أين هو الآن؟
هل هو مريض، هل يتعافى، هل هو حر طليق، أم محتجز، هل يعاني سكرات الموت أم بصحة جيدة، هل تعرض للتعذيب أم سمم أم ماذا؟
علي مملوك .. رجل الغموض والتكهنات والتوقعات
منذ أن دخل المشهد السوري، وهو رجل الخفاء والمهمات السرية، والدموية المغرقة بالقسوة والعنف.
وإن صح ما يقال، عن احتجازه وموته المتوقع في أية لحظة، فهو سيكون الضحية رقم أربعة التي يتهم
بشار الأسد بالخلاص منها لإبعاد أي شبهات أمنية وجنائية عن النظام، بعد غازي كنعان، وجامع جامع، ورستم غزالة، وبعض المراقبين يجعله الخامس، إذ لا يبرئون النظام من تفجير "خلية الأزمة" في عام 2012، الذي قتل فيه آصف شوكت.
الأربعة أو الخمسة المشمولين بلقب "الضحية"، على صلة بجرائم يتهم فيها النظام السوري بارتكابها، من بينها قتل رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، ومجموعة كبيرة من السياسيين اللبنانيين المناوئين لدمشق، من بينها اعتراف النائب والوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بتزويد
دمشق له بقنابل لتفجيرها في جوامع بالشمال اللبناني، من أجل إحداث فتنة طائفية في لبنان.
ساهم في تحويل الدولة السورية إلى منظمة بوليسية
من الناحية السيكولوجية يعتبر اللواء
علي مملوك المولود في دمشق عام 1945، واحدا من أكثر ضباط المخابرات السورية غموضا بالنسبة للشعب السوري وللمراقبين في الداخل والخارج على حد سواء.
شخصية مثيرة للجدل، لديه هوس بحب السيطرة والتحكم وتوزيع الأوامر، لا يحترم إنسانية أحد، تتميز شخصيته بالفوقية، والعصبية والقسوة وحب التسلط.
يعتبر من أقوى الشخصيات المحيطة ببشار الأسد، والحائزة على ثقته واليد الضاربة له ضد الثورة السورية، حيث ساهم بشكل كبير في قمع المتظاهرين منذ اليوم الأول لانطلاق الاحتجاجات.
وتعزز دوره بشكل كبير بعد تفجير "خلية الأزمة"، أثناء انعقادها في مكتب الأمن القومي بحي الروضة بدمشق، حيث تخلص مملوك من شخصيات كانت دائما تزاحمه في نفوذه، أمثال اللواء "آصف شوكت"، واللواء هشام اختيار، الأمر الذي زاد من قوته ونفوذه وسيطرته على أهم مفاصل الدولة وهي الأجهزة الأمنية، خاصة بعد توليه منصب رئيس مكتب الأمن الوطني، الذي يرتبط مباشرة ببشار ويشرف على كافة العمليات العسكرية والأمنية في البلاد.
وقبل احتجاز مملوك، بدأ الاضطراب يصيب جهاز المخابرات السوري الذي منح صلاحيات واسعة خلال العقود الأربعة من حكم عائلة الأسد، وفي الشهر الفائت، لف الغموض موت رئيس جهاز الأمن السياسي "رستم غزالي"، بعد تعرضه لهجوم من قبل رئيس جهاز الأمن العسكري رفيق شحادة الذي تم عزله من منصبه إلى جانب غزالي بعد خلافهما.
وكان أول رد له في وسائل الإعلام، وفي أدبيات المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان، في تموز / يوليو عام 2002 ، حين نشر "المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية " قائمة تتضمن 76 اسما من أسماء ضباط المخابرات السورية مرفقة بموجز لأخطر الجرائم التي زعم تورطهم في ارتكابها، ضد حقوق الإنسان في سورية ولبنان، والذين طالب " المجلس" بمحاكمتهم عليها أمام القضاء الدولي .
مملوك قام على مدى أكثر من ربع قرن، بمهمات حساسة جدا في فرع
المخابرات الجوية الذي تم تغيير وضعه الإداري في السلم التراتبي للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ليصبح " إدارة المخابرات الجوية ".
ينحدر مملوك من لواء الاسكندرونة الذي حازته تركيا في عام 1939 بالتواطؤ مع فرنسا إبان انتدابها على سوريا، وتخلى عنه النظام السوري بموجب اتفاقية "الأمنية السرية" في تشرين الأول / أكتوبر 1998 .
وكانت أسرة مملوك من أوائل الأسر التي هجرت اللواء طوعا أو هجرت منه قسرا إلى حلب واللاذقية ودمشق .
وبعد سيطرة "حزب البعث" على السلطة في العام 1970، عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى اللواء محمد الخولي بمهمة بناء فرع المخابرات الجوية ( إدارة المخابرات الجوية لاحقا)، وقد كان مملوك رغم صغر رتبته آنذاك، واحدا من الضباط الأوائل الذين اصطفاهم الخولي لتأسيس جهاز "المخابرات الجوية".
حين أسس جهاز "المخابرات الجوية"، كانت المهمة الأساسية الموكلة إليه، -إن لم نقل الوحيدة-، هي أمن سلاح الجو السوري، وفي المقدمة أمن " الطائرة رقم 1 "، أي الطائرة الرئاسية، وكل ما يستتبع ذلك من جوانب أمنية ولوجستيكية تتعلق بالرئيس الأسد.
وبسبب طبيعة المهام الخاصة التي أوكلت لهذا الجهاز، يصبح من الصعب الحديث عن دور بارز له، في عمليات القمع الداخلية التي اضطلعت بها "المخابرات العسكرية" بالدرجة الأولى، و"المخابرات العامة" بالدرجة الثانية، و"الأمن السياسي" (التابع لوزارة الداخلية) بالدرجة الثالثة، وظل دور المخابرات الجوية "ملتبسا" دوما لجهة علاقتها بالحياة السياسية الداخلية.
إن أكبر عملية قمعية أسندت ل"المخابرات الجوية" ضد المعارضة السياسية، هي العملية التي قادها ضد "حزب التحرير الإسلامي" مطلع التسعينيات الماضية، والتي أسفرت عن تفكيك البنية التنظيمية لهذا الحزب، وكانت إناطة هذه المهمة بـ"المخابرات الجوية" دون غيرها من الأجهزة من قبيل المصادفة منه إلى أي تخطيط مسبق، إذ أن أول من اعتقل من كوادر "حزب التحرير الإسلامي" كان ضابطا في سلاح الجو.
وثمة عرف متبع في سورية يقوم على أن الجهاز الأمني الذي يكتشف قضية، أو تنظيما معارضا، يسند إليه أمر متابعتها حتى النهاية، فيما تقوم الأجهزة الأخرى بمساعدته إذا تقاطع نشاطها في مرحلة من مراحل المتابعة مع الجهاز الذي اكتشفها.
أما القضايا السياسية الأخرى التي تولت "المخابرات الجوية"، الاضطلاع بها فكانت قضايا أقرب إلى "الفردية ".
وسينظر كثيرون إلى مهمة تولي مملوك منصب مدير" المخابرات العامة" بوصفها نقلة نوعية تتيح لهذا الرجل أن يكون عضوا في " الحلقة الذهبية " التي تصنع القرار في سوريا.
وهنا ينبغي القول إن "العصر الذهبي " للواء مملوك، كان خلال فترة رئاسته لفرع التحقيق في "المخابرات الجوية"، الذي اضطلع بارتكاب جرائم نوعية ربما لم يرتكبها أي جهاز آخر في العالم العربي، ومن أخطرها ما أشيع عن اختبار الأسلحة البيولوجية والكيميائية، على عشرات المعتقلين السياسيين السوريين، واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين.
وكما هي الحال في بقية أجهزة المخابرات السورية الأخرى، أسست "المخابرات الجوية" منذ البداية " فرع تحقيق" خاصة بها ، وقد تقرر أن يكون مركزه داخل مطار المزة العسكري في ضواحي دمشق.
ومن اللافت أن جهاز أمن "سرايا الدفاع " المنحلة، التي كان يقودها رفعت الأسد، كان الجهاز الآخر الذي أقام فرع تحقيق داخل المطار العسكري نفسه، فضلا عن فرعه الآخر الذي أقامه في معسكرات القابون.
وكان هذا التجاور الجغرافي داخل حرم المطار فرصة لتوثيق العلاقات بين الجهتين، فضلا عن الفرصة الأخرى المتمثلة بتقاطع المهمات الأمنية للجهتين فيما يتصل بأمن حافظ الأسد، حتى عام 1984.
ويمكن القول إن تلك الفترة كانت بداية " التعارف" وتوثيق العلاقة بين علي مملوك وضباط "سرايا الدفاع"، وثمة معلومات، غير مؤكدة، تقول بأن مملوك ما يزال يحتفظ بعلاقة غير معلنة مع رفعت الأسد، تتم رعايتها باستمرار على أيدي رجال أعمال .
واعتبر في تلك الفترة من أكثر ضباط المخابرات وحشية في سورية، وهو يصنف من حيث الوحشية في قائمة الضباط الذين تدفعهم ساديتهم إلى ممارسة التعذيب بأيديهم مباشرة.
ويقال إن مملوك ابتكر واخترع وسائل تعذيب لم تستخدم من قبل في مراكز اعتقال أخرى، سواء تابعة لـ"للمخابرات الجوية" أو غيرها.
وحين اندلعت الثورة في سوريا كجزء من "الربيع العربي" دخل اسمه بقوة إلى قائمة الأكثر بطشا ودموية لأي صوت معارض، الأمر الذي دفع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات اقتصادية عليه بتهم قمع المظاهرات أثناء الثورة.
متهم بمحاولة تفجير الوضع في لبنان بالاتفاق مع ميشيل سماحة
ومع سقوط رؤساء الأجهزة الأمنية المتورطين بأعمال التعذيب والقتل، تتردد معلومات تفيد بأن الأسد قام باحتجاز علي مملوك، رئيس جهاز مخابرات النظام وأحد أهم صناديقه السوداء، في منزله، بعد اتهامه بالتآمر للانقلاب عليه.
وتأتي هذه المعلومات لتؤكد تصدع الحلقة الضيقة للنظام السوري والمقربين من الأسد منذ بدء الثورة السورية، بعد تهاوي أسماء بارزة، فهل بداء النظام يأكل أبنائه.؟.
وثمة قواسم مشتركة بين رجال النظام الذين قتلوا مؤخرا ومن بينهم رستم غزالة ومملوك، وهي أقاويل تربط بينهم وبين خلافات مع النظام حول الدور الإيراني، إذ يقال بأن المستشارين الإيرانيين ورجال الحرس الثوري ورجال حزب الله هم في الواقع الذين يحكمون البلاد وبشار مجرد تفاصيل وواجهة.