كتاب عربي 21

وداعا.. أيها الأسد

1300x600
صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر من واشنطن بدعم واشنطن للقوات التي تحارب الدولة الإسلامية في سوريا، بما في ذلك الأكراد، والعرب، والتركمان السوريين الذين يقاتلون التنظيم شمال سوريا.

وقد تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم أمس الجمعة القرار رقم 2235 حول التحقيق باستخدام المواد الكيماوية في سوريا و تحديد المسؤولين أو الجهات التي استخدمتها، و لحسن الحظ لم تعترض روسيا هذه المرة و لم تستخدم الفيتو كالمعتاد لحماية الأسد، مما يضع استفهاما كبيرا: هل الجهة التي تجرأت على هذا التحدي والانتهاك السافر لكافة الأنظمة والقوانين الدولية والإنسانية مجهولة؟ وهل يخفى على الاستخبارات الروسية والأمريكية من انتهك القوانين الدولية، ومن المسؤول عن كل الأفعال اللاإنسانية التي تحدث بحق الحيوان والبشر و تدمر الحياة والحجر؟. 

نحن لا نشك بأن نتائج التحقيقات ستفضي إلى إدانة دولية ورسمية لنظام الأسد، حالنا تماما كحال الدول التي شاركت في صياغة القرار، ولكننا نتساءل ماذا ستكون انعكاسات هذه التطورات على الواقع العسكري والسياسي للصراع في سوريا خصوصا بظهور بوادر تفاهمات جديدة بدأت تنعكس على المشهد السوري من مختلف جوانبه العسكرية و السياسية.

الجولة الإقليمية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، والتي أعلن عن أن الهدف منها طمأنة دول الخليج العربي وحلفاء واشنطن حول الاتفاق النووي الإيراني، كان لها أيضا انعكاساتها على الصراع في سوريا، فما بدا لنا من تراخٍ في المواقف السعودية تجاه الحزم القادم إلى سوريا تحول إلى شراكة دولية – عربية لحلول عسكرية حاسمة مع تنظيم الدولة، غالبا ما ستتضمن تسويات مع المقاومة الشعبية المسلحة، و مركز القيادات العملياتي المسؤول عن تنظيم  تحركات و معارك النظام السوري.
وأخرى سياسية تبدو نتائجها قد أغلقت على تغييرات في الواجهة الحاكمة في سوريا إلى حكومة وحدة وطنية انتقالية، مع تعديلات دستورية تمنح طمأنة للأقليات الطائفية. 

ما نراه انجازا يحسب لحكومة واشنطن أنها استطاعت الوصول إلى تفاهمات ترضي الأطراف غير المتجانسة في رؤيتها للحل السياسي في سوريا ضمن تسوية مقبولة تخفف من حدة التوترات التي نتجت عن الحرب بالوكالة، والتي تمثلت في الدعم السياسي والعسكري للأطراف المتنازعة على الأراضي السورية. 

فبالعودة إلى عدة شهور فقط، في الشهر الثامن من السنة الحالية، اتهمت حكومة بوتين عن طريق وزير خارجيتها سيرغي لافروف حكومة واشنطن، بأن ما قدمته من اقتراحات حول التسوية في سوريا "بالاقتراحات الهدامة" و كانت واشنطن قد أعلنت بوقت سابق عن رؤيتها والتي تضمنت منح حكومة واشنطن الحق في حماية المعارضة السورية من الهجمات التي قد تشنها قوات تنظيم الدولة أو قوات النظام السوري ضدها على نحو سواء، وإمكانية التدخل المباشر إلى جانب مناوئي الأسد، أما اليوم فالموقف الروسي بدأ بالتحرك بشكل عملي في اتجاه مناوىء للأسد، من الجانب السياسي: عن طريق الموافقة على إرسال لجنة تحقيق بشأن استخدام الأسد للكيماوي ضد السوريين، ومعالجة الطرح الإيراني للحل في سوريا عن طريق المساهمة في تعديل المبادرة الإيرانية السابقة، وطرحها بنسخة معدلة  و تلطيف الأجواء الإيرانية مع تركيا و السعودية، اللتين تسعيان اليوم إلى تحجيم نفوذ تنظيم الدولة في سوريا والعراق وتقويضه -نذّكر هنا بتصريح "مولود جاويش أوغلو" وزير الخارجية التركي الذي أكد بعد لقائه نظيره الأمريكي جون كيري في ماليزيا أن الاستراتيجية الجديدة ستنتقل إلى حيز العمل بهجوم أمريكي تركي كاسح على قواعد “الدولة الاسلامية” في الرقة والموصل في الأيام القليلة المقبلة- وأما الجانب العسكري : فربما سنشهده في الفترة القادمة من خلال مشاركة الروس في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة  قد يبدو من المبكر الحديث عن هذه المرحلة، ولكن مع تبدل السياسية الروسية تجاه سوريا و المنطقة و مع الرغبة الدولية الجامحة بمشاركة عناصر من السلاح الروسي في محاربة تنظيم الدولة يبدو بأننا لن ننتظر طويلا. 

أما بالنسبة للمشاركة الإيرانية، فإلى الآن لم تظهر أي مؤشرات أو تصريحات تنم عن رغبة دولية في مشاركة السلاح الإيراني في عمليات التحالف ضد التنظيم، و إنما جلّ ما هو مطلوب من حكومة طهران اليوم أن توقف دعمها السياسي للأسد و تحافظ على عهود التعاون بصد الأسد عن أي تهور يمكن أن يزيح الأمور عن الخط الذي رسمته لها حكومة واشنطن و تأمين التسهيلات اللازمة من خلال الخدمات التي يمكن أن تقدمها إيران من موقعها الفعلي في إدارة المؤسسات السورية بما فيها الاستخباراتية والأمنية و العسكرية، وضمان عدم انهيارها حتى تسليمها إلى نظام جديد يخضع لوصاية دولية غير معلنة على الأغلب. 

أميركا حقيقة مازالت متمسكة برفضها لمشاركة إيران في الحرب ضد الدولة الإسلامية، وقد جاء عن لسان الخارجية الأمريكية وفي أكثر من مناسبة بأن دور إيران في سوريا يتمثل بوقف دعم نظام الأسد. 

إذن؛ يمكننا تلخيص أبرز التفاهمات في المواقف الدولية تجاه الصراع في سوريا اليوم بالنقاط التالية: 

أولا: إيقاف الدعم السياسي الروسي للأسد، وحصر الدعم العسكري بالاتفاقيات القديمة مع النظام (الأسلحة الخفيفة) و إيقاف تسليم الأسلحة الثقيلة كصفقة أسلحة إس300. 

ثانيا: تجميد الدعم الإيراني لنظام الأسد وتوظيف الوجود الإيراني في سوريا بما يخدم مصالح قوات التحالف. 

ثالثا: تحقيق مجموعة من المطالب التركية المتعلقة بالمنطقة الأمنية الآمنة والتواجد الكردي على حدودها، والبحث في موضوع رفع مجموعات من المعارضة السورية المسلحة من قوائم الإرهاب لإعطائها دورا فعالا يساهم في دعم الحزم التركي –السعودي- الأميركي في سوريا. 

رابعا: اتفاق رباعي سعودي- أميركي – تركي –روسي لمواجهة تنظيم الدولة بشكل سريع و حازم. 

خامسا: إجماع الخصوم في المنطقة على تحويل الحرب بالوكالة إلى حرب ضد تنظيم الدولة و مواجهة التطرف و الإرهاب في المنطقة و تعزيز العلاقات بين الأطراف المتنازعة على الإقليم لحفظ مصالحهم و ترتيب أولويات خلافاتهم، و التعاون في مختلف الملفات للخروج من الأزمة التي تعانيها المنطقة. 

وماذا عن إرهاب الدولة الذي يمارسه الأسد؟

إن تحريك ورقة الكيماوي يأتي موضحا لما وراء الأكمة، و إن كانت أقوال الزعماء الروس و الإيرانيين غير ذلك، و نحن لا نقرأ فيها إلا تهديداً للأسد كي ينصاع للإرادة الدولية، إلا أن الأسد لن يتخلى عن عرينه و سوف يتحدد مصيره على أيدي حلفائه الذين يجدون فيه خطراً يهدد أمنهم، و دولهم بما يملكه من أسرار، و يتصف به من رعونة.

ونحمد الله أن حلفاء الأسد قد أدركوا هذه الحقيقة وأن مصالحهم تتحقق في إرضاء الأكثرية والحفاظ على حقوق الأقليات.