كتاب عربي 21

هل هي شهادة وفاة للإخوان في اليمن؟

1300x600
لست أبالغ إن قلت أن اتفاق صنعاء بين الدولة و الحوثي يعتبر أحد أهم الوثائق السياسية في تاريخ اليمن الحديث قد جاء الاتفاق ليعيد هيكلة السياسة اليمنية ككل، فالحوثي انتقل من الهامش إلى المركز ليس فقط عبر نقل آلياته و جنوده إلى قلب العاصمة صنعاء فقط، بل عبر نقل مركزه السياسي من فصيل (هامشي) قوي يصارع لأجل اثبات وجود إلى قطب رئيسي بدونه تنهار معادلة الدولة في اليمن ، كذلك تجاوز الاتفاق منظومة القبلية اليمنية ومركزيتها في القرار السياسي بعد أن هلهلت الثورة اليمنية وما تلاها من أحداث مركزية القبيلة "قليلا" لصالح لعبة سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة و تدخلات جناحي الخليج (قطر /حلف الرياض).. كذلك قد تكون مكاسب الحوثي هذه مقدمة حقيقية لإنهاء ملفات عالقة كثيرة في اليمن عبر دمج الجنوب كذلك . 

فالتوصيف الأدق لما حدث هو أن الهامش أصبح المركز بينما أصبح المركز هامشيا !، فالقبيلة و التجمع الوطني للإصلاح و البنية الهشة للدولة كانت الطرف الأضعف و إن خرجت الدولة رابحة بسبب قبولها تشكيلة القوة الجديدة إلا أن أطراف المركز السابقة وهم "الإخوان" و القبائل السياسية في اليمن أصبحوا في هامش المناورة السياسية بسبب افتقارهم الحقيقي للقدرة على المناورة واعتمادهم استراتيجيات "أقل كلفة"، وفي الحرب من يبحث عن الأقل كلفة دائما ما يخرج من المكاسب بالأقل كلفة أيضا !، و هذا الكسل السياسي ربما يكون له بريقه في البداية من حيث مفاهيم الوحدة وحقن الدم ، إلا أنه لاحقا ما تتجلى نتائجه مع توالي توزيع المكاسب حيث يكتشف الطرف صاحب نظرية "الأقل كلفة" أن أصبح الأقل وزنا في النهاية !. 

إن الحروب لم تكن في التاريخ إلا لتعبر في صورة من صورها عن رغبة طرف فيها بتبديل موازين القوة و المركز ، والحرب هي في صراع الأمم والحضارات التعبير الأكثر دقة وصدقا عن التحولات ، وحينما يبلغ طرف من القوة والمنعة ما يمكنه من دور بين الكبار غالبا ما يفتعل حربا أو مشاغبة كبرى ليضع لرجله موطيء قدم بينهم ، فالزمان لايعترف باحتكار لمركز ، فعوامل الزمن سرعان ماتستدعي الأقوى دائما والمقاعد بين الكبار لاتحب جلوس المترهلين والضعفاء عليها !، وهكذا فعل الحوثي فهجومه الأخير لم يكن سوى الفصل الأخير من إعداد سنوات عمل فيها لينتقل من هامش المناورة إلى مركزها ، و من تهميش الجغرافيا إلى مركزيتها ، وهكذا .. مع امتلاك معادلات القوة الحقيقية يصبح كل شيء ممكنا و يصبح ما كان مستحيلا بالأمس هو الواقع اليوم . 

لعلها إذا شهادة وفاة جديدة -هذه المرة في اليمن- للسلوك السياسي الإخواني الذي أصبح مترهلا في المنطقة بسبب الإدارة التقليدية للصراعات الجديدة ، فبعد أن كان الإخوان مركزا للصراع مع الأنظمة في المنطقة أصبحت مواقعهم تترك لهوامش أصبحت مركزا الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن ووسط كل حالات الصعود للهوامش يصاب الإخوان بحالات "إنكار" كبرى من حيث نسبة كل هذا الصعود لعوامل خارقة أو خفية ، دون محاولة قراءة العبر والأسباب الفعلية للصعود ، ويفضلون دوما الإستمرار في لوم الأيدي الخفية أكثر مما يهتمون في دراسة أسباب صعود الهامش وسقوط المركز ! . 

لعلي أذكر هنا أن شهادات الوفاة هذه هي للسلوك السياسي للإخوان ، أما الإخوان كبنية بشرية وحالة تاريخية وواقع اجتماعي مازالوا موجودين، وكثيرا ما يؤكد علم النفس والسلوك أن تكرار الفشل ربما يؤدي لمراجعات كثيرة تؤدي لتحولات كبرى ونجاحات لاحقة ، لكن ردة الفعل الإخوانية على الإخفاقات مازالت طفولية و انفعالية ، بينما يتسابق الهامش لتقسيم تركة الإخوان في مساحات الصراع ، ولكن إذا لم يتدارك الإخوان مسارهم ربما تتوالى شهادات الوفاة لتقضي بالوافاة الفعلية على الوجود الواقعي للإخوان و حتى لتقصيهم عن الهامش أيضا فضلا عن المركز !