قالت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن انزلاق
السودان إلى دائرة العنف مجددا ولّد حيرة كبيرة في شرق
أفريقيا خاصة والعالم عامة،
بوجود مخاوف من عدم التمكن من احتواء المعارك في العاصمة الخرطوم وجزء من البلاد.
وذكرت الصحيفة، أن الخلاف الداخلي الحالي بين الجيش النظامي الذي
يقوده عبد الفتاح البرهان القائد الفعلي للبلاد، ومليشيا قوات الدعم السريع المهيمنة
التابعة لمحمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي".
وحسب الباحث في معهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية كليمون
ديشايس، فإن من شأن هذا
الصراع على السلطة زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بالنظر إلى
أن الأزمات السابقة التي شهدها السودان كان لها تأثير مباشر على الدول المجاورة.
وفي حال اشتد القتال، تخشى دول الجوار تكرر السيناريو الليبي وتقسيم
السودان وانتشار أعمال العنف على نطاق واسع، وحدوث أزمة مشابهة للأزمة السورية، مع دمار
حضري هائل وموجة كبيرة من اللاجئين. وهذه الكارثة المحتملة تجعل دول الجوار السبع في
حالة يقظة، خاصة أن النفوذ السوداني محسوس في كل من وسط أفريقيا والقرن الأفريقي وحتى
الساحل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك روسيا والإمارات
العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يتابعون بتوجّس ما يحدث في السودان، ويعملون
على إقناع طرفي الصراع بضرورة الحوار وتهدئة الوضع في البلاد. في المقابل، يحاول الطرفان
المتناحران إيجاد حلفاء أساسيين، فيما يمكن أن يعتبر بداية حرب أهلية.
وفي إشارة إلى مخاطر التدخل في هذا الصراع، كثّفت الهيئات القارية والاتحاد
الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد، وهي مجموعة من ثماني دول
في شرق أفريقيا) اجتماعاتها في الأيام الأخيرة من أجل الوساطة. وحسب دبلوماسي غربي،
فإن "رغبات الوساطة مرحب بها لكن فرص نجاحها ضئيلة، بينما لا يُنظر إلى بعض الجهات
الفاعلة الأخرى على أنها محايدة".
يوم الأحد، صرح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي التشادي موسى فقي محمد،
أنه يريد السفر "على الفور" إلى الخرطوم، علما بأنه يعتبر مؤيدا للبرهان.
أما بالنسبة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، يبدو الرئيس الكيني وليام روتو
أكثر مصداقية، لكنه يفتقر إلى الإمكانيات.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في مركز البحوث الدولية رولان مارشال أن
"مصر تعتبر اللاعب الإقليمي القوي في هذا السياق، لكونها منخرطة بشكل كبير في الشؤون
السودانية لفترة طويلة، وليس فقط دبلوماسيا". ولطالما كانت القاهرة تراقب الوضع
في السودان وهي لا تزال تنوي فرض مواقفها. ولم يُخفِ المشير عبد الفتاح السيسي قربه
من نظيره البرهان أو عدم رغبته في رؤية نظام مدني وديمقراطي يقام على أعتابه.
وأورد الباحث أن "الجيشين السوداني والمصري متقاربان للغاية من
الناحية الإنسانية، ولكن أيضا من حيث الهيكل السياسي والاقتصادي". ومع ذلك، لا
شيء يشير إلى أن القاهرة تعمل بجدية للتوسط في هذه الأزمة.
وأضافت الصحيفة أن الدعم المصري المباشر سيبقى متحفظا؛ لأن واشنطن، المهتمة
أيضا بما يحدث في السودان، تعتبره غير مرغوب فيه. ومن مفارقات الأزمة السودانية أن
العديد من الجهات الفاعلة في الخرطوم تمارس لعبة معاكسة لتحالفاتها المعتادة.
من جهتها، تؤيد الولايات المتحدة بقوة الانتقال المدني في السودان. ويوم
الثلاثاء، تحدّث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن الجنرالين المتنافسين على
السلطة في السودان، وشدد على "الضرورة الملحة لتحقيق وقف إطلاق النار" من
أجل هذه العملية المدنية، لكن دون جدوى. ويرى كليمون ديشايس أن "المشكلة هي أن
الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات بالفعل على السودان، تفتقر مثل الاتحاد الأوروبي
إلى وسائل ضغط حقيقية". ومنذ ذلك الحين، تعتمد واشنطن على اللاعب الرئيسي الثالث:
الإمارات المشكوك في حيادها.
وذكرت الصحيفة أن الذهب المستخرج في دارفور، بفضل الروس على وجه الخصوص،
يباع في دبي. وقد عملت قوات الدعم السريع بشكل خاص كمرتزقة للإمارات في حرب اليمن وليبيا.
وسمحت هذه الوحدات لحميدتي بصنع صندوق حرب وتجميع المواد التي تمولها الإمارات. يقول
رولاند مارشال: "هم بالتأكيد قريبون من حميدتي، لكن هذا لا يعيق مهاراتهم في الوساطة.
يمكنهم تغيير التحالفات إذا لزم الأمر؛ لأنه في السودان لا يمكن لأحد أن يتحمل مثل هذا
الراعي الثري".
وأبرزت الصحيفة أن حميدتي لديه بطاقة أخرى بين يديه، لكنها أكثر صعوبة
وهي قربه من موسكو وشركة المرتزقة فاغنر، إذ يشارك هؤلاء في تجارة الذهب غير المشروعة، وقاموا بتدريب رجال قوات الدعم السريع. ويعتبر حميدتي، الذي زار موسكو في نفس يوم غزو
أوكرانيا، قريبا من الكرملين، الذي يركز بشكل أساسي على القاعدة البحرية في بورتسودان
على البحر الأحمر.
وحسب الدبلوماسي الغربي: "من غير المرجح أن يتقدم حميدتي أو البرهان
في هذا الملف الأساسي، حتى في هذه اللحظة بسبب الكثير من التوترات". وقال الباحث
فيليب جوت؛ إن "التدخل الأمريكي في السودان مرتبط بشكل كبير بالرغبة في مواجهة
روسيا. ومن غير الواضح ما إذا كانت موسكو مستعدة للمشاركة، خاصة أن حميدتي الذي يعد
تحت الضغط ويقول الآن إنه يدعم التحول الديمقراطي، يبدو أنه نأى بنفسه في الأشهر الأخيرة
عن الراعي الروسي".