قضايا وآراء

مصر..عسكرة الثورة .. إبداع تحالف الشرعية!!

1300x600
تسطيحُ القرار المتعلق بعسكرة الثورة المصرية تَدريجيا،  والتَّقليلُ من شأنه، وعَزْوِهِ إلى غيابِ العقل السّياسي، للجماعة، واتهامِهِ بالمجازفة والغَباء، تسطيحٌ -أعتقدُ أنه في غير محلّه- ولا مُبرّر له، وأقلّ ما يقال فيه أنه صادرٌ عن عقلية مُتضخّمة، تضخماً مبالغا فيه، تعيشُ على وَهْمِ الإبداع والتميّز، واحتكار  الفهم!!

وهي بذات الوقت تَدَّعي المظلوميّة، وتَكثرُ من الشّكوى، فهي مَظلومة -دائما- معزولة مُحاربة، وغيرُ مُرحبٌ بها داخل التنظيم!! ولا يَستمعُ لها أحدٌ، ولو فَهمَ التنظيم عليها، وارتفعَ مِن حضيض أحلامه، ومُستنقع تخيُّلاته، إلى مستوى فَهِمها، ووثق بها؛ لَوَفّر الكثير من الويلات والمصائب النازلة على رأسه، في كلّ ميادينه .

كلامٌ  كثيرٌ ممجوجٌ مُتعالٍ، يقول به بعض الإسلاميين، والمحللين -وربما بعض المنتمين لها- يأتي في هذا السّياق، سِياق تَجهيلِ القِيادات الإسلامية الحالية في مصر، بل وفي غيرها، واتهامهم بالجمود والشيخوخة، في سّعيٍ حالمٍ لتجاوزها، وإزاحتها عن قمة الهرم، وإحلال النماذج الأردوغانية المطموسة -التي ما تزل بشمعها– مكانها؛ للعبور بالحركة من مأزقها الفكري والسياسي، الذي وضعتها فيه القيادات التقليدية؟؟!!

كلام مَعيب مُخجل مُقزز، حين يتمّ تناول قاماتٍ بحجم محمد بديع، ومحمود عزت، والمرحوم جمعة أمين -رحمه الله- بهذا القدر من الإسفاف، بل باتت الحَملة تطال كل القيادات العريقة في الدعوة في كل أقطارها، رُغم تَضحياتها الكبيرة، مدى نصف قرن من عمرها في ميادين البذل، والابتلاء والصبر والاحتساب!!

يُغفِل هؤلاء العباقرة حقيقة مهمة هي: أن مَعَايير الصّراع بين الفُرقاء -أي فُرقاء- في العالم كله، تختلف، بل وتنقلب وتتراجع بالكامل، حين يكون أحد أطرف الصراع، أو التنافس مُسلما سُنّيا، وَسطيّا كان أو متشددا. لا فرق!! وباتت هذه المعادلة حقيقة تسطع سطوع الشمس لا يُشكّك بها أحد قاصيا أو دانيا!!
من هنا فللإخوان حق أن يردّوا ويقولوا: لقد جربنا السلمية مدة(86) عاما، في كل مساحات عمل الحركة، وقدّمنا كلّ متطلبات وشروط التنافس المدني الراقي الصادق، في ميدان السياسة والفكر، وتحمّلنا هجمات التخوين والتشكيك، حتى من قبل القوى الإسلامية، التي لا تقتنع بمنهجية الإخوان في التغيير، سواء من المنسحبين من ميدان المواجهة، أو من المُغرقين في التّشدد والدّموية، ومع ذلك تم إحباط كل التجارب التي قَدّمَتِ الحركة لأخذ فرصتها في طرح مشروعها، عن قصد، وسبق إصرار وترصُّد!!

لقد قدّمنا في مصر حتى الآن أكثر من ستة آلاف شهيد و60 ألف معتقل، وأضعافهم من الجرحى والمهجّرين، وانجلت الصورة تماما: أن المستهدف هو الإسلام السُّني، وقواه الحيّة كلها، مهما كانت عناوينها ولافتاتها، حتى لو كانت صوفيّة بَحتة، ما دامت تُريد دورا وفرصة تُثمرُ حُريَّتة واستقلالية وسيادة حقيقية على قرارات الأمة ومقدراتها!!

من حق الإخوان أن يقولوا: إنه في ظل انغلاق الأفق، وانعدام الفرص، واستمرار الغدر، وتراكم التضحية، من حقّنا أن نقلب صفحة السلمية المفرطة، ونفتح صفحة من أدبيّاتنا تقول: " وسنستخدم القوة إذا لم يُجْدِ غيرها، وجاء أوانُها، وألحّت دواعيها، وألجأت ضرورتَها ".

قرار الإخوان يقول: لقد أعذرنا إلى الله، وأدّينا الذي علينا من صبرٍ وتأنٍ وتَعَقُّل، ودفعنا ما يكفي من أثمان، وليس لأحد أن يلومنا؛ لأنه حينها سيكون الكاذب المُجحف المُتحامل الجهول!!

يقول الإخوان: من حقنا أن ندفع عن أنفسنا، وإسلامنا ونبيّنا، والعدوان عليها واضح صارخ، ومن حقّنا أن نتدارك كأس الصبر، ونعمل على ضبط ردود الفعل، والسيطرة عليها، وترشيد الرّد، وضبط الحركة الرّادعة لهذا العدوان، مُنتقلين من السلمية المطلقة إلى السّلمية المبدعة، إلى السّلمية الرادعة، وصولا إلى الثورة المنضبطة الشاملة، بدل أن تتفلَّت العناصر المكبوتة المقموعة، وتنفجر بدون ضوابط ولا كوابح، ولا نظام ولا قانون!!

من حق الإخوان أن يقولوا إنه في ظل التّغييب المقصود لدور الأمّة السّنية، وغياب الرّاعي لها، وانسحاب النظم الرسمية من مشهد الانتصار لحقّها، والدفاع عن وجودها وهويتها، وترك الخصوم يتمددون في مساحات انسحابها(أي النظم) وفشلها وعجزها، بل ومشاركة بعض النظم علانية في مشروع الخصوم لدرجة التّماهي، والتَّسابق في تقديم عُروض الخدمة لهم!! من حق الإخوان في هذه الأجواء أن يتقدّموا ليملؤوا الفراغ، ويردموا الهوّة!!

ومن حق الإخوان أن يفرضوا على الجميع قراءة سياسية جديدة، فحواها: أن هذا العدوان والظلم والقهر المستمر على الأمة، سيدفع حتما بأوسع كيان فكري وتنظيمي منضبط ومُمتد، يفهم الإسلام بشموليته، ويؤمن بالتشاركية السياسية ليطووا صفحة الوسطية المفهومة فهما خاطئا، ويبدؤوا صفحة الجهاد العملي، والمغالبة بالقوة، وسينسحب هذا على كافة مساحات تواجد الحركة الفكري، وما سيترتب على ذلك من تداعيات على النظم وحلفائها، ويتركوا للجميع قراءة المشهد بتأنٍ، وتخيّل مخرجاته، وبالتالي إعادة الحسابات بناء عليه!!

من حق الإخوان أن يقولوا: إذا كان العقل والمنطق والحق والسياسة، كلها موضوعة -عمليا- تحت قدم الاستبداد وداعميه، فهل من المقبول أن تبقى هذه المعاني موضوعة على رأس الحركة وأتباعها؟!
 ألا ينبغي الذهاب باتجاه المعاملة بالمثل، فتوضع هذه المعاني تحت قدم الجماعة أيضا، ويحتكم الجميع اللغة التي لخّصها أبو تمام بقولة:
وأخافكم كي تُغمدوا أسيافَكم***أن الدَّم المُعفرَ يحرُسه الدَّمُ

تحت ضغط الاضطرار، تأتي خطوة تحالف الشرعية هذه في مصر، مبدعة مُلهمة منطقية عقلانية، تقول للجميع: إن أمة بحجم أمة الإسلام، لا يمكن أن تبقى على الهامش، ومشروعها معطّل، وأنه لا يمكن إلغاؤه بكل أشكاله العاملة له، ولا يمكن إخراجه عن سياقه التاريخي، القائم على الشراكة العالمية على أساس النّدية في رعاية المصالح، لا على أساس الخضوع والانكسار الذي تمثله النظم التي باتت بالإجماع محل رفض لدى ضمير الشعوب، وقضية زوالها باتت حتمية، وقضية وقت فحسب، وهو وقت بات قصيرا جدا، في زمن انتهت في إمكانية سيطرة الاستبداد، أو عودة الانتداب سافرا أو مقنّعا!!