قضايا وآراء

في ذكرى الخلع- كم نحن أغبياء؟

1300x600
خلع مبارك، وفرحنا وبكينا، وهنأنا بعضنا البعض، وألقينا أنفسنا في أحضان الوطن، معتقدين أنه بات خاليا من النفايات البشرية، وطاهرا من المبيدات غير الآدمية. هتفنا للجيش، ولم نشأ أن نصدق أنه كان وراء موقعة الجمل، ووراء اقتحام مؤسسات المجتمع المدني، ووراء كشف العذرية، ووراء الاعتقالات بالسجون العسكرية.

لا أدري هل كنا نعلم وأردنا أن نمنحه الفرصة حتى تتمكن الثورة، أم أن ضميرنا الثوري النقي رفض أن يصدق أن العسكر يمكن أن يلطخوا أيديهم بدماء المصريين؛ لأنهم من المفترض أن يتعلموا من التجربة والدرس.

كنا أغبياء أم أنقياء؟ لا أدري ساعتها، ولكنني اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات وأنا أرى مبارك في صحة وعافية ومنعة، وطنطاوي يسرح ويمرح يدا بيد مع الجنرال السيسي أينما حل أو ارتحل، وأرى رموز الثورة في الشتات، وشباب الثورة جلهم في السجون، وبعضهم في المنافي أو في القبور، اليوم وأنا أرى الرئيس مرسي وقد انقلب عليه العسكر وليس سواهم، أشعر بكم هائل من الإهانة في ذكائي، وبطعنة هائلة في طريقة تفكيري وغيري آنذاك. 

حتى وإن كنا أنقياء فيجب ألّا نكون أغبياء، ما يهينني حقا هو أن مجموعة من العسكر الذين لم يدخلوا معارك، ولم يحملوا سلاحا في وجه عدو، وليس لهم إنجاز، استطاعوا أن يتغلبوا على الثوار بكل إمكاناتهم العقلية وتاريخهم الأكاديمي والتنفيذي على الأرض. 

كيف نجح هذا السيسي في المرور من كافة المطبات وهو الذي نشرت عنه الواشنطن بوست مقالا مطولا حول كشف العذرية، وقمت بتحليله لبرنامج "الصحافة العالمية"، كنت أقدمه على قناة الصباح الكويتية في عام 2011، والمقال كان واضحا بشهادة بعض هؤلاء اللواتي تم احتجازهن وتوقيع الكشف عليهن، وبعدها اعترفت مخابرات السيسي بذلك؟ 

كيف مر على الجميع أن السيسي طلب جميع ملفات أمن الدولة، ولم يعيدها للرئيس ولا لأمن الدولة، بل احتفظ بها وحتى حين فاتحه أحد الوزراء في عهد الرئيس مرسي قال له أنت خايف عليها ليه؟ دي في الحفظ والصون... 

كيف مر علينا تعيين السيسي وزيرا للدفاع؟ ولماذا وكيف تم الأمر؟ ولماذا لم يفصح الرئيس مرسي ولو تلميحا أو تسريبا لمن حوله عن أصل الحكاية، وهل كما قال احد المستشارين في الرئاسة لاحقا أن إحالة طنطاوي وعنان كانت في مقابل تعيين السيسي وزيرا للدفاع؟ ولماذا قبل الرئيس مرسي؟ ولماذا لم يقيله بعد أن اكتشف أمره؟ 

لا أعرف، ولن نعرف طالما أن من لديه خزانة الأسرار ممن هم خلف القضبان أو ليسوا خلفها يمسك عن البوح بما لديه، وأعتقد أن بعضهم لديه الكثير ولكنه لا يريد، وهذا ما يعمق أزمتنا التي هي في الحقيقة أزمة معلومات احتكرها البعض ودخل بنا جميعا في الحيط ثم يريد من الناس أن تثور من جديد؟ كيف يثور الناس وهناك عشرات الأسئلة بلا أجوبة؟ كيف يثورون وهم حتى اللحظة لم يعرفوا حقيقة ما دار بين العسكر والثوار؟ ولا بين العسكر والإخوان؟ 

لو قامت ثورة جديدة من يدريكم أننا سوف نقع فيما وقع فيه الأولون؟ من يدرينا أن الثوار سوف لن يحملوا الضباط على الأكتاف، ويرسموا بدمائهم عبارة الجيش والشعب ايد واحدة؟ بل من أدراك أن العساكر من صكوا هذا الشعار أصلا؟ 

اللغز الكبير لا يتعلق بعلاقة الثورة بالعسكر، بل بعلاقة العسكر بالصهاينة أثناء وبعد تنحي مبارك، هذا هو اللغز الحقيقي، وما يقوم به السيسي الآن يشير إلى أن ما جرى لم يكن بعيدا عن ترتيب وتخطيط ودعم الصهاينة لأنباء عمومتهم في المجلس العسكري بقيادة السيسي؟ ومن يدرينا جميعا إن كان السيسي قد التقى بساسة وزعماء وجنرالات صهاينة أثناء الثورة وبعدها؟ بل لعلي لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إنه ربما زار الكيان الصهيوني سرا كما فعل قدوته الرئيس السادات حين زار ميناء حيفا سرا في عام 1979 وفقا لما نشره للأرشيف الإسرائيلي عن هذه الزيارة كما أرسله لي أحد مشاهدي برنامجي اليومي على قناة مكملين "مع زوبع"

الشريط يبين زيارة السادات وزوجته وابنته واستقبله رئيس الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه المجرم مناحم بيجين وزير الخارجية الصهيوني آنذاك اسحق شامير، والزيارة تمت سرا إلى ميناء حيفا، واستقبل استقبالا مهيبا، وعلمت الدنيا بالزيارة، وبقينا نحن نصدق الرئيس المؤمن محمد أنور السادات ونتغزل في عبقريته السياسية وحنكته في التفاوض. 

كم نحن أغبياء حين صدقناهم، وسنبقى أغبياء حين نصدق أننا فهمناهم حق الفهم وعرفناهم حق المعرفة... لن يتحرك الشعب حتى يفهم حقيقة ما جرى، وعلى الذين لديهم مفتاح الصندوق الأسود أن يفكوا شفرته الآن وليس غدا، فلربما ليس هناك من غد.