أثار الكشف عن تحرك سفينة شحن من ميناء "بورسعيد" في
مصر إلى ميناء "أسدود" لإمداد "إسرائيل" بالمواد الغذائية ودعمها في حربها على قطاع
غزة الكثير من الجدل، وسط اتهامات لنظام
السيسي بتجويع أهل غزة ومن قبلهم المصريين في مقابل إنقاذ الإسرائيليين.
وأظهرت بيانات ملاحية قيام سفينة الحاويات "بي إيه إن جي جي" التي ترفع علم مصر، بـ6 رحلات من مينائي "بورسعيد" و"الدخيلة" المصريين لميناء "أسدود"، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفقا لموقع "الجزيرة".
البيانات الملاحية كشفت عن قيام السفينة، بـ25 رحلة محملة بالبضائع لميناء "أسدود"، طوال عام، 6 رحلات منها جرت منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمتوسط رحلتين شهريا، فيما انطلقت آخر رحلة لها من ميناء "بورسعيد" في 8 شباط/ فبراير الجاري، ووصلت إلى "أسدود" بنفس اليوم.
نشطاء مصريون نشروا صورا ومقاطع لمسار السفينة في رحلتها الأخيرة، الأمر الذي أثار الجدل والتساؤلات حول مصدر حمولة السفينة، وما إذا كانت مصر تمد "إسرائيل" بمساعدات غذائية عبرها، ما اعتبره البعض خيانة للمقاومة ولدماء أكثر من 28 ألف
فلسطيني، قتلتهم الآلة العسكرية الإسرائيلية.
واستنكر نشطاء في المقابل عجز الحكومة المصرية عن ادخال شاحنة مساعدات واحدة لنحو 2.3 مليون فلسطيني محاصرين في غزة لأكثر من 4 أشهر، دون إذن من "تل أبيب"، بينما ترسل حكومة القاهرة 6 شحنات كاملة إلى "إسرائيل" خلال 4 أشهر .
ورأى البعض أن تلك السلع المشحونة 6 مرات من موانئ مصرية لـ"إسرائيل" من المحتمل أن تكون مساعدة للكيان الصهيوني بتوريد السلع الضرورية التي لا يمكنها الحصول عليها من البحر الأحمر.
واعتبروا أن حكومة القاهرة تساعد "تل أبيب" في تهريب بضائعها من يد جماعة الحوثي التي تستهدف البضائع والسفن الإسرائيلية المارة في مضيق باب المندب، دعما للمقاومة في غزة.
كما أنهم استنكروا أن تمد حكومة السيسي "إسرائيل" بالغذاء في الوقت الذي تعجز فيه عن توفيره لشعبها وبتوقيت يعاني فيه المصريون من شح السلع التموينية والغذائية الأساسية مثل السكر، والأرز، وزيت الطعام، والدواء، ومستلزمات إنتاج المصانع وغيرها، وفق شكاوى مواطنين وتجار وأصحاب أعمال.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت عشرات المقاطع لمصريين يشتكون من أن سوء الأوضاع أوصلهم إلى أزمات اجتماعية خطيرة منها انتشار السرقة، وعرض الأطفال للبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة الخلافات الزوجية، وتوقف المشروعات الصغيرة، واختفاء لأهم السلع، وعمل النساء في خدمة البيوت.
وطالب مصريون غاضبون من السيسي، بالنظر للغلابة وحل الأزمة، فيما أكد البعض أنهم غير قادرين على التحمل، وطالبوا نظام السيسي بقتلهم بالسم، أو بسجنهم، فيما عرض البعض أبناءه عبر تلك المقاطع مؤكدين أنهم لا يستطيعون إطعامهم، وقال البعض إن الحل أمامهم هو السرقة، بينما طالب أصحاب المعاشات بالنظر إليهم.
"انحطاط وخيانة"
وفي تعليقه على تناقض نظام السيسي، وإمداد "إسرائيل" بالسلع بينما يمنعها عن غزة ويعجز عن توفيرها للمصريين، قال الناشط والمحامي والحقوقي المصري، سعيد عباسي: "حان الوقت لجميع المصريين أن يعرفوا أن السيسي ما هو إلا جاسوس إسرائيلي تم زرعه في مصر بإحكام".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "بعد انقلاب السيسي، على الرئيس المنتخب (محمد مرسي) والتخلص منه في معتقله (17 حزيران/ يونيو 2019)، قام بتدمير مصر حرفيا بكل معاني الكلمة من اقتصاد وزراعة وصناعة وسياحة وتدمير للمساجد وبيوت الناس وتهجيرهم من شرقها وغربها جنوبها وشمالها ووسطها وصحرائها".
ولفت إلى أنه "لم يتوان عن تهجير المصريين في سيناء ومطروح والإسكندرية والوراق وبورسعيد، وأخيرا بيع مدينة كاملة للإمارات وهي رأس الحكمة (شمال غرب)، ولن يتوقف هذا الفعل من جانب النظام المصري وغيره من الأفعال الكثير".
وأضاف أن "عطاءه اللامحدود للكيان السرطاني المحتل (إسرائيل)، وفي المقابل حصار غزة ومنع الطعام والماء والدواء على مدار 4 أشهر كاملة عن أهالي القطاع، ما أجبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الداعم الأول للحرب على غزة، على الاتصال بالسيسي وحثه على فتح المعبر، وفق تصريح بايدن، قبل أيام".
وقال عباسي: "وما زال السيسي، يحاصر غزة، ولم يكتف بل إنه قام بإرسال المواد الغذائية للكيان المحتل في سباق على خدمة الكيان مع محمد بن زايد، والملك عبدالله، ومحمد بن سلمان".
ووصف ذلك الموقف بأنه "انحطاط أخلاقي وخيانة لم يسبق لها مثيل، في الوقت الذي يئن فيه المصريون من الجوع، ويعرضون أبناءهم للبيع للحصول على الطعام".
"الأزمة الحقيقية"
من جانبه، قال السياسي المصري وليد مصطفى: "الدولة الطبيعية المستقرة بها إدارة تديرها، ورئيس منتخب، وحكومة يعينها الرئيس، أو تأتي من الأغلبية المنتخبة في نظام رئاسي برلماني، وهناك مؤسسات للدولة لديها خطة عامة وسياسية تسير عليها مهما تغير الرؤساء والإدارات، وهناك شعب له حق الاختيار والاعتراض، ومؤسسات رقابية وقضائية، ضمن الشكل الطبيعي لأي دولة".
عضو حزب "الوسط" المعارض، أضاف لـ"عربي21": "في كل جهة ومؤسسة وإدارة وحتى الشعب شخصيات من أصحاب الخبرة وغيرهم عديمي الخبرة، ولكن يأتي التوازن بين السلطات والفصل بين الاختصاصات ليصحح أي اعوجاج حتى لا يتضرر الأمن القومي للبلاد".
وأكد أن "هذا غير ما نحن فيه تماما، فمن يحكمنا يقول: (لا تسمعوا كلام أحد غيري)، لذا فنحن في دولة يحكمها فرد واحد وأبناؤه، فلا مؤسسات ولا جهاز رقابي أو قضائي أو مؤسسي بالدولة، وهذا أمر كارثي".
ويرى أن "الأزمة الحقيقية أنه في الوضع الحالي لا يوجد فهم لمقومات الدولة ولأساسيات الأمن القومي لها، الذي لا يعني فقط حماية الحدود، ولكن يشمل أيضا السلم المجتمعي، ومنع أي فتنة مجتمعية، بل والتعاون المجتمعي بين الطبقات المتوسطة والغنية لدعم الطبقة الفقيرة".
وأوضح أن "الأمن الغذائي للمجتمع من الأمن القومي له، وبأن يكون لدى المواطن ما يكفيه من غذاء صحي يعطي مواطنا سليما معافى يمكنه النجاح والعمل والقدرة على التطوير والابتكار والنهوض بالوطن".
ولفت إلى أنه "عند تطبيق معايير الأمن القومي في مصر، نجد أن الأمن الغذائي بأسوأ حالاته، فالمصري يعاني من سوء تغذية عنيفة وحادة".
"وفي الأمن الصحي هناك نقص وعجز في الرعاية الصحية بادية في هجرة الأطباء والتمريض بحثا عن دخل آدمي، مع نقص إمكانيات المستشفيات وعجزها عن توفير الخدمة والعلاج للمواطنين، وأزمة النقص الحاد في الدواء، فلا مواطن سليم غذائيا ولا صحيا".
وأشار إلى أن "المستوى التعليمي والثقافي مصر مذري ونقبع في نهاية الترتيب الدولي بمؤشرات التعليم، في كارثة لم يسبق لها مثيل تشير إلى أن الأمن التعليمي انتهى".
وقال إن "الأمن الاقتصادي في أسوأ حالاته، فالجميع يعاني بداية من أصحاب الدخل المعدوم وأصحاب المصانع، والكل لا يعرف وضعه باللحظة القادمة، فلا راتب يكفي للحد الأدنى من الإنسانية، ولا أصحاب الشركات والأعمال يعرفون رأس مالهم إلى أين؟، خاصة مع مصادرة الدولة لما لديهم من عملات صعبة وسلع بمخازنهم".
وتابع: "والأمن العسكري الشيء الوحيد المفترض أن يفهم فيه من يحكمون الدولة، حدودنا الشرقية مع غزة، والجنوبية مع السودان، والغربية مع ليبيا، تهان جميعها، بل ولدينا كوارث أمن قومي حقيقية في الثلاث حدود".
مصطفى، خلص للقول: "في المجمل مصر حاليا بلا أمن قومي، ولا تحتاج لأحد يتآمر عليها فمن يحكمونها هم أكثر المتآمرين، وللأسف الوضع الأسوأ لم يأت بعد طالما نفس السياسات تحكم ونسير برأي شخص واحد، ولا أحد له حق الحديث أو النقد أو الاعتراض أو الموافقة".
لكن، "إلى متى يظل المصريون صابرين؟ ومتى تتحول مؤشرات غضبتهم إلى تحرك ثوري على الأرض؟".
قال عباسي، إن "هذا ما يحير المحللين والمراقبين للشأن المصري، فسبق وقلنا من سنوات أن كل يوم وكل ساعة بل وكل دقيقة في عمر هذا الانقلاب ما هي إلا دمار لمصر وللمصريين، والآن يبيع البلاد قطعة قطعة".
وختم: "ولا يجد أمامه جيشا يسمي نفسه وطنيا أن يقف ويمنع هذا الإجرام، وتلك الخيانة، وبالطبع فإن الشرطة المصرية لن يقفوا ما داموا يملأون كروشهم وجيوبهم بالأموال والثروات، والقضاء فاسد مجرم يأتمر بأوامر الحاكم فقط، فلا عدالة ولا قانون يحكم إلا قانون الخائن الأول لمصر".
وفي رؤيته، قال مصطفى، إن مدى صمت المصريين الزمني هو "النقطة التي يراهن عليها النظام، ولكن ما لا يفهمه، ولن يفهمه، أن ثورة الياسمين في تونس تفجرت نتيجة لحرق مواطن نفسه بعد تعرضه للظلم من الشرطة ومعاناته من الجباية، وفي مصر ثار الغضب بعد تحطيم الأمن لجمجمة خالد سعيد، والمعاناة مع بلطجة الداخلية، التي هي الآن أكثر بكثير".
وأضاف أنهم "في النظام لا يفهمون هذه النقطة وأن الغضب الشعبي لا توقفه القبضة الأمنية ولكنها تظل عود الثقاب، وأي شخص في أي حادث قد يقلب غضب الناس إلى انتقام، وهذا الفرق بين الربيع العربي في 2011 وبين دمار 2024 أو 2025 أو غيرها".
وختم موضحا بأن "الفارق أن المواطن، كان يرى فساد السلطة، ولكن كان لديه أمل في القوات المسلحة، والقضاء، والإصلاح، ولم يكن هناك هذا الحجم من الانقسام، ولم تكن حالته المادية بهذا السوء".
"ولكن المواطن يشعر بالظلم في حريته، وأفكاره، وتعليمه، وصحته، وعمله، وراتبه، وطعامه، وأحلامه لأبنائه، وبالتالي لو انفجر الغضب فسيكون دمارا شاملا لا يمكن إيقافه، ولا تُعرف نهايته، ولا من سيتم استهدافه، وهو أمر مرعب".