صحافة دولية

تصعيد غير مسبوق.. ما الذي يمكن توقعه من أمريكا بعد الرد الروسي؟

بوتين غير العقيدة النووية للجيش الروسي عقب السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمز"- جيتي
بوتين غير العقيدة النووية للجيش الروسي عقب السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمز"- جيتي
نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرا، سلطت خلاله الضوء عن تصعيد الأزمة الأوكرانية؛ حيث أعلنت روسيا على لسان نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، استعدادها للرد عسكريًّا على أي استفزازات غربية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن فلاديمير بوتين، في خطاب موجه إلى شعبه، قال إن الصراع اكتسب طابعًا عالميا، وإن استخدام أحدث نظام صاروخي من طراز "أوريشنيك" بمثابة رد على الأعمال العدوانية لدول الناتو.

وتضيف الصحيفة، أنه في 19 و21 تشرين الثاني/ نوفمبر، شُنّت هجمات على منطقتي كورسك وبريانسك باستخدام صواريخ بعيدة المدى أمريكية وبريطانية الصنع.

ومع ذلك، ورغم هذا التصعيد، تواصل النخب في الولايات المتحدة وبريطانيا الإعلان عن دعمها المستمر لأوكرانيا. فعلى سبيل المثال، سمحت وزارة الخارجية الفرنسية لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، بزعم أنها للدفاع عن النفس.

اظهار أخبار متعلقة



كيف سترد روسيا على الاستفزازات الغربية؟
وبحسب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، يمثل خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيرًا يدعو إلى وقف تصعيد التوترات ورفع الرهانات.

وأضاف ريابكوف: "ولكن هذا، أولاً وقبل كل شيء، إشارة إلى أننا نظهر عزمًا على الرد على الاستفزازات والخطوات التصعيدية من قبل الدول الغربية الراعية للنظام في كييف، بطريقة تجعلهم يدركون جدية الوضع وقدرتنا على إيجاد ردود عسكرية على التحديات الجديدة".

وأوضح ريابكوف أنه يعارض استخدام مصطلح "الخطوط الحمراء" بشكل عام، لأن الخصوم يستغلونه للمضاربة، مشيرًا إلى وجود مصالح أساسية لروسيا في مجال الأمن، وسيتم ضمانها بجميع الوسائل المتاحة لديها.

وذكرت الصحيفة أن نظام الصواريخ الروسي الجديد متوسط المدى "أوريشنيك" أحد ضمانات أمن الدولة، الذي اختبر لأول مرة في ظروف قتالية، ردًّا على الأعمال العدوانية لدول الناتو.

وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، استهدفت القوات المسلحة الروسية مصنع "يوجماش" الصناعي في دنيبروبتروفسك، وهو واحد من أكبر وأشهر المجمعات الصناعية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفييتي، والمتخصصة في إنتاج الصواريخ وغيرها من الأسلحة. والجدير بالذكر أن موسكو أبلغت واشنطن مسبقًا بإطلاق الصاروخ، لتحذر الأخيرة كييف بشأنه.

وتم الإطلاق باستخدام معدات تفوق سرعتها سرعة الصوت. وبحسب الخبراء، فإن هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في العمليات القتالية، في تاريخ روسيا.

وقد جاء هذا الإجراء ردا على التصعيد غير المسبوق من قبل الغرب؛ ففي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، أطلقت ستة صواريخ من طراز "أتاكمز" من صنع الولايات المتحدة، وفي 21 من الشهر الجاري، استخدمت أنظمة ستورم شادو البريطانية وهيمارس الأمريكية لاستهداف المنشآت العسكرية في منطقتي كورسك وبريانسك.

وفي حين لم يخلف الهجوم الأول قتلى أو دمارا بالبنية التحتية، أسفر الهجوم الثاني عن سقوط قتلى وجرحى.

ومساء يوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، ألقى فلاديمير بوتين خطابًا، أكد فيه أن استخدام مثل هذه الأسلحة لا يمكن أن يتم دون المشاركة المباشرة للمتخصصين العسكريين من الدول المصنعة لها. وخلال الخطاب قال بوتين إنه اعتبارًا من هذه اللحظة، وكما أكدنا في العديد من المناسبات في وقت سابق، أصبح النزاع الإقليمي في أوكرانيا، الذي أثاره الغرب، ذا طابع عالمي.

وفي الوقت نفسه، أكد بوتين أن استخدام الأسلحة بعيدة المدى لن يؤثر على سير العمليات القتالية في منطقة العملية العسكرية الخاصة، مشيرا إلى أن القوات المسلحة الروسية تواصل التقدم بنجاح على طول خط المواجهة بأكمله.

وفي اليوم التالي، عقد بوتين اجتماعًا مع قيادة وزارة الدفاع، وممثلي المجمع الصناعي العسكري، ومطوري أنظمة الصواريخ، حيث تم تقديم بيانات أكثر تفصيلًا حول نظام الصواريخ الشهير "أوريشنيك".

في الوقت الراهن، لا يوجد في العالم نظائر لهذا النظام، ولا وسائل لمواجهته أو اعتراض الصاروخ الذي تم اختباره. وأوضح سيرغي كاركايف، قائد قوات الصواريخ الإستراتيجية في القوات المسلحة، أن نظام "أوريشنيك" قادر على توجيه ضربات نحو أهداف في جميع أنحاء أوروبا. وعند استخدامه بشكل مكثف ضد أهداف العدو، ستكون هذه المنظومة قابلة للمقارنة مع الأسلحة الإستراتيجية من حيث الفاعلية.

وخلال الاجتماع، أصدر بوتين تعليمات بضرورة تنظيم الإنتاج التسلسلي لمنظومة "أوريشنيك"، وإدخالها في الخدمة ضمن قوات الصواريخ الإستراتيجية، موضحًا أن روسيا تجري حاليًا اختبارات على عدة أنظمة أخرى مشابهة لـ"أوريشنيك"، مشيرًا إلى أن البلاد تعمل على تطوير مجموعة كاملة من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى.

اظهار أخبار متعلقة



ما الذي يمكن توقعه بعد ذلك من الولايات المتحدة وحلفائها؟
وذكرت الصحيفة أنه في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، عقب ورود تقارير عن السماح باستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى، صدّق فلاديمير بوتين على العقيدة النووية المحدثة لروسيا. تم إدخال تعديلات جوهرية على قسم "فحوى الردع النووي"، الذي لا ينطبق فقط في الوقت الراهن على الدول والتحالفات العسكرية التي تعتبر روسيا خصمًا محتملًا، بل أيضًا على الدول التي توفر أراضيها أو مجالها الجوي أو البحري أو مواردها للتحضير لشن عدوان ضد روسيا.

ومع ذلك، لم تستجب الدول لهذه التحذيرات، بحيث أعربت في الولايات المتحدة عن قلقها بشأن استخدام روسيا لنوع جديد من الأسلحة القادرة على حمل رؤوس نووية.

وقد شدد البيت الأبيض على أن إطلاق "أوريشنيك" لن يكون له تأثير رادع على سياسة واشنطن تجاه النزاع، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستواصل دعم السلطات والجيش الأوكراني. وصدرت تصريحات مشابهة من حلفاء الولايات المتحدة؛ حيث وعدت وزارة الخارجية البريطانية كذلك بفعل كل ما هو ضروري لدعم كييف.

وبعد اختبار "أوريشنيك"، هاتف الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبحث تطورات الوضع في أوكرانيا. وقد تعهد الزعيمان بمواصلة المشاورات، سواء بشكل شخصي أو من خلال قنوات الأمن القومي.

ومن المرجح تطرق الأمين العام لحلف الناتو مارك روته ودونالد ترامب إلى رد الفعل الروسي على ضربات الأسلحة الغربية بعيدة المدى.

وفي الوقت الراهن، تعلق آمال كبيرة على ترامب، الذي وعد في حملته الانتخابية بحل النزاع في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، فيما يتعلق بالمفاوضات المحتملة للسلام.

وأوردت الصحيفة أن الظروف المحيطة بالوضع الراهن في أوكرانيا لا تخدم مصلحة ترامب بعد أن عقدت الإدارة الحالية في الولايات المتحدة بقيادة بايدن الوضع إلى أقصى حد، من خلال تصعيد الوضع عمدًا قبل تسليم السلطة.

ونقلت الصحيفة عن مدير معهد الأبحاث النووية في الجامعة الأمريكية بواشنطن، بيتر كوزنيك، أن على مدار عدة أشهر، قاوم بايدن الضغوط المسلطة عليه من قبل زيلينسكي وحلفائه الأوروبيين وبعض عناصر إدارته، بما في ذلك وزير الخارجية أنطوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، حيث رفض منح أوكرانيا إذنا باستخدام صواريخ أتاكمز داخل الأراضي الروسية.

ويفسر رفض بايدن هذا الأمر بخشيته من تصعيد مباشر للحرب بين روسيا وحلف الناتو. لكن الآن، وبعد اتخاذه قرارًا بالموافقة، يشهد الوضع تصعيدًا حادًا نتيجة الضربات والردود المضادة التي فاقمت الوضع بشكل كبير.

اظهار أخبار متعلقة



ووفقًا لما ذكرته وكالة بلومبرغ قبل تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير، يخطط بايدن لتعزيز دفاع أوكرانيا إلى أقصى حد، بهدف إظهار قدرة كييف على الاستمرار في القتال في حال استمر النزاع. وتعتبر الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن جزءًا من هذا المخطط.

بالإضافة إلى الضربات بأسلحة بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية، فرضت الولايات المتحدة حزمة جديدة من العقوبات، مستهدفة هذه المرة جميع القطاعات المالية في روسيا المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية الخارجية. وعليه، شملت حزمة العقوبات غازبرومبانك.

ومن الخطوات الجذرية الأخرى نقل الألغام المضادة للأفراد إلى أوكرانيا، وهي من الألغام المحظورة بموجب اتفاقية أوتاوا لسنة 1997 التي صادقت عليها كييف.

في الواقع، عارض حتى حلفاء أمريكا في الاتحاد الأوروبي فكرة نقل الألغام المضادة للأفراد.

وقالت وزارة الخارجية الألمانية "إن حقيقة اتخاذ أوكرانيا هذه الخطوة واعتبارها ميزة في الحرب أمر مؤسف". ومع ذلك، لا يعد تصعيد الوضع حكرا على الولايات المتحدة، بحيث سارت على خطاها بريطانيا عن طريق إرسال صواريخ ستورم شادو، وكذلك فرنسا التي قال وزير خارجيتها جان نويل بارولت إن لأوكرانيا الحق في ضرب الأراضي الروسية بصواريخ فرنسية بعيدة المدى "لغرض الدفاع عن النفس".

من جانبه، يعزو ريتشارد بانسل، الأستاذ في جامعة كورنيل في نيويورك، تصاعد التوترات إلى قرار أمريكا السماح لأوكرانيا باستخدام نظام أتاكمز لضرب أهداف تقع داخل روسيا. وبحسب بانسل في حال أرادت روسيا، كما هو متوقع، ضرب أهداف أوكرانية حساسة مثل السفارة الأمريكية في كييف، فقد يترتب عن ذلك فرض عقوبات جديدة.

وفي ختام التقرير، رجحت الصحيفة إمكانية تخفيف الإدارة الجديدة لترامب العقوبات في حال تحقيق تقدم في اتجاه الحل السلمي للنزاع. ومن وجهة نظر بيتر كوزنيك، يمكن للرئيس الأمريكي المنتخب تخفيض حدة الصراع، وتقريب الأطراف من المفاوضات، غير أنه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ودوره حتى الآن يقتصر على التصريحات فقط.

التعليقات (0)