاد.
المشهد الداخلي
* مشهد إسقاط الانقلاب الدموي في 15 تموز/ يوليو أذهل العالم.. فما هي أسباب فشله من وجهة نظركم؟
- السبب الأساسي باختصار هو وعي الشعب التركي، وتذوقه للحرية والديمقراطية الحقيقية، ولمسه المكاسب الاقتصادية التي حصل عليها من هذا النظام، وهو ما جعل الشعب التركي يتمسك بدولته وبحكومته وبمستقبله، ويلتف حول رئيسه رجب طيب أردوغان وحزبه.. الشعب التركي واع جدا، ونتحدث عن الشعب التركي وليس عن الحكومة التركية.
ورغم أن البعض يروج لمقولة أن طيب أردوغان ديكتاتور، إلا أن الشعب التركي أثبت كذب هذه المقولة في 15 تموز، حيث أنه لو كان كلامهم صادقا بأن اردوغان ديكتاتور؛ لكان هذا الانقلاب أكبر فرصة أمام الشعب للتخلص منه، وليس كما رأينا الالتفاف حوله والاستجابة لندائه (أردوغان) بالنزول إلى الشوارع ومواجهة الدبابات بصدورهم ليفتدوا الرئيس أردوغان والديمقراطيىة بدمائهم، ولكننا وجدنا الشعب التركي يدافع عن هذا الديكتاتور، وعن نظام الديمقراطية والحرية والمكاسب التي حققها في عهده، وذلك لما له من حب في قلوب الشعب. وإن من يتهمونه بأنه ديكتاتور إنما هم يخافون من قوة التماسك والالتفاف الشعبي حول قيادته السياسية بشكل حقيقي.
* البعض يقول إن النظام التركي ينتهك حرية التعبير باعتقال الصحفيين.. فما حقيقة ذلك؟
- هذا غير حقيقي، وكلام يخالف الواقع. إذ إن هؤلاء الصحفيين موجودون وراء القضبان ليس لكونهم صحفيين معارضين، وليتهم يكونون صحفيين يعارضوننا ليل نهار؛ لأننا لا نخاف من المعارضة والانتقاد، ولكن من يؤيد السلاح ويؤجج العنف لا علاقة له بحرية الرأي. فلا حرية للإرهاب، ولا تسامح مع الإرهابين الذين يدعمون القتل والإرهاب وحمل السلاح ضد الدولة التركية وهؤلاء لا يمكن التسامح معهم. بينما من ينتقدون أداء الرئيس والحكومة ليل نهار لا يتعرض لهم أحد، إذ إنك تجد من يهاجم رئيس الجمهورية يعود آمناً إلى بيته، دون أن يلمسه أحد.
* هناك جدل تقوده المعارضة ضد التحول للنظام الرئاسي في البلاد، واتهامات بتركيز السلطة في يد الرئيس أردوغان، وأنه سيؤسس لنظام ديكتاتوري.. فما هي رؤيتكم لهذه الاتهامات؟
- هذه اتهامات غير حقيقية بداية، وهي مستمرة من قبل أن تطرح فكرة التحول للنظام الرئاسي، فضلا عن أن المناخ الذي تُتداول فيه هذه الاتهامات غير صحي؛ نظرا لحالة التربص من قبل البعض، بينما في حالة توفر النوايا الحسنة بين الجميع وكان المناخ السياسي السائد في العلاقة بين النظام والمعارضة إيجابيا، فإنه يمكن مناقشة تلك المخاوف المتوقعة من التحول للنظام الرئاسي، بما يحقق مصلحة الوطن ويضمن عدم حدوث أي منها. ونحن بفضل الله نعول على وعي الشعب التركي الذي خرج بكل قوته للوقوف في وجه الدبابة لدحر الانقلاب؛ أن يختار ما يحقق مصلحته في الاستفتاء على التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
العلاقات مع السعودية وقطر
* كيف ترى تطور العلاقات السعودية التركية منذ مجيء الملك سلمان؟
- العلاقات التركية السعودية، بلا شك، مهمة للغاية، وتتعمق يوما بعد يوم، وتزداد رقعة التعاون، وهو ما يدفع باتجاه التفاهم القوي والعميق بين البلدين في الملفات التي تعني الأمة العربية والإسلامية، وتقطع الطريق على التدخلات الخارجية التي تفسد العلاقات بين الإخوة، ويجب ألاّ نسمح للآخرين بأن يتدخلوا بيننا، وعلينا جميعا أن نكون جبهة واحدة حتى لا نعطي الفرصة للقوى الكبرى لأن تأتي وتسيطر علينا وتعتدي على مصالحنا.
* والعلاقات التركية القطرية؟
- هي علاقات نموذجية، ويوجد تفاهم وتوافق كبير بين البلدين في معظم الملفات المشتركة بيينا، ونسعى لتوسيع رقعة التفاهم والتعاون على مستوى كافة دول الخليج والدول العربية لوحدة المصالح والمنافع المشتركة لنا جميعا، وتأكيدا على أن العمق الاستراتيجي لتركيا إنما في المحيط العربي والإسلامي.