ملفات وتقارير

غزة "الكاشفة".. لماذا تشيطن منابر "سلفية اليمن" حركة حماس؟

برز التيار السلفي مهاجما للمقاومة وأنها تخدم الأجندة الإيرانية- الأناضول
برز التيار السلفي مهاجما للمقاومة وأنها تخدم الأجندة الإيرانية- الأناضول
تباينت مواقف سلفيي اليمن، من الأحداث التي تجري في قطاع غزة الفلسطيني، مع بروز تيار كان شديدا في هجومه على حركات المقاومة هناك، واتهامها بالتبعية للأجندة الإيرانية.

وبدا هذا الاختلاف واضحا وعلنيا منذ بدء المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بين التأييد والمعارضة.

وقد برز هذا التيار السلفي المهاجم للمقاومة وعملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال منابر المساجد وفي مساحات أخرى، إذ إنه لم يأل جهدا في شيطنة فصائل المقاومة ووصم عملية السابع من أكتوبر بأنها جاءت بإيعاز من إيران خدمة لأجنداتها وإعطاء الاحتلال الإسرائيلي الذرائع لارتكاب المجازر بحق سكان غزة.


وساق هذا التيار ما يبرر له هذا الموقف بتأصيلات شرعية؛ أن الجهاد في حالة الضعف ليس مشروعا"، إضافة إلى أن المقاومة لم تأخذ في حسبانها "حجم الخسائر البشرية" الناتجة عن ردة فعل الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام أسئلة عدة حول مدى واقعية ومنطقية هذه المبررات أو التأصيلات وما هو موقعها في الميزان الشرعي؟

"سطحية ونفاق وجهل"


وفي السياق، قال الأكاديمي اليمني والباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد الدغشي، إن هذه الأمور لا تؤخذ بالسطحية كما يطرحها البعض، مضيفا أن مسألة الاختلاف حول ما قامت به حركة حماس هو "اختلاف في الإطار الخاص مشروع ويحتاج إلى تقويم وليس من المناسب خروجه للعلن".

وقال الدغشي في حديث لـ"عربي21": "بعد أن تنتهي المعركة لا بد من تقويم لما جرى سلبا أو إيجابا وهذا من حيث المبدأ وهو مبدأ إسلامي أصيل".

لكنه أشار إلى أن "الخروج العلني في غمرة المعركة للتلاؤم وإلقاء اللائمة على ’حماس’ ليس إلا مظاهرة للتيار العدواني الصهيوني والليكود العربي، لا أكثر ولا أقل"، مؤكدا أنه "حتى وإن كان هناك حسن نية في البوح بمثل هذا".

واعتبر الباحث اليمني في الحركات الإسلامية أن القول بأن عملية طوفان الأقصى جاءت بإيعاز من إيران، فهذا شرف لا تستحقه إيران نفسها، وقال إن إيران ليس لها ذلك الفضل حتى وإن دعمت المقاومة، فلا شك أن ذلك يأتي ضمن حسابات ومصالح سياسية تخص طهران ومحورها.

وأردف قائلا: "وبناء على ذلك، فليس معنى الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية أنها تابعة لها".

وبحسب الأكاديمي اليمني، فإن العلاقة بين حركة حماس وطهران ربما امتدت نحو ثلاثة عقود؛ ومع ذلك، فإن إيران لم تستطع أن تخترق الحركة بشيء يذكر.

وتساءل في الوقت نفسه قائلا: ماهي الاختراقات التي حققتها إيران بكل إمكاناتها في حركة حماس؟

وانتقد الأكاديمي الدغشي تصريحات بعض القادة في "حماس"، وهي خارج الدبلوماسية كما نتصور، منها اعتبار "سليماني شهيد الأمة" إضافة إلى وصف المليشيات الحوثية بـ"القوات المسلحة اليمنية"، واصفا هذا الأمر بأن فيه تجاوزا.
 
لكنه أوضح أن التضخيم وتحوير الأمر بأن عملية "طوفان الأقصى" قامت بدفع إيراني، "فليس صحيحا"، مشددا على أن من يهاجمون المقاومة الفلسطينية ويتهمونها بالتبعية لإيران، لاشك أنهم يتحدثون "بنفاق أو بجهل أو حماقة وسوء تقدير".

ولفت الأكاديمي والباحث اليمني إلى أنه صحيح، أن الضريبة باهظة في غزة، لكن إذا استقرأنا تاريخ المسلمين بدءا بغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وما جرى في عهد الخلفاء الراشدين والعهود الإسلامية المختلفة، "فلن نجد أن المعارك كلها كانت في صالح المسلمين وإنما كانت كرا وفرا، وبعضها كانت خسائر المسلمين فيها كبيرة".

وقال إنه من الواجب أن يؤخذ هذا الموضوع من جوانبه كلها، مشيرا إلى أن من المخجل سماع إنسان يدعي أنه ينطلق في تقويمه لهذه الأحداث في غزة من منطلق شرعي إسلامي في حين أننا نجد علمانيين كبارا يشيدون بعملية "طوفان الأقصى"، ويتحدثون بأنها جاءت كنتاج طبيعي لما يتعرض له سكان غزة وما يعايشونه في ظل حصار مفروض عليهم، فضلا عن أنهم يعيشون داخل سجن، وباتوا مقتولين ومضيّقا عليهم في كل شيء.

وقال إن ما قامت به مقاومة غزة من عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي، قامت به مضطرة، في حين أن نتيجة ذلك لن تكون أسوأ مما كان عليه قبل ذلك أهل غزة.

ووفقا للأكاديمي والباحث في الحركات الإسلامية، فإن حديث أناس ممن يدعون السلفية أو الالتزام الديني عن أن الخسائر كانت كبيرة في غزة، فهل يجب أن ينظر من منطلق الخسائر الكمية ونعد ما يسقط منا من رجال ونساء وأطفال مجرد قتلى، أم إن لنا ميزانا آخر في التقويم.. أنهم فعلا شهداء وأن المعارك هكذا.

ومضى قائلا إن "المعارك التي حصلت في تاريخ المسلمين بالذات مع الروم والفرس وأمثالهم، كانت معارك مثخنة في صفوف المسلمين أحيانا، ولكن لا تؤخذ الأمور هكذا".

وقال إن الله وعدنا كما جاء في الآيات المتواترة إحدى "الحسنيين" إما النصر أو الشهادة، مبينا أن النصر واضح أنه "مكسب مادي، فيما الشهادة لا تبدو كذلك فهي خسارة ولكنها في منطقنا ومعيارنا الشيء الكثير والكبير عند الله".

ورأى الأكاديمي الدغشي أن "عملية طوفان الأقصى تؤسس لمنعطف جديد هو منعطف الحرية والكرامة والعدالة التي يفترض أن يوصل إليها المسلمون في مجتمعاتهم وأن يتحرروا من كل كبت أو ضغط ينالهم من أعدائهم".

وختم قائلا إن "المعيار للتقويم ليس معيار الخسارة والربح، وبالتالي أخذ ذلك بمحمل الجد.. فالتحرر له ضريبة قصوى".

هذا احد ابواق الصهاينة العرب اسمه منير السعدي يهاجم في وقت سابق حركة حماس ويقول عنها حركة خبيثة والمجرمة ويحرض عليها بطريقة حقيرة لا يقبلها اي عربي حر . حماس والمقاومة هي من تدافع عن شرف الأمة ومقدساتها في حين هذا الإرهابي المتصهين ينشر التطرف والإرهاب من منبر المسجد .… pic.twitter.com/NClFywtLE9 — مختار الرحبي (@alrahbi5) November 1, 2023

"السلفية الجامية"

من جانبه، قال رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، أنور الخضري، إن مواقف معظم السلفيين في اليمن تؤيِّد موقف المقاومة الفلسطينية، وتساند نضال الشعب الفلسطيني وقواه الإسلامية والوطنية ضدَّ المحتل.

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف الخضري أن "هناك فئة مِن السلفيين لديها جهل وغفلة سياسية نظرا لبعدها عن عالم السياسة وعلم السياسة وممارستها، فهي مختلَّة في تقديراتها وتقييمها للأمور، وهذه شريحة وإن انتسبت للسلفيين فإنَّها ليست التيَّار الأعم، بل هي تيَّار محدود".

وأكد أن "السلفية الجامية" أو "السلفية المدخلية" التي ترعاها الأنظمة الإقليمية كأداة من أدواتها في محاربة الحركات والجماعات الإسلامية الإصلاحية والدعوية فهذه ليس لها مِن السلفية غير المظهر الخارجي، متابعا بالقول: "هي كيانات وظيفية للأنظمة أكثر منها كيانات دعوية وعلمية؛ لهذا تجدها تتماهى مع أطروحات هذه الأنظمة بل وتتمادى أحيانًا في تهجُّمها على الجماعات والحركات الإسلامية استرضاء لأرباب نعمتها".

رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات، قال إن الذين يتَّهمون المقاومة الفلسطينية مِن السلفيين  بتبعيَّتها لإيران لمجرَّد اعترافها بوجود دعم إيراني لها، يحقُّ فيهم ما اتَّهموا به الآخرين، "فمعظمهم يتلقَّى دعمًا مِن دول الجوار لتشكيل مكوِّنات مسلَّحة في اليمن ضدَّ إخوانهم في الدين والنسب والوطن".

ومضى قائلا: "فإن كان التمويل في حقِّ المقاومة الفلسطينية شبهة فإنَّه في حقِّهم حرام، إذ إن المقاومة الفلسطينية مضطرَّة وتواجه كافرًا أصليًّا"، أمَّا "هؤلاء فليسوا مضطرِّين ويستقوون على أبناء اليمن ضمن معاركهم في الداخل، بل إن بعضهم باشر في قتل واغتيال وتعذيب العلماء والدعاة والمصلحين، كما جرى في عدن وغيرها".

وبحسب الخضري وهو قيادي في التيار السلفي باليمن، فإن معركة "طوفان الأقصى" لا تخرج عن سياق المدافعة المشروعة للعدو المحتل، الذي يفترض في الأمَّة جمعاء أن تعمل على خروجه وتحرير الأرض المقدَّسة مِن دنسه، خصوصًا وقد باتت الأنظمة العربية العميلة تعلن انخراطها في التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل وتعترف به كيانًا رسميًّا على أرض فلسطين.

"في حين أنه كان يفترض بهذه الدول التي تمتلك جيوشًا جرارة وأسلحة ضخمة، أن تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته وجهاده عوضًا عن أن تتركه فريسة للصهيونية العالمية، ما اضطرَّه إلى التماس مَن ينصره مِن دول الإقليم"، كما يرى الباحث اليمني.

وأردف قائلا: "فتعامل المقاومة الفلسطينية مع إيران تعامل ضرورة في زمن التآمر والحصار".

وحول الخسائر البشرية التي وقعت على إثر عدوان "إسرائيل" على غزَّة بعد تلقِّيها هزيمة نكراء في معركة "طوفان الأقصى"، قال الخضري: "لا تقع مسؤوليَّتها على المقاومة الفلسطينية، فإنَّ المجاهد والمقاوم مكلَّف بالدفاع والمقاومة وإن كلَّفه ذلك حياته، فمن مات دون ماله وعرضه ودينه وبلده وحقوقه فهو شهيد".

وأوضح أنه "إذا كان هذا في حقِّ الفرد فإنَّه في حقِّ الشعوب المحتلَّة التي تسعى لتحرير أوطانها ورفع الاحتلال عنها أجدر بأن تكون شهيدة في معركة مختلَّة الأوزان، إذ إنهم مطالبون بتقدير ما يمكنهم تقديره"، لافتا إلى أن ردود فعل العدو المتوحِّشة قد لا تدخل في التوقُّعات خصوصًا بهذا الشكل الإجرامي الذي يجري في غزَّة، خصوصًا بتداعي الغرب وراء الكيان الإسرائيلي.

وقال رئيس مركز الجزيرة العربية: "نحن نرى أنَّ بعض الدول العربية انخرطت في تحالف عربي ضدَّ بعض الجماعات الطائفية، وها هي بعد (10) سنوات لم تحقِّق نصرًا ولم تتمكَّن مِن إلحاق الهزيمة بها، وعوضًا عن ذلك فإنها ذهبت للتباحث والتفاوض معها ومع الراعي الرسمي لها في الإقليم.. ألا يصدق في هذه الأنظمة مبدأ هذه الخسائر التي لا ينبغي ارتكابها في غير معنى، خصوصًا وقد قتل مِن جنودها ومواطنيها ومناصريها آلاف الأشخاص؟".

وشدد على أنَّ مِن طبيعة القتال بين المؤمنين والكفَّار أن يكون "سجالًا" و"دُولة"، كما قال أبو سفيان لقيصر، فتارة يغلب أهل الإسلام وتارة يغلب أهل الكفر، حتَّى يأتي نصر الله... "وهذا يقتضي وجود خسائر غير متوقَّعة في الأرواح".

وقال الباحث اليمني إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان قد علم بموت أصحابه في معركة أحد قبل دخوله المعركة في رؤيا رآها، ورغم ذلك فإنه التزم مبدأ الشورى وذهب إلى قتال الكفَّار سعيًّا للأخذ بالأسباب المطلوبة شرعًا، فهل كان رسول الله مخطئًا فيما ذهب إليه؟! حاشا وكلَّا.

وختم حديثه قائلا: "علينا اليوم في ظلِّ الحرب عدم توجيه السهام على المجاهدين والمقاومين والمدافعين عن أوطانهم والمظلومين مِن عدونا وعدوهم، بل أن نقف معهم ونناصرهم ماديًّا ومعنويًّا حتَّى يحكم الله بينهم، وإلَّا كنَّا مِن المخذِّلين عنهم".
التعليقات (0)