كتاب عربي 21

ببركة داعش وإيران .. المصالحة في مصر تدق الأبواب

1300x600
حضور قطري للمملكة السعودية يعقبه حضور مصري يتبعه حضور تركى مثير للتعجب، مما جعل البعض يصف ما يحدث بأنه قمة رباعية تبنتها السعودية ولكن بحضور كل طرف على حدة، تكهنات كثيرة ومتعددة الاتجاهات يطلقها أنصار كل اتجاه، ورغم التفاوت في تقدير الموقف وتقييم النتائج المرتقبة عن القمة السعودية – القطرية، ثم السعودية – المصرية، ثم السعودية – التركية؛ إلا أن هناك مؤشرا واضحا ينبئنا بتغير المشهد الإقليمي رغما عن الجميع في ظل التفاعلات والتحديات الأخيرة.

صارت السعودية محور التحركات في الشرق الأوسط، وعقب تولى العاهل السعودي الملك سلمان بدأ نشاطا دبلوماسيا مكثفا في كل الاتجاهات، حظيت مصر بقدر كبير منه، نظرا لما تمثله من وزن وتأثير على المنطقة، سواء كان تأثيرا إيجابيا أو سلبيا من وجهة نظر البعض، الاحتضان السعودي للنظام المصري الحالي عقب مشهد 3 يوليو كان احتضانا كاملا سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، حتى صار البعض لا يميز بين الموقف المصري والموقف السعودي من أغلب القضايا، حيث صار التطابق في وجهات النظر هو السمة الغالبة. 

لكن في أواخر فترة حكم الملك عبد الله بدأت مواقف جديدة في التبلور صاغتها القيادة السعودية، كان أبرزها تهدئة الأجواء بين مصر وقطر عبر إجراءات تم التوافق عليها برعاية سعودية كاملة، وبانعقاد القمة السعودية – التركية الأخيرة يفصح التوجه السعودي عن نفسه بوضوح، يجب أن تفهمه الإدارة المصرية التي عليها إدراك المتغير السعودي الجديد و الحتمي، لإعادة امتلاك زمام الملفات الإقليمية المنفلتة في اليمن وليبيا وسوريا وغيرها.

يبدو النظام السعودي وكأنه يقول للسلطة في مصر نحن حلفاؤكم لكن لا تحملونا ثمن عداواتكم مع الآخرين، ولا يمكن أن تظل مشكلتكم الداخلية مع الإخوان هي المحدد الرئيسي للعلاقات الإقليمية التي نتحمل مسئوليتها جميعا، وتتحملها أطراف إقليمية أخرى لا تحوز على رضاكم مثل تركيا، ولكن شئتم أم أبيتم فلا مناص من إعادة النظر والتعامل بمزيد من الإحساس بالمسؤولية تجاه الملفات الملتهبة التي تهدد الكيان العربي ككل.

هذا ما نعتقد أنه ملخص الرسالة السعودية للسلطة في مصر، ويبرهن على هذا الكلام كتابات متعددة لعدد من المقربين من دوائر صنع القرار السعودي، وكلها تصب في هذه الاتجاه النقدي للسياسات التي يتبعها النظام في مصر سواء داخليا أو خارجيا.

يتلقف الإخوان مثل هذه الأخبار ويعتقدون – بسوء تقدير – أن موقف السعودية قد يتغير من جماعة الإخوان، والحقيقة أن قلق النظام السعودي من الإخوان وعداءه لهم من الممكن اعتباره من ثوابت سياسات المملكة، ولكن صناع القرار الحاليين يدركون أن جماعة الإخوان بامتدادها الإقليمي هي جزء من المعادلة يجب على الأقل تحييده، ليساعد في صناعة الاتزان المفقود في خارطة الإسلام السياسي على حساب الجهاديين التكفيريين، الذين يمثلون خطرا مباشرا وعدوا قريبا يتهدد المملكة بالتوازي مع الخطر الإيراني، الذى صارت اليمن – بعد سيطرة الحوثيين عليها – شوكة تدمي النفوذ السعودي الذى فوجئ بسبب تحركه البطيء بأن الإيرانيين يقفون على حدوده ويستولون على السلطة في بلد كانت السعودية تعتبره أحد امتداداتها الاستراتيجية.

السعودية تبني محورا إقليميا جديدا يضم الإخوة الأعداء مصر وتركيا وقطر، وتقوم بهندسته في ظل رضا أمريكي وترحيب غربي، ولا يستطيع أحد أن يقوم بهذا الدور إلا النظام السعودي الذى لم يتورط في عداوة مباشرة ولا حروب كلامية ولا إعلامية مع أي طرف، وهذا الدور يشبه دور كبير العائلة أو كبير المنطقة وحكيمها الذى يجمع المتخاصمين. 

هل ينعكس هذا على الوضع الداخلي المصري؟ بالطبع ثمة تفاهمات مصرية تركية، ومصرية قطرية آتية في الطريق ولا بد أن تأخذ حيزا من الواقع، لبدء التنسيق والانخراط في الحلف الجديد، ولعل وضع الرئيس المعزول محمد مرسى والمحبوس حاليا مع عدد من قيادات الإخوان هو أحد النقاط الأساسية لدى النظام التركي الذى لا يخفى مطالبته بالإفراج الفوري عنهم، والذى يرى حبسهم والقضايا التي يحاكمون فيها مجرد نوع من الانتقام السياسي وإجبار للإخوان على الرضوخ لشروط السلطة، لكن ينبغي الانتباه أن جزءا كبيرا من التأييد الحالي للسلطة في مصر يأتي عبر تشددها مع الإخوان، فهل تستطيع السلطة تهيئة مؤيديها لخطوات إصلاحية في ملف الإخوان، أم ستكون كلفة ذلك باهظة بحيث تعجز عن تحملها؟

كانت وزارة الأوقاف المصرية قد أصدرت منذ يومين بيانا سياسيا – مثل بيانات أخرى أصدرتها خلال الفترة الماضية – دعت فيه إلى المصالحة بين شباب الإخوان والسلطة واستثنت القيادات، وسبق ذلك لقاء للسيسي مع عدد من المنشقين عن الإخوان والموالين له، ونقلت الصحف أن اللقاء استهدف النقاش حول حماية الشباب من التطرف واستعادة شباب الإخوان من أسر قياداتهم التي قادتهم للهلاك.

وأيا كانت التفاصيل التي لم يعلن عنها، علينا النظر للمشهد بمجمله من زواياه المختلفة فقد نكون على موعد قريب مع قانون يشبه (قانون الوئام الوطني) الذى صاغه بوتفليقيه في الجزائر عقب صراع الجيش مع الإسلاميين، لينهي العشرية السوداء التي قتلت عشرات الآلاف من الجزائريين، وقد يتم عمل منافذ لخروج الإخوان من التعقيدات القانونية التي تكبلهم الآن، ولكن ضمن شروط جديدة برائحة إقليمية وتشجيع غربي لن يعيد الإخوان لسابق قوتهم ولا وضعهم، ولكنه سيضمن لهم إيقاف الصراع وتصفيره في مستويات مختلفة تدريجية.

في حالة حدوث ذلك قد نتوقع رد فعل شديد التطرف من الإخوان الذين قد تزين لهم عقولهم وخيالهم أن النظام في مصر قد رضخ لإرادتهم، لكن الحقيقة أن الموجة الإقليمية وتهديداتها أقوى من الجميع وإذا لم يستفد الإخوان من ذلك وأصروا على العيش في خيالات (الانقلاب يترنح )، و(مرسى راجع) فسيطويهم التاريخ بلا رجعة، لأن المنطقة العربية يعاد تشكيلها بالكامل، وستشهد السنوات القادمة خرائط جديدة للدول وكذلك خرائط جديدة للتنظيمات الداخلية والقوى صاحبة التأثير.