قضايا وآراء

المساحات الفارغة

1300x600
من أكثر الردود استفزازا من الكتلة الأكثر تنظيما في المجتمع المصري عندما تطالبهم قوي الثورة السائلة بالتحرك لإنقاذ مصر من الكارثة التي حلت بها، قولهم إن الأرض مفتوحة للجميع، فمن يريد أن يفعل شيئا فليتحرك، نحن فعلنا الكثير وما زلنا نقاوم.

قبل محاولة الرد على هذا التوجه المستفز، يبدو أنه من المهم ذكر بعض الحقائق التي يجب تثبيتها بعد أعوام من السيولة الكبيرة في الأفكار والاتجاهات.

أولى هذه الحقائق أن الكتلة الصلبة في الثورة المصرية هي جماعة الإخوان المسلمين، ودفعت ثمنا لا يحتمل على مدي تاريخها، بصرف النظر عن مدى إيمانها بفكرة الثورة -ككل التيار الإسلامي التقليدي- فهي الكتلة القادرة علي تطوير الثورة، وهي للسبب ذاته القوة القادرة على قتلها.

الحقيقة الثانية، أن الكتل السائلة في الثورة المصرية تتحرك للدفاع عن أشياء مختلفة، فهناك من يتحرك من أجل الهوية الإسلامية التي تنتهك علي يد النظام المصري، وهناك من يتحرك دفاعا عن حق الشعب في أن يمتلك السلطة ويكسر احتلال العسكر لها، وهناك من يتحرك ضد ظلم التيار الإسلامي بشكل عام، وحقه في أن يحيي مصر بعد أن انتهكت على يد الفسدة.

أذكر موقفا حُكِي لي أن أحد الشباب يوم 5 تموز/ يوليو 2013 أثناء تواجد عشرات الآلاف عند دار الحرس الجمهوري عند حدوث جدل بين الموجودين في محاولة الدخول لتحرير الرئيس مرسي بالقوة، قال أحد الموجودين فلنرى ماذا سيقرر الإخوان، فقال الشاب إنه ليس رئيس الإخوان فقط، سندخل لتحرير رئيسي ورئيس مصر المختطف.

الشاهد أن هناك الكثير لم يكن يدافع عن جماعة الإخوان المسلمين بالأساس، ولكنه يدافع عن رئيس الجمهورية الذي كان من الإخوان المسلمين.

نعود للكتلة السائلة وللحقيقة الكبرى التي يغفل الكثير عنها، وهي أن هذه الكتل هي من حمت التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين من السحق الكامل بعد 3 تموز/ يوليو 2013، وأنها تحملت ربما العبء الأكبر، ودفعت أثمانا شديدة القسوة في محاولة إنقاذ الثورة، ووقفت خلف التيار الإسلامي وجماعة الإخوان. 

فلا يمكن تصور أن الملايين التي ملأت شوارع مصر بعد حدوث الانقلاب هي كتل منظمة، وأن الجموع الهائلة في 16 آب/ أغسطس و6 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 تنتمي لكتل منظمة. فهذه الجموع لها الفضل الأكبر في بقاء صوت الثورة حيا حتى الآن، بل وبقاء صوت التيار الإسلامي كله في مصر وبالذات جماعة الإخوان.

وقفت تلك القوى خلف جماعة الإخوان المسلمين التي تبنت المواجهة بعد 3 تموز/ يوليو 2013، ورفضت إعادة مشهد 1954، ووقف الجميع خلفها، وأعلنت أنها على طريق الثورة، وحثت الملايين على الاستمرار لتحقيق النصر.

الآن وبعد عامين ويزيد في حالة من الثبات ومراوحة المكان من قوى الثورة وحالة من استقرار الانقلاب حتى كاد يتحول إلي نظام ويتجاوز مرحلة الانقلاب العسكري، بدأت تلك القوى السائلة في طرح سؤال منطقي، ماذا بعد وماذا يجب أن نفعل؟ وهل ما فعلناه صحيح؟ وتحاول الإجابة على الأسئلة، وتطرح البدائل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتريد أن يجيب عليها أحد.

ولأن جماعة الإخوان المسلمين وضعت نفسها أو وضعتها الظروف والوضع في مصر في خانة قائد الحراك، كان لابد أن توجه الأسئلة لها، وكان لابد أن يوجه النقد اللاذع لها أيضا، لأنها بمعيار النتائج الملموسة لم تستطع تحقيق أهدافها المعلنة بإسقاط الانقلاب العسكري، الذي دفعت الكتل السائلة من المصريين أثمانا باهظة، ولا زالت في سبيل ذلك.

أي رد مقبول من الإخوان بداية من أننا لم نفشل، وإننا على الطريق الصحيح إلى حد أننا فشلنا ولن نستطع فعل أكثر من ذلك، كل الردود مقبولة إلا هذا الرد المستفز الذي يدعو الكتل السائلة إلى التحرك وحدها، وكأنها كانت من البداية وحدها. 

لقد تحرك الجميع خلف الكتلة الصلبة ودافع عنها وحماها في لحظات فارقة، فلا ينبغي تحت أي ظرف ومهما كانت الضغوط أن تكون اللغة السائدة الآن فليفعل كل منكم ما يريد، وكأنها محاولة لفصل التيار الإسلامي عن الجماهير التي تعلقت به لإنقاذها.

قد لا يكون بالإمكان أفضل مما كان أو أن الظروف المعقدة بشكل عام لا تراها الجماهير بشكل كامل مما يفقدها القدرة علي التحرك السليم، ولكن مهمة الكتل الصلبة في تلك الظروف هي الحفاظ على من حولها من كتل داعمة، وليس تركها وحيدة في مواجهة عدو شرس مجنون. 

فالمساحات ربما فارغة، ولكن لا يكون ملأها بهذه الطريقة. لقد حمت القوى السائلة القوي الصلبة بعد الانقلاب العسكري، وعلينا أن نرد لها جزءا من قيمة بطولاتها وأن لا نتركها في هذه المواجهة وحدها.

كان الانقلاب العسكري أحد أهم المراحل في التاريخ الحديث التي التف فيها جزء من الشعب حول التيار الإسلامي، وتجاوز فيها التيار الإسلامي أحد إشكالاته التاريخية في انغلاقه التنظيمي، فرجاء إن لم نستطع إنقاذ هذا الشعب مما هو فيه من قهر، فعلي الأقل علينا ألا نعيد انغلاقنا مرة أخرى على أنفسنا، ونُضَيِّع ربما للأبد أي أمل في ثقة الجماهير في التيار الإسلامي.