هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أجبرت الظروف
الصعبة بعض طالبي اللجوء في فرنسا على السكن لدى عائلات فرنسية مضيافة، وفق برنامج
تنظمه جمعيات إنسانية يهدف بالدرجة الأولى إلى مساعدة المهاجر على فهم المجتمع الذي
لجأ إليه وتعلّم لغته بشكل أسرع.
في منطقة إكس
أون بروفانس الفرنسية الجنوبية، ثمة نموذج فريد من نوعه يقوم به تكتل "أجير"
(يضم نحو 32 جمعية ومنظمة) لمساعدة طالبي اللجوء.
من هؤلاء المهاجر
السوري، ماهر، الذي حلّ ضيفا على أكثر من عشر عائلات بمعدل شهر لكل عائلة.
ماهر المسلم
المؤدي لواجباته الدينية عاش نحو سنة ونصف لدى عائلات من ذوي ثقافة مختلفة؛ منهم العلمانيون،
ومنهم من يدين بالمسيحية. بيد أن هذا الاختلاف في العادات والتقاليد ونوعية بعض الأطعمة
والمشروبات المُحرّمة في دينه، لم يكن مزعجا لهم أو له، إذ يقول لـ "عربي21": "لم أواجه أي مشكلة في التأقلم معهم. كانوا لطفاء جدا وكرماء معي، لدرجة
أن بعضهم طلب استضافتي أكثر من مرة، بغض النظر عن ديانتي. بل على العكس كانوا يراعون
وضعي ونوعية المأكولات الحلال التي أتناولها، وصيامي لشهر رمضان وأدائي للصلاة في وقتها.
كان البعض ينتظرني لنتناول طعام الإفطار سويا".
كاثرين: احتفلنا
بالعيد سويا
بالنسبة للطبيبة
كاثرين التي تسكن مع عائلتها في الريف، فإن العادات والتقاليد الإسلامية ليست غريبة
عليها كثيرا، بسبب عملها مع زملاء مسلمين، وزواج شقيقها من امرأة مغربية.
كاثرين التي
تؤدي أدوارا مسرحية أيضا، استضافت طالبي لجوء مسلمين في منزلها، بالتعاون مع برنامج
جمعية WELCOME المسيحية
اليسوعية، حيث كان أحد ضيوفها عربيا غير مُتدين رغم أنه من عائلة مسلمة، أما الآخرون
منهم شقيقان من أفغانستان يلتزمان بممارسة العبادات والأحكام الإسلامية.
تقول كاثرين لـ "عربي21": "لم نتحدث
كثيرا عن الدين ولم تكن عادات وممارسات الشقيقين غريبة بالنسبة لنا، بحكم اختلاطي
بمسلمين في العمل والعائلة. لكن كنت أود منهما معرفة الكثير من الأمور عن أفغانستان،
خصوصا في ما يتعلق بالتنوع العرقي وحكم طالبان وكيفية معاملتهم للمرأة، فقد قرأت الكثير
عن هذا الموضوع من قبل. كان الشابان لطيفين
واحتفلنا سويا بعيد الأضحى. والآن لدينا ضيف من غينيا يصوم ويصلي ونحن نتأثر كونه
يقضي هذا الشهر والعيد بعيدا عن أهله".
مصعب شاب سوداني
لم يتجاوز الثامنة عشرة، ويعاني من المرض. لم يحل وضعه الصحي وتدينه من استضافته لدى
عائلات عديدة عن طريق جمعية Welcome،
"بل على العكس كانوا يحترمونني ويكرمونني ولم يتناقشوا معي في المسائل الدينية". كذلك كان الوضع مع آنا التي استضافت الشاب عز الدين
من السودان، تشير إلى أنها بسبب عملها، لم تجد الوقت خلال شهر من استقباله لتناقش معه أي أمور. كل ما عرفته
عنه انه لا يأكل اللحوم ولا يشرب الكحول. لكن بالنسبة لها كان هذا الأمر شيئا طبيعيا.
تجربة مختلفة
بدوره عبيد الله،
الشاب التركي المُتدين حلّ ضيفا على عائلات عديدة، حيث وجد أن "العيش مع الفرنسيين
كان تجربة مختلفة. لكن لا يوجد صعوبة في التأقلم منذ البداية. هذا وضع استمر طويلا، وكانت العائلات التي استقبلتني جيدة جدا وصبورة في التعامل معي".
بيد أن باتريسيا التي استضافت امرأة متدينة من العراق،
تشير إلى أن أكثر ما يفاجئها في تصرفات بعض المهاجرين، "غياب الحس الفضولي لمعرفة
ثقافة وتاريخ المجتمع الذي يسكنون في أحضانه".
بينيدكت: أُشجّعهم
على إيمانهم
يحدد بينيدكت،
الناشط بمساعدة المهاجرين إداريا واستضافة البعض في بيته، طريقة تعامله مع ضيوفه على
الشكل التالي: "بالنسبة للضيف المُلحد الذي لا يمكن إقناعه بوجود الله لصعوبة
ذلك عقليا، لا أحاول تغيير اعتقاده، لكن لا أتردد أمامه في شرح قناعاتي وشكوكي أيضا.
أما الانسان المؤمن بغض النظر لأي دين انتمى، فأنا أشجعه على أن يتمسك بشكل أفضل بإيمانه؛ إذا كان مسلما على سبيل المثال، أُشجعه على أن يكون مؤمنا حقيقيا، وأن يحترم ما هو
أفضل في الإسلام (التسامح، الصلاة، الضيافة، والخضوع لإرادة الله، ورفض الأوثان وما
إلى ذلك)".
يُلفت بينيدكت إلى أن جميع ضيوفه كانوا مسلمين باستثناء فتاة إريترية، مضيفا: "حاولنا احترام هذه
المبادئ مع المهاجرين الذين أتوا إلينا، أراد البعض المجيء إلى الكنيسة للمشاهدة. لم
يكن بينهم أصوليون حقا، لذلك تمكنا من المناقشة بثقة وقبول خلافاتنا".
تشير أرقام تكتل
"أجير" إلى أنه يوجد في منطقة إكس أون بروفانس نحو 36 شخصا في ضيافة عائلات، ونحو 40 شخصا تم استئجار شقق لهم أو غرف "ستوديو". أما بعض العائلات التي
لم تحظ بسكن في المُجمعات الخاصة بطالبي اللجوء الرسمية، فقد تكفلت بهم جمعية Secours Catholique-Caritas التي استأجرت لهم بيوتا، بغض النظر
عن انتماءاتهم الدينية أو جنسياتهم.
من جهتها، توضح
باسكال المسؤولة عن تأمين السكن للأفراد لدى عائلات، بأن "الأسر التي تقبل استقبال
المهاجرين في المنزل، هم أشخاص منفتحون على الثقافات الأخرى، ومضيافون من دون تمييز
عنصري أو ديني أو سياسي"، مؤكدة أن ميثاق جمعية AGIR يضع ذلك في مقدمة أهدافه.
وتوضح أن برنامج
الاستقبال لدى الفرنسيين يتعلق بالأفراد وليس بالعائلات المُهاجرة، مشيرة إلى أن انتقاءهم
يتم بالتفاهم مع العائلة المُضيفة، وليس هناك فيتو على أي شخص لأسباب تتعلق بتدينه.
لعل أفضل ما في هذا البرنامج، أنه يُشجع على الحوار
وفهم الآخر وانتشار ثقافة احترام الاختلاف.