صحافة إسرائيلية

معاريف: لماذا يمنعون نتنياهو من البناء في القدس

القدس الشريف يختنق بالمستوطنات ونتنياهو يعد بالمزيد - ا ف ب
تناولت صحيفة معاريف في عددها الصادر اليوم  مسألة الغضب الدولي من البناء في القدس الشرقية.

وقالت الصحيفة في افتتاحيتها بقلم ناحوم برنياع، إن "إسرائيل نجحت في الـ 46 سنة الماضية في تغيير الواقع كثيرا في القدس لكنها لم تستطع أن تغير وعي العالم الذي يرفض ازاحة الخط الاخضر".

وأضافت أن "ما كانت تستطيع اسرائيل فعله في القدس في 1967 يصعب عليها أن تفعله في 2013. فقد لقيت خطة المعاهد في البداية معارضة الكنائس التي زعمت أن الهجوم العسكري بالقرب من جبل الزيتون يضر بقدسية الجبل؛ وبعد ذلك جاء قادة الجيوش الاجنبية. فقد بيّن الامريكيون أنه اذا انتقل معهد الامن القومي الى الارض التي خُصصت له فلن يستطيعوا أن يرسلوا إليه دارسين؛ وأضاف الملحقون العسكريون الاوروبيون تهديدات منهم".

وفيما يلي نص المقال:
في السابع من تموز 1948 في ذروة حرب الاستقلال توصلت اسرائيل والاردن بوساطة الامم المتحدة الى اتفاق على وقف اطلاق النار في جبل المشارف، وقسّم الاتفاق الجبل ثلاثة اقسام: فالقسم الشمالي الذي شمل حرم الجامعة العبرية، ومستشفى "هداسا" وقرية العيسوية، بقي تحت حكم اسرائيل؛ والقسم الجنوبي الذي اشتمل على مستشفى "اغوستا فيكتوريا" بقي تحت حكم الاردن.

 وبقي شريط ضيق بين الطرفين أُعلن ارضا مشاع، وأُعلن الجبل كله منطقة منزوعة السلاح لا يجوز دخول قوات الجيش اليها.
 
وأُحرز الاتفاق بسرعة بين معركة واخرى. ولم يستطع الطرفان الاتفاق على خريطة، فرسمت اسرائيل خريطة منها في اليوم الذي وقع عليه الاتفاق، ورسم الاردنيون خريطة منهم بعد ذلك بأسبوعين، فكانت الخريطة الاسرائيلية تمتد في مساحة أكبر من الخريطة الأردنية.
 
كان الفرض أن تتوصل الدولتان بعد أن تنتهي المعارك إلى اتفاق يخط خطا حدوديا منظما. ولم يخطر ببال أحد أن تكون التسوية نافذة الفعل 19 سنة. وبرغم أن الجيش الاسرائيلي احتل القدس كلها في 1967 ووحد جيب جبل المشارف مع اسرائيل، وبرغم أن الواقع على الارض تغير تغيرا عجيبا منذ ذلك الحين، فما زالت مواد ذلك الاتفاق تطارد حكومة اسرائيل بعد أن وقع عليه بـ 65 سنة.
 
إن الأمر الآن هو أمر معاهد الجيش الاسرائيلي. إن معهد الأمن القومي ومسارات دراسة عسكرية أخرى تقع في معسكر غليلوت. ويفترض أن يُخلى المعسكر في نطاق الخطة الكبيرة بإخراج معسكرات الجيش الاسرائيلي من وسط البلاد وتخصيص اراضيها للبناء السكني.

 والمكان الطبيعي لمعاهد الجيش الاسرائيلي هو بالقرب من الجامعة ولا يوجد أصح ولا أكثر طبيعية من جعلها في عاصمة اسرائيل بجوار حرم الجامعة العبرية. وهذا جيد للجيش الاسرائيلي وللجامعة وللقدس ايضا.
 
تم العثور على أرض وأُعدت خطة وسُلمت للموافقة عليها في لجان التخطيط. وكان يفترض في آذار من هذا العام أن تُجيز اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء هذه الخطة. وقد حث غرشون هكوهين الذي كان لواء المعاهد منذ وقت قريب على تعجيل البناء بكل قوته.
 
لكن الامر ليس سهلا كثيرا. فالأرض التي خُصصت للمعاهد موجودة في الزاوية الجنوبية الغربية في جبل المشارف فيما كان أرضا مشاع حتى 1967. وعلى حسب الخريطة الاسرائيلية يقع في داخل مساحة الجيب ولهذا فإن حكمه كحكم الجامعة، فهو حلال، حلال تماما. وعلى حسب الخريطة الاردنية هو جزء من شرقي القدس الأردني. بعد حرب الايام الستة فورا أُثيرت فكرة بناء دار المحكمة العليا في هذه الزاوية الجميلة المنظر. ورفض قضاة العليا، فقد فضلوا البقاء في غربي المدينة لأسباب سياسية أو عملية.
 
إن ما كانت تستطيع اسرائيل فعله في القدس في 1967 يصعب عليها أن تفعله في 2013. فقد لقيت خطة المعاهد في البداية معارضة الكنائس التي زعمت أن الهجوم العسكري بالقرب من جبل الزيتون يضر بقدسية الجبل؛ وبعد ذلك جاء قادة الجيوش الاجنبية. فقد بيّن الامريكيون أنه اذا انتقل معهد الامن القومي الى الارض التي خُصصت له فلن يستطيعوا أن يرسلوا إليه دارسين؛ وأضاف الملحقون العسكريون الاوروبيون تهديدات منهم.
 
وخشوا في الحكومة من عناوين صحفية تتحدث عن موافقة على بناء جديد في شرقي القدس بحيث تُعرض اسرائيل مرة أخرى بأنها تشوش على التفاوض، ولم تتم الموافقة على الخطة الى اليوم.
 
 أُخمن أن نتنياهو يتذكر في يحسد أسلافه من اليسار واليمين، الذين بنوا في شرقي القدس دون أن يفتح أحد في العالم فمه. وهو يقول محتجا: لماذا يُضيقون علي أنا خاصة. لماذا أنا.
 
والحقيقة أنه غير بريء من المسؤولية. فهو لم يستطع في ولايته الماضية أن يجدد التفاوض مع الفلسطينيين. وقد ساعد على القرار السيء على انشاء جامعة في اريئيل سقطت مثل ثمرة ناضجة في أيدي الداعين الى مقاطعة اسرائيل في اوروبا. وفي هذه الولاية وافق على الافراج عن سجناء، لكنه ألصق بكل إفراج إعلان خطط بناء، وأضاف وزراؤه الى إعلاناته إعلانات تفجيرية منهم.
 
كانت النتيجة ضغطا دوليا واستسلاما آخر الأمر. في قضية "هورايزون 2020"، وهي برنامج البحث العلمي للاتحاد الاوروبي، تلهّى نتنياهو بضع ساعات بوهم أنه سيرفض أمر الاوروبيين وأدرك بعد ذلك أن يديه مقيدتان فاستسلم. وهذا ما يحدث ايضا لخطط بناء في شرقي القدس، فقد بلغ الضغط الآن حتى أطراف الحرم الجامعي في جبل المشارف.
 
وقد استسلم لكنه لا يستطيع أن يُبيح لنفسه الاعتراف بأنه استسلم. فهذا لا يناسب صورته ولا يناسب أهواء الناخبين. وحينما يسألون في ديوان رئيس الوزراء هل يوجد تغيير، يكون الجواب لا، لكن لا توجد موافقة ويتبين أن اسرائيل نجحت في الـ 46 سنة الماضية منذ كانت حرب الايام الستة، في تغيير الواقع لا الوعي. إن الخط الاخضر غير حي على الارض لكنه حي جدا في علاقات اسرائيل الخارجية وصورتها في العالم. وكلما عملوا على إبعاده الى داخل الضفة رجع إلى الخلف، إلى قلب القدس.

ليس نتنياهو هو الذي أوقد هذه النار، لكنه سكب هو ووزراؤه ويسكبون عليها وقودا كثيرا.