كتاب عربي 21

بيئة أعمال مصرية مضطربة

1300x600
مشاكل عديدة تحاصر المصنعين والمستثمرين في مصر منذ فترة، تصاعدت حدتها خلال العام الماضي وحتى الآن، دون وجود رؤية حكومية واضحة للخروج من تلك المشاكل، مما يتوقع معه مزيد من الاضطراب وتراجع الصادرات وموارد النقد الأجنبي واستمرار ارتفاع التضخم والبطالة.
 
فخلال السنوات المالية كانت شكوى رجال الأعمال تتركز في البيروقراطية، وصعوبات الحصول على التراخيص والاضطراب الأمني، وصعوبة الاقتراض من البنوك وارتفاع فائدة الاقتراض، وخلال الشهور الأخيرة رفعت البنوك العامة سعر الفائدة على الودائع بمعدلات قياسية، مما انعكس على سعر فائدة الاقتراض وزاد من التكلفة للمنتجات.

 واستمرت البنوك في تمويل الحكومة على حساب الشركات الخاصة، واقتصر النشاط الإقراضي على الشركات والهيئات العامة، ومن القطاع الخاص على الشركات الكبرى.

وظلت  الشكوى من نقص الأراضي الصناعية مثارة خلال السنوات الماضية، وفي مارس الماضي، أعلنت الحكومة عن تعديلات لقانون الاستثمار، بما يكفل حل مشكلة تخصيص الأراضي، لكن جهات الولاية على  الأراضي التابعة للحكومة، مازالت كل منها متمسكة بما لديها من أراض، ولم يتم حل المشكلة بعد.

وخلال العام الماضي، تزايدت حدة مشكلة نقص الدولار، واضطرار البنك المركزي لخفض قيمة الجنيه المصري أكثر من مرة، خاصة بعد توقف المعونات والقروض الخليجية، وتراجع كل موارد النقد الأجنبي من صادرات وتحويلات واستثمار أجنبي، حتى قناة السويس تسبب تراجع التجارة الدولية، في تراجع إيراداتها رغم الضجة الحكومية لافتتاح التفريعة السابعة لها في آب/أغسطس الماضي.

وواجهت الحكومة مشكلة نقص الدولار بإجراءات زادت المشكلة تعقيدا، بتحديد سقف للودائع الدولارية، ورفع الأسعار الاسترشادية بالمنافذ الجمركية، والتشدد مع المستوردين بعدم التغطية الكاملة مصرفيا لقيمة وارادتهم، ثم رفع الجمارك على مئات السلع، في محاولة لخفض الواردات لتقليل الطلب على الدولار.

لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وزادت الفجوة بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار، وزادت شكوى المنتجين من صعوبة توفير مستلزمات الإنتاج. 

وخرج محافظ البنك المركزي ليقول إنه لا حل لمشكلة نقص الدولار بالعام الحالي، وأن الحل سيكون بالعام القادم، دون أن يوضح خطة المركزي لمواجهة المشكلة، وقبل أيام التقى رئيس الوزراء بمستثمري مدينة العاشر من رمضان الصناعية، وعندما سألوه عن حل مشكلة الدولار، رفض الحديث عنها، رغم إلحاحهم لمعرفة خطة الحكومة تجاهها، مما زاد من مساحة الغموض بالسوق، خاصة في ضوء ما أعلنه رئيس الوزراء من تجهيزه لقرارات مؤلمة، وذلك فيما يخص ما تنوي الحكومة فرضه من ضرائب ورسوم جديدة، والموقف بالنسبة لأسعار المشتقات البترولية، وما تم الاتفاق عليه مع البنك الدولي للحصول على قرض منه.

وهو الغموض الذي يزيد ضرره عن الحسم، لأنه يدفع لتوقع أسوأ الاحتمالات، خاصة وقد ثبت لهم أن كثير من نصف القرارات الحكومية الأخيرة، لم تخضع للدراسة الكافية، بدليل القيام بتعديلات متلاحقة فيما يخص قرارات ترشيد الاستيراد.

إلى جانب عدم معرفة توجه الدولة الاقتصادي، فقرارات البنك المركزي تتجه نحو الحد من الإنفاق والاستهلاك، بينما السياسة المالية توسعية، رغم وجود مجلس تنسيقى بينهما! 

وتسبب كل ما سبق في  تراجع الشهية للاسثمار، حتى قال رجل الأعمال نجيب ساوريس بالنص: "الحالة النفسية للمصنعين والمستثمرين، القرف والإحباط واليأس، ولذلك فإنهم متوقفون عن العمل حتى إشعار آخر، وحتى يتم حل مشكلة الدولار ذي السعرين، والقضاء على البيروقراطية".

وها هو زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء للشؤن الاقتصادية بوزارة الببلاوي يرى "أن صدور تعديلات قانون الاستثمار قبيل انعقاد مؤتمر شرم الشيخ، كان خطأ كبيرا لأنه زاد من تعقيد المناخ الاستثماري، وفتح بابا واسعا للفساد والتلاعب في تخصيص الأراضي، ووعد المستثمرين بما لا يمكن تحقيقه، وأن هناك اتفاقا بين خبراء القانون والاقتصاد والأعمال على أنه أعادنا للوراء عشرات السنين" وطالب بإلغائه.

لكن غالبية رجال الأعمال لا يستطيعون الجهر بشكواهم، في ضوء ما حدث مع محمد فريد خميس رئيس الاتحاد العام للمستثمرين، الذي تم اتهامه في قضية احتكار لم يتم إغلاقها بعد، والزج بصلاح دياب صاحب العديد من التوكيلات الأمريكية فى قضية مازالت مفتوحة، والتحفظ على أسهم لرجل الأعمال صفوان ثابت، رغم تبرعه لصندوق تحيا مصر.

إلى جانب التحفظ على أموال وشركات مئات رجال الأعمال المتهمين بالإنتماء لجماعة الإخوان المسلمين، مما أربك السوق في ظل التشابكات الطبيعية بين المتعاملين بالسوق، ومن هنا يحرص رجال الأعمال على إرضاء رأس النظام مهما كانت معاناتهم.