بورتريه: أبو عبيدة.. أسطورة محارب بلا ملامح

الكتابة عن شخص غامض غير محدد الملامح، كمية المعلومات المتوفرة عنه لا تتجاوز نسبة صفر في المائة، تعتبر من أصعب أنواع الكتابة لأنك لن تجد معلومة تتكئ عليها لبناء نصك الأدبي أو الصحافي، لن تجد سيرة ذاتية تصلح أن تكون طرف خيط في حياكة مقال عن شخص يقف عنده الزمان والمكان.

 هو معروف للجميع، وفي نفس الوقت لا يعرفه أحد، ربما يعرفه القلائل جدا من ضمن الحلقة الضيقة في كتائب القسام.

اسم أبو عبيدة معروف لكلّ فلسطيني وعربي، وفي الأسابيع الأخيرة، لمعظم الإسرائيليين.

 أبو عبيدة، المتحدث الإعلامي باسم كتائب عز الدين القسام، قائد ميداني من أوائل المطلوبين في قوائم الاغتيال الإسرائيلية. 

تعتبره تل أبيب العنصر الرئيس في الحرب النفسية التي تفرضها المقاومة على الإسرائيليين. 

هو أحد الأشخاص الأكثر شهرة في حركة حماس، ولكن رغم ظهوره المتكرر في وسائل الإعلام، فلم يرَ شخص ما وجهه، واسمه غير معروف ولا هويّته الحقيقية. 

أصبحت صورته المغطّاة بكوفية حمراء مشهدا اعتياديا على شاشات التلفزيون لدى الإسرائيليين الذين شاهدوه للمرة الأولى بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006.

 تعود كنية أبي عبيدة لأحد العشرة الأوائل من أصحاب النبيّ محمد والذين بشروا بالجنة، وبعد وفاة النبيّ أصبح أبو عبيدة عامر بن الجراح قائدًا عسكريا، وكان من المقرّبين من الخليفة عمر بن الخطّاب وحمل لقب "أمين الأمة".

باستثناء لقبه، فهو يحرص على الحفاظ على الغموض فيما يتعلّق بهويّته، ولا يكشف وجهه أبدًا، و لا يُعرف أي شيء تقريبًا عنه، مثل سنّه، عائلته وأصوله، وإن كان من المرجّح أنه وُلد في غزة.

وفقًا للإعلام الفلسطيني، فأبو عبيدة هو أحد الأسماء في قائمة اغتيالات الجيش الإسرائيلي، وتتشكل القائمة من أسماء صانعي القرار الرئيسي في القسام، مثل رائد العطار ومروان عيسى وممتاز درموش وأيمن صيام، وعلى رأسهم بطبيعة الحال محمد ضيف.

يقال إن أبا عبيدة هو مجرّد "مبعوث" وناطق رسمي ينقل رسائل جميع هؤلاء إلى الشعب الفلسطيني وإلى العالم.

وعند  البحث على الإنترنت عن أية معلومات عنه تظهر للباحث عن اسم أبي عبيدة أكثر من 2.5 مليون نتيجة، وأيضا ما يقرب من 50 ألف مقطع فيديو في موقع "يوتيوب". 

بخلاف معظم الناطقين، فإن أبا عبيدة لا يلتزم بقواعد "اللياقة السياسية"، أو بتملق ومجاملة الناطق الإعلامي لرجال الصحافة والإعلام، وهو يقوم بعمله بلغة عربية طليقة بشكل ملحوظ، وبالكثير من الكاريزما، التي تنجح في تجاوز الكوفية التي تغطي وجهه باستثناء عينيه.

 يتحول أبو عبيدة إلى نجم إعلامي؛ فهو يجري المقابلات الصحفية مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، يبثّ مقاطع الفيديو، يعقد المؤتمرات الصحفية التي يحرص فيها على فضح جرائم تل أبيب، ويؤكّد على رفض وقف إطلاق النار أو أيّ تسوية لا تحقق شروط المقاومة. 

وكجزء من الحرب النفسية نشرت مواقع الإعلام العبرية صورة لأبي عبيدة، وهو ما نفته مصادر مقربة من المقاومة التي أكدت أن الصورة غير  صحيحة وأن الهدف من نشر الصورة كان استخباريا.

وأضاف المصدر في كتائب القسام أن الإعلام العبري نشر الصورة بإيعاز من "الشاباك"، بعد أن تم تزييفها وتركيبها كما لو أن الشخص المتحدث فيها كان يتحدث عبر قناة الأقصى.

وأضاف أن "وجه أبي عبيدة لا يعرفه سوى قليلون، لم ولن يظهر لوسائل الإعلام، ومنذ سنوات وجيش الاحتلال يحاول بشتى الطرق الوصول إليه، بعدما عجزوا طوال الفترة الماضية عن تحديد هويته وملامح وجهه".

وانتشرت في العديد من الصحف والمواقع العبرية أخيرا صورة زُعم أنها مأخوذة عن شاشة قناة الأقصى التابعة لحركة حماس، ويظهر فيها وجه أبي عبيدة الملثّم، وفي الأسفل صورة أخرى لشخص ذي لحية، وكُتب مقابل اسمه: حذيفة سمير عبد الله الكحلوت (أبو عبيدة).

تل أبيب تريد الوصول إلى أي معلومات حقيقية عن هوية الناطق باسم القسام، وضمن محاولاتها الفاشلة تلجأ بين الفترة والأخرى إلى بث أخبار كاذبة بهدف دفعه للظهور وتحديد مكان وجوده.

أبو عبيدة رجل بلا ملامح، لكنه يملأ المكان والزمان العربي والعالمي منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تموز/ يوليو الجاري، فبيانات المقاومة التي تمر من خلاله أكثر دقة ومصداقية من التقارير التي تصدر عن الاحتلال الذي يتخبط تحت وابل من صواريخ المقاومة وحجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي يتكبدها في كل لحظة.

أبو عبيدة جزء من أسطورة غزة، التي كسرت أسطورة تل أبيب وجيشها الذي لا يقهر، فجاء الوقت والزمان والمكان الذي قهر فيه.

رجل بلا ملامح أفقد الجيش الذي لا يقهر جميع ملامحه في حرب قد تكون الأخيرة ضمن المعادلة السابقة.