كتاب عربي 21

يا بختك يا "سيسي"!

1300x600
كنت أنظر للسيد المحترم المدعو "كافور الإخشيدي" نظرة احتقار، ولكن مع مرور الزمن تأكدت أنه رجل محترم جدا، فبعد أن شاهدت الجلف المسمى "مبارك"، ومن بعده المسخ المدعو "سيسي"، ترحمت على نيرون والحجاج وهولاكو وموسوليني، لقد احترمت جميع طغاة العالم حين شاهدت هؤلاء!

نحن في زمن لو بُعِثَ فيه "المسيخ الدجال" لما وجد له أتباعا، وسيرى غالبية الإعلاميين تزايد عليه في الشر، ولو أنه حضر اجتماع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مثلا لاستحى أن يرشح السيد "أحمد أبو الغيط" أمينا عاما لهذا الكيان ... للكفر حدود، حتى في نظر السيد "المسيخ"!

من هذا المنطلق أرى أن "كافورا" لم يكن أسوأ من حكم مصر، ولكن حظه السيئ جعله يحكمها في عهد الشاعر "أحمد حسين عبدالصمد"، لا تقل لي إن الشاعر كان في عهد الأمير ... فمن سخرية التاريخ أن جميع الناس تعيش في عصر الملوك والأمراء إلا الشعراء ... ترى التاريخ يعيد اعتبارهم بأن يصبح العهد منسوبا لهم لا للملوك!

الشاعر "أحمد حسين" ... أيوه ... "المتنبي" ... اسمه "أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد" ... يقول ساخرا من "كافور":

أُرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا         وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا

تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجــــــاءً وَغِبْطَـــةً         وَمَا أنَا إلاّ ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيــــــــا

وتُعْجِبُنِي رِجْلاكَ في النَّعْلِ إننــــــي          رَأَيْتُكَ ذا نَعْلٍ إذا كُنْتَ حَافيـــــــا!

ولا عيب أراه في ضخامة حجم رجلي "كافور"، ولا في سواد وجهه، بل العيب أن يخفي الشاعر في قلبه ما يخفي، فيمدح شخصا يحتقره على أمل أن يمنَّ عليه بمال أو جاه أو سلطة.

أتعبنا ذلك الشاعر، فمجَّد الأمير "علي أبو الهيجاء" برغم أنه قائد بلا إنجازات في تاريخ تلك المرحلة من تاريخنا الإسلامي، أتحدث عن شخصية تعرف بـ"سيف الدولة الحمداني"، من حسن حظه أن كان بجواره شاعر بحجم "أحمد حسين"، قال فيه:

تَمُرُّ بِكَ الأبْطَالُ كَلْمَى هَزيمـــــــةً            ووَجْهُكَ وَضَّاحٌ، وثغْرُكَ باسِمُ

تَجَاوَزْتَ مِقْدَارَ الشَّجاعَةِ والنُّهَى             إلى قَوْلِ قومٍ أَنْتَ بالغَيْبِ عالِمُ

ولولا مدح المتنبي للأخ "علي" لما ذكره في التاريخ ذاكر قط، ولاقتصرت سيرته على سطر في كتب حكام ولايات الشام كمئات الولاة الذين مروا على أرضها، ولكنها أقدار الله التي تُسَخِّرُ مديح الشعراء وهجاءهم، فيدخل "كافور" التاريخ من نفق الهجاء، ويدخله "سيف الدولة" من بهو المديح، بفضل الشاعر ذاته ... "المتنبي" أو "أحمد حسين"!

لو عاش هذا الشاعر الفذ في زماننا ... كيف سيتصرف؟

حين أتخيل هذا الأمر أشفق على "أحمد حسين"، فلا يوجد في هذا الزمان من يستحق المديح، حتى لو كان مديحا مبالغا فيه كمديح "سيف الدولة"، ولا يوجد من يستحق الهجاء ... حتى لو كان هجاء جائرا كهجاء "كافور" !

نحن في عصر الانحطاط الفراغي، أي إننا نعيش انحطاطا بلا مضمون، إنه انحطاط بلا مشروع.

حين أتأمل اليوم في أوضاع مصر السياسية لا أملك إلا أن أقول (يا بختك يا "سيسي")!!!

"سيسي" اليوم مجرد خيال مآتة، يحمل كفنه في يديه، وخشبته على كتفيه، ولا يجد من يواريه التراب، إنه ميت فعليا لا "إكلينيكيا"، يكاد ينطق وهو المريب "خذوني"، وبقاؤه على رأس السلطة اليوم بسبب ضعف معارضيه، وقلة وعي منافسيه، وقرف هجائيه!

إنه أصغرُ من أن يُهْجَى، وأذلُّ من أن يُنَاظَر، وأتفهُ من أن يُسَبَّ، وأغبى من أن يُنَافَس!

لقد هجى "المتنبي" "كافورا" فدخل "كافور" التاريخ، ولكن على الأقل ... انتقم "المتنبي" لنفسه، فأهانه ... أو رد إهانته!

وإني قد هجوت من هجوت، ولكن حين وصلت إلى هذا الشيء قلت "حسبي"، والله لا أهجو هذا أبدا، ولو هجوته فما هجوت إلا نفسي، إن هجاءه إهانة للموهبة، وجور على الشعر، وحط من البلاغة، وتدنيس للقلم، والله لأهجونَّ الهجاء قبل أن أهجوه!

إنه ذلك النوع من الرجال الذين إذا رأيتهم تذكر قول الشاعر ... أيوه ... الشاعر نفسه ... "أحمد حسين":

أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَــــــــــــــــهُ         فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْــــــدُ

وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عَـــــــــــمٍ         وأسهَدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِـــــرْدُ

ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَــرَى          عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُــــــــــدُّ

ونحن من نكد الدنيا علينا معشر المصريين، أن نرى "سيسي" في موقع الحاكم، والحمد لله الذي قدّر أن هذا الأمر لن يطول.

(يا بختك يا "سيسي") ... حتى الشعراء ترفعوا عن هجائك!

لقد أصبح الرجل محاصرا كصرصار تحت طاولة، ومن حوله الشباشب والقباقيب، فهذا البرلمان الأوروبي يلقنه درسا في حقوق الإنسان، وسعر الجنيه يفضحه في الأولين والآخرين، وسقطات لسانه تظهره كمهرج سكران، ورعبه من الآتي بادٍ على وجهه العكر في كل صورة ولقاء ... ولكن لا أحد يريد أن يقوم بواجب جمع كلمة الناس على إسقاطه، لذلك يبقى بقوة الجاذبية السياسية.

(يا بختك يا "سيسي") بمن يعملون لحسابك من فلاسفة تفريق الصفوف، وجهابذة تشويه الاصطفاف.

(يا بختك يا "سيسي") بعشاق التنظيمات العفنة، وعابدي الرموز المحترقة، هؤلاء الذين يعيشون في مقصورة القيادة من المهد إلى اللحد، ويرون القيادة تكليفا أزليا أبديا ... فكأنها لم تعط لأحد من قبلهم ... وكأنها حرام على من بعدهم.

لقد آن أوان إسقاط هذا الرجل، وإنهاء حقبة الحكم العسكري في مصر والوطن العربي بالتبعية، فثورة يناير قد ربَّتْ جيلا جديدا قادرا على فعل ذلك إذا وحدنا الصفوف، وجميع الظروف المحلية والدولية والإقليمية تقول إنها لحظة النهاية.

وإذا كان البعض قد قرر أن يستهلك نفسه وطاقته في معارك فارغة تعيدنا للماضي، فقد قررت مجموعة من شباب الثورة أن تيمم وجهها شطر المستقبل، وأن تعمل من أجل إسقاط هذا النظام، وإقامة البديل الوطني الذي يطمح له المصريون الشرفاء.

لقد قررت مجموعة "إعلان فبراير" أن تكمل سعيها بمشروع عملي يتعلق بمحاصرة مؤسسات هذا النظام في الخارج، وخصوصا المؤسسات التعليمية، تلك المؤسسات التي أيّدتْ وسهّلتْ قتل الطلبة في المدرجات، وتواطأت على سجنهم واعتقالهم ظلما، وامتنعت عن إعطائهم حقوق الطلبة في الزنازين، بل إنها تمادت ولم تتورع عن فصل مئات الطلبة فصلا نهائيا دون حكم قضائي، أو مسوغ قانوني ... آن لهذه المؤسسات والقائمين عليها أن يدفعوا ثمن أفعالهم، وآن للطلبة أن يحصلوا على حقوقهم.

لقد قررنا أن نعمل ضمن مشروع واضح، يجمع سائر القوى الشبابية الوطنية بكل اتجاهاتها (في الداخل والخارج)، وسوف نعلن عن هذا المشروع قريبا، ولن ننتظر أن يسقط "سيسي" بفضل عوامل التعرية، أو بفعل دودة الأرض!

سنسقط هذا النظام ... وسنبني دولة القانون ... ولن نكتفي بأن نقول (يا بختك يا "سيسي")!

سنسقط رأس النظام، وسنقضي على أذنابه، وسنبني دولة يناير، بعون الله ثم بقوة الشعب ودعمه.

عاشت مصر ... عاشت ثورة يناير ...