كتاب عربي 21

هل خرج المارد السعودى من القمقم؟

1300x600
بعد وقوع العاصمة اليمنية فى يد الحوثيين وتقدمهم واقترابهم من عدن كان البعض يصر على أن السعودية لن تتحرك وأن منظومة اتخاذ القرار السعودى ستظل تعاني من البطء والترهل وستسبقها الأحداث قبل أن تتفاعل معها بالشكل المطلوب، لكن فاجأت السعودية الجميع وقادت تحالفا عربيا واسعا مدعوما دوليا لضرب مواقع الحوثيين وكسر شوكتهم. 

على مدار العقد الماضي تميزت السياسة الخارجية السعودية بما يمكن تسميته (شيخوخة القرار) حيث افتقد التحرك السعودي الديناميكية اللازمة للتعاطي مع مستجدات الأمور، وإذا صوبنا عيوننا على المشهد العراقي والسوري على سبيل المثال، فسندرك كم كان الثمن فادحا على السعودية والعرب بشكل عام. 

باتت السعودية مركز اتخاذ القرار العربي خلال الفترة الماضية بسبب عوامل كثيرة، لكن ذلك لم يظهر أثره إلا عقب تجديد الدماء فى بيت الحكم السعودي الذي صار أكثر شبابا وحيوية وجرأة وإصرارا على تصحيح الأخطاء المتراكمة التي أصابت الجسد الكبير بالتكلس وسمحت لخصومه التقليدين بتسجيل الأهداف في مرماه دون محاولة جادة لمنع الهزيمة. 

تسلمت السعودية اليوم قيادة المنطقة العربية وصار عليها تحمل مسؤولية بناء النظام العربي الجديد  الذي اختلفت معطياته عن العقود الماضية، فنحن أمام دول تتفكك وخرائط جديدة يتم رسمها ومعادلات قوى تتغير وتحديات تتضاعف وأخطار متتالية لا يمكن النجاة منها على حدة بل يجب مواجهتها جميعا وعبر استراتيجيات محددة وليس سياسات عشوائية وقرارات ارتجالية، مع الوضع في الاعتبار أن العامل المادي المرتبط بالتمويل والمساعدات والأنفاق لن يكون كافيا لبناء هذا النظام وحفظ الولاءات فيه، لأن العالم العربي يحتاج قبل المال إلى قيادة حقيقة تقرأ المستقبل وتبحث عن مكان العرب الصحيح فيه بين هذه الأقطاب الاقليمية والمحاور الدولية، وهذا لن يأتي دون قراءة هذه المحددات والمحاذير التي ذكرتها في مقال سابق وأعيد التأكيد عليها لأهميتها وهي: 

أولا: توهم أن موجات المد الثورى الشعبى قد انحسرت للأبد بعد تعثر ثورات الربيع العربى وإجهاض بعضها، ثانيا: المبالغة فى قمع وحصار وشيطنة مشروع الإسلام السياسى المعتدل نسبيا والذى سيكون بديله مشاريع أكثر راديكالية وعنفا واستعدادا للتكفير وممارسة القتل، ثالثا: الاعتماد فقط على فزاعة الخطر الشيعى والإرهاب وأحاديث المؤامرات الخارجية دون تنمية الانتماء الداخلى لدى الشعوب وترسيخ ثقتها فى أنظمتها الحاكمة وهذا له تبعات على شكل ادارة الحكم، رابعا: عدم إدراك المتغير الجيلى الشبابى الذى يضرب المنطقة العربية بعنف ويدق أبواب التغيير، خامسا: عدم إدراك أن الحل العسكرى فى أى نقطة صراع لا بد أن يتبعه تسوية سياسية ومصالحة وطنية، سادسا: الرهان على أنظمة مستبدة وفاشلة سرعان ماتتهاوى وتخلق نقاطا للتوتر وعدم الاستقرار الذى يدفع ثمنه الجميع بعد ذلك، سابعاً: عدم التعامل مع قضية الديموقراطية كهدف نسعى للوصول إليه وليس عدوا نطارده ونحاصره قبل أن يدخل دارنا.

المملكة السعودية اليوم فى لحظة تاريخية فارقة منحتها لها الأقدار وقد تضيع هذه الفرصة وقد لا تتكرر هذه الظروف التى تشكل بيئة خصبة ونقطة انطلاق يمكن البدء منها لترميم البيت العربى المتهالك والآيل للسقوط، التحدى كبير لكنه يستحق لمن يريد أن يغير مجرى التاريخ، ولا بديل عن البدء من داخل كل بيت ببناء الأساسات التى تمثل الديموقراطية عمودها الأول وهذا لا يهدم الدول كما يزعمون بل يقويها ويجعل لها جذورا شعبية تكون حائط الصد الاول فى لحظات الخطر، ما الذى يضير النظام العربى الجديد أن يضم ممالك دستورية وجمهوريات حقيقية يتم فيها تداول السلطة بشكل حقيقى حتى  تتوقف اسرائيل عن وصف نفسها بالبلد الديموقراطى الوحيد فى الشرق الأوسط، لماذا لا ندرك أن النظام العربى الجديد لن يأخذ شرعيته سوى بإدماج الجميع وتمكين الشباب وتجديد الدماء، صدق من قال إن مشكلتنا كعرب مع خصومنا ليس لأن لديهم مشاريع بل لأننا بالفعل بلا مشروع !

افتقد العرب وجود الكبار ردحا من الزمن فتسلط الأقزام وتسيد الفاشلون الذين حملوا لشعوبهم الخراب والتخلف والتمزيق، صناعة الاستقرار لن تكون بالحرب على الثورات بل بترشيدها والاستفادة من دفقها الايجابى، مقاومة المشاريع المضادة لن يكون بقمع الشعوب والحرب على الديموقراطية بل بقبولها وتطوير آلياتها، التكامل العربى لا يحتاج لكفيل ومكفول بل لأنداد متكافئين يتبادلون أوراق القوة ويكملون بها بعضهم البعض فهذا لديه المال وهذا لديه البشر وهذا لديه الأرض وهذا لديه التجربة الواقعية الناجحة التى يمكن نقله. 

لا نفرط في الأماني ولكن لا نتوقف عن الأحلام عسى أن يحمل المستقبل القريب ما يسر قلوب هذه الشعوب العربية التي تتوق للحرية والكرامة والعدالة والكفاية والحياة الكريمة.