صحافة دولية

لندن ريفيو أوف بوكس: مصر السيسي سجن كبير

توم ستفينسون: وصل الاضطهاد أعلى مستوياته في عهد السيسي - أرشيفية
توم ستفينسون: وصل الاضطهاد أعلى مستوياته في عهد السيسي - أرشيفية
يقول الكاتب توم ستفينسون في مقال طويل نشرته مجلة لندن لمراجعة الكتب، "لندن بوك ريفيو" إنه "لم يكن سرا أن نظام الرئيس حسني مبارك كان قمعيا، لكن طريقة معاملة عبد الفتاح السيسي مع السجناء تظل الأسوأ، رغم ثناء رجال الدولة من أنحاء العالم كله عليه، لدوره في التحول الديمقراطي". 
 
ويشير ستفينسون إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي ذكر العام الماضي أن السيسي أعطى شعورا قويا بالتزامه بحقوق الإنسان، وقال إن "هذه القضايا هي في تفكير السيسي"، مبينا أن "الولايات المتحدة، ولثلاثة عقود، دعمت الحكومات الاستبدادية في مصر كوسيلة لتحقيق (الاستقرار الإقليمي)، فقد ظلت واشنطن تدعم مبارك حتى اللحظة الأخيرة أمام حشود شعبية طالبت بتنحيته، ورغم رحيل مبارك إلا أن علاقات وزارة الدفاع الأمريكية مع المؤسسة العسكرية المصرية لا تزال قائمة وقوية. ويقوم المسؤولون الأمريكيون باستئناف الدعم العسكري والمعدات التي علقت لفترة مؤقتة بعد الانقلاب، ولم يكن الأمر متعلقا بحقوق الإنسان بالنسبة لواشنطن".
 
ويوضح الكاتب أنه "ليست الولايات المتحدة وحدها في هذا الموقف. فعندما زار رئيس الوزراء الياباني، تشينزو آبي، القاهرة الشهر الماضي، تحدث بتقدير واحترام عن العلاقة التي تربط الحكومة اليابانية بالسيسي. ووعد بتقديم مئات الملايين من الدولارات قروضا من أجل التنمية. وهناك دعم دبلوماسي من أوروبا، رغم أن العلاقة تأثرت قليلا عندما وصل القمع ذروته نهاية صيف 2013، ومع ذلك فقد تم استئناف العلاقات. وبالإضافة لزيارة نيويورك والمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، استقبل السيسي في زياراته الرسمية للفاتيكان ودافوس وروما وباريس. وفي هذا كله لم يقل سوى القليل عن انتهاكات حقوق الإنسان الروتينية، علاوة الحديث عن مذبحة رابعة أو اعتقال وسجن وتعذيب المعارضة
 
ويبين ستفينسون أنه عندما اجتمع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع السيسي في نيويورك في أيلول/ سبتمبر، فقد تحدث عن "دور مصر المحوري في المنطقة" وأهميتها للسياسة الخارجية البريطانية "اقتصاديا، وفي قتال التطرف الإسلامي". وقال إن مصر حليف حيوي لبريطانيا، وإنها "راغبة في توسيع الشراكة العملية ". وحث كاميرون الرئيس على "التأكد من احترام حقوق الإنسان". وكان واضحا حول نقطة ديون دولة مصر المستحقة عليها لشركات النفط الدولية. وتقوم السفارة البريطانية الآن بإصدار تقارير مثل "مصر: مفتوحة للتجارة". 
 
  ويفيد التقرير بأنه في الشهر الماضي كان الوفد التجاري البريطاني هو الأكبر الذي يزور القاهرة منذ عقود. ولا يرغب القادة الغربيون، وهذا ما يعرفه السيسي، بإغضاب مصر، التي تقع في منطقة استراتيجية بين الدول المنتجة للطاقة والدول المتقدمة.
 
ولا يرى الغرب على ما يبدو تناقضا بين دعم "استقرار" نظام السيسي، في وقت يعاني منه الشعب المصري من حالة عدم استقرار ترافقها عمليات اعتقال جماعية وتعذيب.

حكاية محمد

ويورد التقرير حكاية محمد، فمحمد- بي (28 عاما) طالب دراسات عليا اعتقل في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2013. وكان في حينه يشارك في تظاهرة من التظاهرات المعادية للانقلاب التي نظمت في القاهرة ذلك اليوم. وكان القصد الوصول إلى ميدان التحرير، ولكن ومع وصول المسيرة حي الدقي تعرضت للهجوم من قوى الأمن، وقتل عدد من المتظاهرين واعتقل العشرات، وحاول محمد الهروب مع مئات آخرين عبر شوارع خلفية، ولكنهم حوصروا واعتقلوا. ونقل إلى مركز شرطة، وهناك احتجز مع طبيبين ومهندس وأكاديميين من جامعة القاهرة، لسبع أو ثماني ساعات دون ماء. وفي منتصف الليل نقلوا، ولكن ليس كما كان متوقعا، إلى واحد من سجون القاهرة الكثيرة.

نظام السجون

يقول الكاتب إن نظام السجون في مصر هو إرث من الفترة الطويلة التي حكمت فيها بريطانيا البلاد، وما تبع ذلك من حكومات استبدادية بدءا من عبد الناصر والسادات إلى مبارك. وفي السجن البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية تم تشذيب أساليب التعذيب التي تستخدمها المخابرات المصرية اليوم . وقد تم ضم مركز الخدمات المشتركة للتحقيق المفصل بالمعسكرات البريطانية في حي المعادي في القاهرة. 
 
ويشير ستفينسون إلى أنه كان في المعسكر سينما وساحة للملاكمة  وصالة للمرطبات ليتناولها الجنود، وليس بعيدا عنها كان المحققون البريطانيون يجربون على أكثر من 60 سجينا في وقت واحد، ويحقنونهم بمادة تسبب الهلوسة، وهي "ثايروكسين"، أو يحاولون كسر نفسياتهم بإجبارهم على حفر قبورهم.
 
ويذكر التقرير أن وزارة الداخلية تدير 42 سجنا رسميا، ولديها الصلاحية لاحتجاز المعتقلين. ومن السهل الحصول على المعلومات حول المعتقلين، وفي بعض الأحيان يتم التفتيش عليهم، ومع ذلك ينتشر التعذيب والانتهاكات، ويشجع عليها النظام القضائي، الذي يعتمد في الكثير من الأحيان على اعترافات المعتقلين. 
 
ويفيد الكاتب بأن من أكثر السجون قسوة "سيئة السمعة": وادي النطرون وأبو زعبل وليمان طرة، التي يعتقد أنها كانت من السجون السرية التي اعتمدت عليها المخابرات الأمريكية " سي آي إيه" في عهد مبارك. وهناك برج العرب الذي يعتقل فيه مرسي، وسجن العقرب، وهو السجن الأشهر في مصر من الناحية الأمنية.

سكان السجون

ويبين التقرير أنه بحسب القانون يجب على الشرطة تحويل قضية السجين إلى النيابة، وبعد ذلك يبدأ التحقيق معه خلال 24 ساعة من الاعتقال. ويجب نقل المحتجزين إلى واحد من السجون الـ 42 بانتظار المحاكمة.

ويستدرك الكاتب بأن هذا لا يحدث اليوم، فهناك أدلة ضخمة على قيام الجيش والشرطة المسلحة بإدارة نظام اعتقال موازٍ خارج القنوات الرسمية وخارج القانون؛ من أجل التعامل في جزء من هذا مع الأعداد الهائلة التي قامت الشرطة باعتقالها منذ الانقلاب. 
 
ويكشف التقرير عن أن مصر شهدت زيادة في أعداد المواطنين المحتجزين بدرجة لم تشهدها في تاريخها. ففي بداية عام 2013، كان عدد نزلاء السجون الرسمي ما بين 60 ألفا إلى 66 ألف سجين. وبحسب أرقام وزارة الداخلية، فإن هناك 16 ألف شخص اعتقلوا في التسعة أشهر التي تبعت الإطاحة بمرسي في تموز/ يوليو 2013. 
 
ويظهر الكاتب أن تقديرا لمنظمة مستقلة، وهي المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يكشف أن العدد للفترة ذاتها هو 41 ألف سجين. وقد رفض السيسي هذه الأرقام، وزعم أنه ليس هناك مجال في السجون الرسمية كي تتسع لعشرات الالآف من المساجين. ويعلق ستفينسون قائلا: قد يكون محقا، ولكنهم محتجزون فأين هم؟

أسماء السجون السرية 
 
يقول ستفينسون: "بعد مقابلتي محامين ومحللين نفسيين وسجناء سابقين، فقد علمت أسماء المواقع التي يجري فيها التعذيب وسوء المعاملة، وأن الوضع فيها أسوأ مما هو في السجون الرسمية.  ففي داخل السجون مثل معسكر الزقازيق، هناك قاعدة عسكرية في الشرقية يديرها الأمن المركزي، وهي سجون غير مسجلة رسميا  لتجعل من السجون الرسمية تبدو إنسانية. وفي مقر وزارة الداخلية في ساحة لازغولي وجابر بن حيان يتم تعذيب المعارضين السياسيين والتحقيق معهم بشكل مطول من قبل المخابرات العامة. ويتم احتجاز المعتقلين دون تحديد مدة السجن في سجني العزولي وأغروت العسكريين في الإسماعيلية والسويس، وتعصب أعينهم لأشهر طويلة.

محمد مرة أخرى

ويعود الكاتب إلى قصة محمد فيذكر أنه قد تم نقل محمد بي ورفاقه في الزنزانة من مركز الشرطة إلى معسكر عشرة ونص، والمعروف أحيانا بـ 10.5، وهو ثكنة عسكرية خارج القاهرة يديرها الأمن المركزي. 
 
ويصف ستفينسون رواية محمد حول كيفية استقبالهم في المعسكر بأنها "تشبه روايات الآخرين التي سمعتها من المعتقلين السابقين في مصر، فقد تم ضربهم بشكل مستمر من مجموعة من الضباط، وتم الاعتداء عليهم لفظيا، وتم دوسهم بالبساطير، وجلدوا بالأحزمة الجلدية، وجردوا من ملابسهم، وعلقوا من السقف، وضربوا بالعصي، وتعرضوا للجلوس في أوضاع غير مريحة، وضربوا على أقدامهم. وطلب من محمد الزحف على يديه وبطنه لمدة ساعة وضرب، وهي طريقة تعذيب مأخوذة من أساليب التدريب العسكري".

ويضيف الكاتب أنه "في نهاية المطاف، دون أن يتمكن الضباط من الحصول على اعترافات منهم، فقد حشر الرجال في زنازين مؤقتة في الثكنة. وكان في زنزانة محمد، التي لا تزيد مساحتها على ثلاثة أمتار في ستة أمتار، 59 شخصا. وكانت الزنزانة ضيقة بدرجة اضطر معها محمد للوقوف على رجل واحدة لمدة ساعتين. ولم يكن هناك حمام، ولم يغادر الزنزانة أحد، إلا لفترة تعذيب على يد حرس الثكنة".
 
ويروي ستفينسون أنه بسبب ازدحام الزنزانة فقد اتفق السجناء على نظام يسمح لبعضهم بالنوم، فيما يبقى الآخرون واقفين. ولهذا قسموا أنفسهم إلى أربع مجموعات، يتداولون النوم والوقوف، حيث حدد لكل شخص عدد من البلاطات ينام عليها، ولم ينفع هذا، وبعدها حاولوا النوم على جنبهم ولم تنجح الطريقة. واتفقوا على طريقة ثالثة من خلال النوم اثنين، واحد يقف فاتحا رجليه والآخر يبقى جاثما بينهما. 
 
ويقول محمد إن الحرس كانوا يسخرون من رائحة الزنزانة، ويتركونهم دون تقديم الماء لهم. بقي محمد في سجن 10.5 أربعة أيام، قبل أن ينقل إلى سجن مسجل. فيما بقي بعض رفاقه في الثكنة لمدة أسابيع.

وادي النطرون

وانتقالا إلى وادي النطرون، حيث قضى محمد ستة أشهر، كانت الزنازين أوسع، بمساحة خمسة أمتار في عشرة أمتا، سجن في الواحدة 30 سجينا. ومقارنة مع سجن 10.5 كان الوضع محتملا، وكان في الزنزانة ما يمكن وصفه حمام. وكان يؤخذ السجناء من الزنزانة ويجردون من ملابسهم ويعذبون. 
 
ويتابع الكاتب بأنه تم حبس محمد مرتين في زنزانة انفرادية. ولم يكن للزنزانة أي شباك، وكانت مليئة بالصراصير، "التي كانت تزحف فوقي لساعات". وبالنسبة للرجال الذين وصلوا إلى السجن المسجل رسميا فقد دخلوه بعدة طرق. فقد تم احتجاز بعضهم في مراكز الأمن المركزي، وزعم أحدهم أنه نقل إلى سجن سري في صحراء سيناء، حيث سجن في قبو أرضي لمدة 70 يوما. وفي النهاية ظهر محمد أمام محكمة، وبرئ من التهم الزائفة الموجهة له كلها، وهناك كثيرون لم يكونوا محظوظين، حيث أفرج عن سبعة من بين 125 شخصا حوكموا في اليوم ذاته.
 
ويرى ستفينسون أنه ليس هناك ما يثير الغرابة في حكاية محمد، فالرسائل التي هربت من السجن، التي كتبها الصحافي أحمد زيادة، تؤكد هذه الانتهاكات، إذ أن زيادة سجن وهو يغطي أحداث جامعة الأزهر في كانون الأول/ ديسمبر 2013، ويصف في رسائله وقته في مركز شرطة مدينة نصر، حيث ضرب وتعرض للضربات الكهربائية قبل نقله إلى سجن أبو زعبل. 
 
ويورد التقرير أنه في رسالة كتبت في 19 شباط/ فبراير 2014، يكتب سجين اسمه كريم البحيري تفاصيل الأوضاع في قاعدة الأمن المركزي، حيث هاجمه المحققون، وتم إذلاله وإهانته على يد الحرس، طريقة لكسر الملل. ويتكرر وصف الزنازين الفقيرة المزدحمة بالسجناء، ويعد المناخ المصري عاملا لمعاناة إضافية في الزنازين المكتظة. ففي رسالة هربت من مركز شرطة حلوان في تموز/يوليو 214، كتبت مجموعة من السجناء أطلقت على نفسها "سجناء الزنزانة رقم 3"، حيث قالوا إن درجة الحرارة في الزنزانة كانت 50 درجة مئوية، ولم تزد مساحة الزنزانة على ستة أمتار طولا وستة عرضا.

وتفيد المجلة بأنه بحسب المعايير  التي وضعتها اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب، فإنه يجب على السلطات أن توفر زنزانة لكل معتقل مساحتها سبعة أمتار مربعة. لكن زنزانة رقم 3 حشر فيها ستون سجينا.
 
إسلام إي

ويروي الكاتب قصة إسلام إي، الذي يعمل  في مجال التسويق الرقمي، فقد جره "بطلجية" من تظاهرة معادية للحكومة في نهاية عام2013، وأخذوه إلى منطقة شقق سكنية. ويقول إسلام: "حاولت التحدث معهم بمنطق، وقلت لهم أنتم تدعمون الحكومة أما أنا فلا، ولكن لدينا عقول في رؤوسنا وألسنة في أفواهنا ويمكننا النقاش مثل جميع البشر، ولم يردوا أبدا، وبدأوا بضربي".
 
ويبين ستفينسون أنهم ضربوا إسلام ومزعوه بالسكين حتى فقد الوعي، ولا يزال يحمل علامات السكين على كتفيه وصدره. وكان شبه غائب عن الوعي عندما وصل ضابط أمن باللباس المدني كي يقوم باعتقاله رسميا. "بحر" من رجال الأمن المركزي، الذين كانوا ينتظرونه خارج الشقق السكنية. وانتهى هو الآخر في مركز 10.5 "الجحيم" كما وصفه. وظل فيه مدة خمسة أسابيع، حيث احتجز في زنزانة طولها أربعة أمتار وعرضها ستة أمتار، وحشر فيها 61 معتقلا. 
 
ويذكر التقرير أنه تم التحقيق معه من محققين في الأمن الوطني، الذين اعتقدوا على ما يبدو أنه من قادة المتظاهرين. وفي مرة حقق معه ضابط كبير فيما أحاط به ثمانية من جنود الأمن المركزي وضربوه. وفي مناسبة أخرى جُرد إسلام من ملابسه ومدد على بطنه مع عدد آخر من السجناء، فيما قام الضباط برش الماء البارد عليهم. وفي أحيان أخرى تعرض السجناء لأوضاع غير مريحة وضربوا بـ "الفلكة". 
 
ويصف الكاتب تجربة إسلام بأنها ليست عادية، وقد وصف عشرات من السجناء كيف داهم ضباط الشرطة والأمن المركزي الزنازين، وكيف ضربوا المعتقلين بالهراوات أو حرقوا بطانياتهم وملابسهم أمامهم، ووصف آخرون كيف لُفت الحبال حول أعناقهم، وتم جرهم لتلقي صعقات كهربائية.
 
التعذيب محرم
 
يشير التقرير إلى أن القانون المصري يحظر التعذيب بأنواعه كلها. ومنع القرار الوزاري رقم 668 رسميا الجلد في عام 2002. ويقضي البند 27 من تنظيمات السجن بفحص الطبيب للسجناء حالة وصولهم، أو في صباح اليوم التالي من الوصول، وكتابة تقرير عن حالتهم الصحية. 
 
وتستدرك المجلة بأنه من النادر تطبيق القانون، فالأوضاع مروعة والآثار واضحة. فحسب إحصائيات دائرة الطب الشرعي ومنظمات غير حكومية، فبالإضافة للذين ماتوا في سيارة الشرطة، وعددهم 37 شخصا داخل سجن أبو زعبل في آب/ أغسطس 2013، يمكننا القول ونحن مرتاحون إن عدد الذين ماتوا في السجون المصرية منذ  الانقلاب بلغ 150 سجينا. 

ويوضح ستفينسون أنه في الوقت نفسه من الصعب معرفة عدد الذين ماتوا في السجون غير المسجلة. وقد وثقت منظمة أمنستي إنترناشونال عددا لا يحصى من حالات التعذيب، حيث تم التحقيق مع السجناء بشكل منتظم وهم معصوبو الأعين، أو تم توجيه الصعقات الكهربائية على أعضائهم التناسلية للحصول على اعترافات منهم، ففي واحدة من الحالات أجبرت سيدة على الولادة وكانت يداها مقيدتين. 
 
سجن العزولي
 
ويقول الكاتب إنه لا أحد يعرف ما يجري في الأمن المركزي، ولا أحد يحاسب الجيش المصري أيضا، وفي السجون التابعة للجيش في العزولي في الإسماعيلية وأغروت في السويس ومراكز الكتيبة 101 في العريش سجلت أسوأ الشهادات. وقد زعم أحد الأشخاص الذين اعتقلوا في سجن العزولي في الإسماعيلية في رسالة مؤرخة في 24 آذار/ مارس 2014، أنه لم يكن يسمح لهم بالذهاب إلى الحمام إلا مرة واحدة في اليوم، وأنه كان يتم تعذيب السجناء قبل بزوغ الفجر، ويصب عليهم الماء الساخن والزيت الساخن، وأنه سمع أصوات صراخ نساء بشكل مستمر. 

ويكشف التقرير عن أن رسائل الناجين من السجن تظهر أنه يتكون من ثلاثة أجزاء. فقد خصص الطابق الأول للسجناء العسكريين الذين سجنوا لتجاوزات ارتكبوها. أما الطابق الثاني فقد عرف بـ "طابق المحاكمة"، ويتم فيه اعتقال سجناء مدنيين سيحاكمون أمام محاكم عسكرية. وفي الطابق الثالث "طابق التحقيق" اعتقل سجناء "غير رسميين"، أي لم يسجلوا في دفاتر السجن. وعادة ما كان يعتقل سجناء الطابق الثالث لمدة ستة أشهر، وظلوا معصوبي الأعين طوال إقامتهم. وعادة ما كان يتم إرسالهم فيما بعد للسجون الرسمية، وقد أصيبوا بجراح خطيرة، ولم يغيروا ملابسهم منذ اعتقالهم، ويحملون أوراقا تحمل تواريخ مزورة عن زمن اعتقالهم. 

وتفيد المجلة بأن اعتقال مدنيين في سجون عسكرية يعد أمرا غير قانوني، ولكن الإجراءات ستكون صعبة، خاصة أن سجونا مثل العزولي وأغروت لا يعترف الجيش بوجودها، ولا يعرف عدد السجناء الذين اعتقلوا، وقد تعرضوا  لاعتداءات جنسية بالإكراه، والتعليق من سقف الغرفة وأبوابها ونوافذها، والإيهام بالغرق وأطفئت السجائر على أجسادهم. وتظهر الأبحاث التي قامت بها منظمة هيومان رايتس ووتش أنه تمت إحالة 820 حالة جديدة للمحاكم العسكرية في الفترة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر العام الماضي.
 
السيطرة على الدولة
 
ويرى ستفينسون أنه ليس غريبا أن يصل الاضطهاد أعلى مستوياته، ففي الأربع سنوات الماضية جرت محاولة للثورة ولكنها فشلت، وقادت إلى ولادة نظام جديد مكون من رموز فاعلة تنتمي للحرس القديم. وقام مجلس عسكري باعتقال الرئيس وتعليق الدستور، واعتقال الكتاب وملاحقة جماعات حقوق الإنسان، وذبح المتظاهرين. وأي نظام بهذه الصورة فسيقوم على الأغلب بانتهاك المعتقلين، ولكن ما حدث في الدولة المصرية من مستوى عال من الانتهاكات يشير إلى أن أجندة محددة تم اتباعها.
 
ويلفت الكاتب إلى أن أول شيء فعله السيسي بعد أن سيطر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو استعادة الرئاسة في تموز/ يوليو 2013، وقام بتعيين جنرال في الجيش مديرا للمخابرات، وهو اللواء محمد فريد التهامي، وهو شخص معروف بكراهيته للإخوان المسلمين، وتعاطفه واتصالاته مع المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وهو موال للسيسي والمجلس العسكري. 
 
ويذكر التقرير أنه بالرغم من تقاعد التهامي عن العمل، إلا أن تعيينه سبقته سلسلة من الترفيعات لموالين ومسؤولين في المخابرات العسكرية، وهو ما ساعد السيسي، الذي كان مديرا للمخابرات العسكرية، لتقوية موقعه وسلطته على الجيش أولا، وبعد ذلك على أجهزة الأمن الأخرى. 
 
وتشير المجلة إلى أن السيسي ركز السلطة في الرئاسة، ومجموعة صغيرة من الجنرالات الكبار. وأصبح من الشائع في مصر وصف نظامه بأنه عودة لأيام حكم مبارك. ولكن السيسي لم يكن راضيا عن العودة إلى الوضع القائم، بل حاول الحصول على الجائزة الكبرى، وهي إعادة مكان الجيش كونه مؤسسة مركزية في الدولة يقودها هو بنفسه.

تسريبات
 
ويبين التقرير أن التسريبات، التي خرجت قبل فترة، تظهر مكالمات هاتفية جرت في شباط/ فبراير الماضي الدور المؤثر الذي مارسه الجيش على وزارة الداخلية الفاسدة، وجرت هذه المكالمات بين اللواء ممدوح شاهين، أحد رموز المجلس العسكري، الذي يملك صلاحيات واسعة، مع اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي.
  
وتورد المجلة أن التسجيلات تظهر كيف قام شاهين بالاتصال بوزير الداخلية محمد إبراهيم، وناقش الكيفية التي سيتم فيها الكشف عن المكان الذي احتجز فيه الرئيس مرسي، "ربما قاعدة أبو قير البحرية". وطلب منه تسجيلها سجنا رسميا من أجل تجنب مشاكل محتملة تظهر أثناء محاكمة مرسي. وقام الوزير بالإذعان، وقدم شاهين وثيقة كي يقوم إبراهيم بالتوقيع عليها. ولا يعني ذلك أنه تمت رشوة وزارة الداخلية؛ فالتنافس بين الوزارة والجيش قائم، لكن الأخير هو صاحب اليد العليا.

ويقول الكاتب إن السيسي وسع مؤسسة الجيش، إدارة ومنطقا، ومدها لتشمل مناحي الدولة المصرية كلها، وهناك عدد من المناصب التي يحتلها ويسيطر عليها عدد من الجنرالات المتقاعدين؛ فالمشرف على تعبيد الطرق، أو من يقوم بجمع الإحصائيات الحكومية لن يكون سوى جندي يعمل تحت إمرة جنرال، وحتى الجامعات التي تعد آخر مأوى للمعارضة، حولت إلى مجمعات عسكرية بحراسات قوية عليها، ويتم فيها فصل الأساتذة  الذين يتهمون بالمشاركة في النشاطات السياسية، ويراقب ضباط الأمن وقوى الشرطة الطلاب. 
 
ويضيف ستفينسون أنه في الوقت ذاته عاد "زوار الليل" للظهور من جديد، ويقوم ضباط الأمن بالتحرش بالمعارضين وغيرهم، من خلال مداهمات ليلية. وأصبحت الإدارة أكثر قمعا مما كانت عليه أيام مبارك في أوج قمعه وتجاوزاته.

ويبين التقرير أن الرجال والنساء وحتى الأطفال وجدوا أنفسهم عرضة للاعتقال، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو طلابا أو عمالا أو ناشطين أو يساريين أو حتى كانوا أشخاصا عاطلين عن العمل يحتجون على الواقع الذي يعيشونه، فإنهم يعدون عرضة للاعتقال من الجيش دون اعتبار لبرتوكول جنيف. وهذا هو جوهر الديكتاتورية العسكرية: رؤية عن دولة وشعب تحكمه، كأنهما جيشان متواجهان، الأول مجهز جيدا بالعتاد ولكنه أقل عددا من الثاني، ولكنه يجعل من الوحشية جزءا مهما من أساليبه.
 
التعذيب
 
ويشير الكاتب إلى أن هذه هي الطريقة التي يتعامل فيها السيسي ودائرته مع الأمور، ويوضح الكثير حول زيادة التعذيب. 

وتنقل المجلة عن أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، ومديرة مركز إعادة التأهيل، عايدة سيف الدولة، قولها: "يتم تعذيب المعتقلين عندما يتم إلقاء القبض عليهم، ويعذبون في مراكز الشرطة، وأحيانا تعذبهم المخابرات، وعندما ينقلون إلى السجون سواء كانت رسمية أو غير ذلك يتعرضون للتعذيب. وهم في داخل السجن يتعرضون للتعذيب، وفي حالة خطط السجناء للإضراب عن الطعام أو اعتقد ضباط الأمن أن السجناء يخططون لأمر أثناء الزيارات يقومون بتعذيبهم".

وعند هذه النقطة علق ناشط مخضرم بالقول: "مصر كلها سجن والجنود هم الحراس".

وتلاحظ ديانا الطحاوي، وهي عضو سابق في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن السجون المصرية هي "ميكرسوم عن المجتمع بشكل عام"، يتعرض فيها المعتقلون الفقراء لألوان الانتهاك كلها، ويعملون عادة في خدمة السجناء الإغنياء كي يشتروا ما يحسنون فيه أوضاعهم وكأنهم أحرار، بحسب المجلة. 

ويلفت الكاتب إلى أن النساء اللواتي يعانين من تحرشات جنسية مزمنة في المدن الكبيرة يجدن الأوضاع تتكرر، إن لم تزد، في سجون الأمن المركزي. ويحصل السجناء الأغنياء ممن لديهم صلات ومعارف جيدة على معاملة حسنة من الحراس ،وكذلك يحصلون على طعام جيد وعناية صحية جيدة. فقد تم التركيز على قضية صحافيي "الجزيرة"، الذين حكم عليهم بالسجن في تموز/ يونيو الماضي، وكان منهم بيتر غريستي، الذي أطلق سراحه قريبا. 

وفي افتتاحية لصحيفة "ديلي تلغراف" قالت فيها إنه "من بين كل الأحداث التي وصمت حكام مصر بالعار، كانت المحاكمة عبارة عن مهزلة، والحكم على هؤلاء الصحافيين كان فاضحا"، ولكن الأسوأ يحدث كل يوم لمعتقلين لن نعرف يوما أسماءهم، وفق التقرير.

ويختم ستفينسون تقريره بالقول إن الدولة المصرية تطالب مواطنيها بالإذعان، و"الأمن" هو ما يهم. وأي شخص يعد تهديدا للنظام العام  يتم قلعه من السكان وحجزه وتعذيبه بطريقة إبداعية من أجل إرعاب من هم خارج قفص السجن، ومن هم يطالبون ومنذ أربعة أعوام بمجتمع جديد، وليسوا خلف قضبان السجن ومعظمهم استسلم لسبات الهزيمة.
التعليقات (0)