كتاب عربي 21

لماذا أطاح السيسي برئيس الأركان؟!

1300x600

بدا خبرا مفاجئا، لم تستطع كثير من العقول استيعابه، حتى صار لغزا يستعصي على الفهم، فإيمان العوام يسيطر على المشهد السياسي!

لقد أطاح عبد الفتاح السيسي؛ بالفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري، وكثير من أسباب الدهشة لهذا القرار؛ أن قرار تنصيب الرجل لهذا المنصب المهم جاء لأنه صهره ويأتي، بالتالي، في سياق تأميم عبد الفتاح السيسي للجيش، ولمؤسسات الدولة المصرية، ولهذا فإن بعض الذين استسلموا لهذه الرؤية، وهي صحيحة نظريا، لم يروا في قرار عزل رئيس الإركان أن مصدره أزمة، لكنه التمهيد لتنصيبه رئيسا للوزراء!

عندما تم الإعلان قبل عامين عن قيام السيسي بتعيين الرجل القوي في المجلس العسكري اللواء "العصار" وزيرا للإنتاج الحربي، قال البعض بأن هذا تمهيدا لتنصيبه رئيسا للوزراء، وقد استبعدت ذلك، فلو كانت النية تتجه للتنصيب، لما كان الأمر بحاجة إلى خطوة تمهيدية؛ وزيرا ثم رئيسا للحكومة، لكن إبعاد "العصار" كان شلوتا لأعلى، من رجل هو المكلف، منذ حكم المجلس العسكري، بالاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية، فأراد السيسي بهذا القرار أن يبعده عن دائرة النفوذ، ليكون الاتصال مباشرا بينه وبين الجانب الأمريكي، وبدون أي وسيط!

 

كانت النية تتجه إلى تعديل الدستور ليتم الأخذ منها لصالح رئيس الجمهورية، ولما وجدوا أن هذا صعبا، كان القرار باختيار رؤساء حكومة، يتصرفون على أنهم مجرد "سكرتارية"

ولم يكن اختيار الفريق محمود حجازي رئيسا للحكومة بحاجة إلى تعيينه في منصب وهمي، هو مستشار رئيس الجمهورية للمشروعات الاستراتيجية، والمعنى أن قرار الاطاحة به يأتي لأسباب لا علاقة لها بالتمهيد لتوليه منصب رئيس الحكومة؛ لأنه في اليوم الذي يقرر فيه السيسي تعيين شخصية بحجم "العصار" وعلاقته، و"حجازي" وجديته، في موقع رئيس الحكومة، فإنه يكون قرارا منه بالتنحي، فلا يمكنه هنا أن يجعل من رئيس الحكومة مجرد "طرطور" و"خيال مآته". ويلاحظ أن محمود حجازي هو الوحيد من أعضاء المجلس العسكري الذي يمتلك كاريزما، يفتقدها عبد الفتاح السيسي، ولاحظ أيضا أن صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور واسعة، وفي البداية كانت النية تتجه إلى تعديل الدستور ليتم الأخذ منها لصالح رئيس الجمهورية، ولما وجدوا أن هذا صعبا، كان القرار باختيار رؤساء حكومة، يتصرفون على أنهم مجرد "سكرتارية" في مكتب السيسي!


وفي اعتقادي، أن الأمر لو صدر للسيسي من البيت الأبيض، فسوف يناور حتى لا يرضخ له؛ لأنه إن رضخ فسيكون كبراقش التي جنت على نفسها، ليكون قرار عزله هو مسألة وقت، ويكون العد التنازلي لعمره في السلطة قد بدأ، وهو، ولأنه أسرف في القتل، فلن يترك الحكم طواعية، ولن يفعل إلا بالنزع، وقد نراه في الغد في إيران، مبتزا كافة الأطراف لتتدخل لدي الولايات المتحدة لتبقي عليه، ولا تحمله من أمره رهقا.

هناك من يرجعون الإطاحة بالفريق حجازي؛ إلى أحداث الواحات، ويذهبون بعيدا حد التعامل مع هذا الحادث على أنه نتاج مؤامرة، شارك فيها الجيش، الذي تأخر بإرسال طائراته لإنقاذ عناصر الفرقة الأمنية. ولا أعتقد أن الأمر كذلك، وإن صدر في نفس التوقيت قرار الإطاحة بثلاث من قيادات وزارة الداخلية، فحقيقة الأمر أن ذهاب قوات الشرطة منفردة إلى طريق الواحات هو الأمر الغريب، لا سيما وأن الاختصاص المباشر للصحراء منعقد للجيش وليس للشرطة، وذهاب الشرطة منفردة خطأ استراتيجيا، إذا سلمنا به فإن من تتم الإطاحة به هو وزير الداخلية. أما بخصوص تأخر الانقاذ، فلا نعلم أن الوزير قد خاطب الجيش طالبا النجدة، ونعلم أن حبيب العادلي كان قد بدأ في عهد مبارك تسليح الشرطة كما الجيش، وأن الداخلية تمتلك أربع طائرات، كانت تكفي لتحقيق الغطاء الجوي للقوة التي أبيت في الصحراء!

 

هناك من يرجعون الإطاحة بالفريق حجازي إلى أحداث الواحات..
ليس السيسي هو الذي يقيل أحدا من رجاله لأمر كهذا

 

ليس السيسي هو الذي يقيل أحدا من رجاله لأمر كهذا، وقد وقعت عمليات إرهابية كثيرة، ولم يفكر، مجرد التفكير، في إقالة أي مسؤول أمني. وفي ظني أن إقالة القيادات الشرطية الثلاث هو غطاء للقرار المهم بالإطاحة برئيس أركان الجيش، والذي يبدو أنه قرار مرتبط بزيارته الاخيرة للولايات المتحدة الامريكية، فهل كلفه الأمريكان بشيء، أو طلبوا منه موقفا، أو استمعوا منه إلى تقدير موقف رأى السيسي أنه كان سلبيا وأنه لم يعد الرجل الذي يشعر معه بـ"الأمان"؟!

السيسي، وباعتباره صاحب سوابق في ميدان التآمر الفسيح، يعلم أهمية موقع رئيس الأركان، والذي كان قناة الاتصال مع الأمريكيين، للتمهيد للانقلاب العسكري. فقد رُفعت تقارير إلى الرئيس محمد مرسي تفيد أن رئيس أركان الجيش، ووزير الدفاع الحالي، قد تردد على مبنى السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي دخلها في موكب. ويقول الراوي، إن التقرير المرفوع للرئيس تضمن أرقام السيارات، ولم يكن الرئيس يدرك أن وزير دفاعه ضالع في المؤامرة، فأخبره بما وصله من معلومات، وطلب منه أن يبحث عن بديل للواء صدقي صبحي!

ما علينا، فكون السيسي وحجازي صهرين، فإنه دفع بكثيرين للاعتقاد أن الأخير سند الأول، ولهذا فإن الاطاحة به أربكت أصحاب هذا الاعتقاد، فأربكهم قرار الاطاحة، فذهبوا إلى التفكير البسيط، ليدعموا نهج إيمان العوام، ثم ينشرونه على البرية بالقول ما حدث مخطط يستهدف تعيين "حجازي" رئيسا للحكومة، وكأن هناك ما يمنع؛ فكان لا بد للتمهيد لهذه الخطوة الكبيرة!

 

التسليم بأن الصهر لن يختلف مع صهره، هو أمر لا وجود له ولو في الحياة الطبيعية

التسليم بأن الصهر لن يختلف مع صهره، هو أمر لا وجود له ولو في الحياة الطبيعية التي يعيشها هؤلاء، لا سيما أن فكرة الحكم هذه لا يتحكم فيها البعد الداخلي، ليكون رابط المصاهرة مانعا من وقوع أزمة بين السيسي ورئيس أركانه!

عندما قام السيسي بتعيين "حجازي"، قلت إن التاريخ القريب يعيد نفسه، ولا يلدغ الحاكم إلا من مأمنه؛ فالجيش كان يمثل للرئيس جمال عبد الناصر معضلة، وكانت هناك مخططات لانقلابات على مجلس قيادة الثورة، تزعمها سلاح الفرسان، طالبت في البداية بعودة الجيش إلى ثكناته، وعودة الأحزاب، والحياة النيابية، فلما لم يجدوا استجابة؛ فكروا في الانقلاب على الانقلاب، وقد أُحبط، ولهذا فقد قبل عبد الناصر تدمير الجيش بترقية صديقه وذراعه الأيمن، عبد الحكيم عامر، بعد منحه رتبة المشير، فغادره قيادات الجيش المصري، ولم يبق فيه إلا صغار النفوس وصغار الرتب!

كان عبد الناصر يعتبر أن بوجود عامر على رأس وزارة الحربية، أن الجيش صار قبضته، وبعد ذلك كانت قد بدأت المؤامرات والدسائس، وبالتعاون بين عبد الحكيم عامر ومدير المخابرات العامة صلاح نصر، وكانت هواتف عبد الناصر تحت المراقبة، وكان يعلم ذلك!

كان عبد الناصر قد قضى على كل الضباط الأحرار، واستشعر عبد الحكيم أن الدور عليه، وأن عبد الناصر لا أمان له، وفكر في الانقلاب عليه، لكنه كان يتراجع بعد مصالحات تتم بينه وبين ناصر، يظن بعدها أنه وقع أسيرا لسوء الفهم، حيث يذكره ناصر بالأيام الخوالي ويبكي عبد الحكيم، ولم يكن يعرف صديقه ينتظر الفرصة، وجاءت على طبق من فضة بهزيمة 1967!

اللافت أن المؤامرة بدأت في سنة 1964، وكان لافتا أن الجيش الذي يستعد للحرب بعد ثلاث سنوات تضرب بداخله الفتن وتحاك فيه المؤامرات، وهناك من يقولون إن الأزمة بدأت بمحاولة ناصر محاسبة عامر على تقصيره في الحرب، وهذا ليس صحيحا البتة!

ولم تكن العلاقة التي تربط السيسي بصهره حجازي أقوى من علاقة ناصر بعبد الحكيم عامر، وكانت بينهما أيضا علاقة مصاهرة لم تكن أهم ما في الموضوع، ولم تشفع علاقة الصداقة مما جرى، لينته الأمر بعبد الحكيم مقتولا.. وقد قالوا إنه انتحر!

 

ماذا سمع رئيس الأركان في واشنطن؟ وماذا قالوا له. وماذا قال لهم؟!


ما علينا، فماذا سمع رئيس الأركان في واشنطن؟ وماذا قالوا له. وماذا قال لهم؟!

من الملاحظ أن السيسي فقد الحماس الإقليمي والدولي له، وقد تبدد الإعجاب من أول نظرة الذي حكم العلاقة بينه وبين ترامب، لا سيما بعد صفقة الأسلحة من كوريا الشمالية، والتي مثلت لعبا منه بالنار، ثم إن وجوده لن يحقق الاستقرار الداخلي، فالإجماع منعقد على أنه إذا كان الحراك الثوري قد توقف، فإن المستقبل ليس مضمونا، فمصر تقف على كف عفريت. وإذا كان الإنجاز المهم  لهذه الدوائر هو عزل الإسلاميين، فإن الشرارة إذا انطلقت، فقد تأتي بالإسلاميين مرة أخرى، وبيد هذه الدوائر إعادة تدوير الانقلاب، وقد كانت هذه خطتها منذ الانتخابات الرئاسية الأولى، لكنها لم تحرص على إلزام السيسي بها!

هل وصل السيسي إلى مرحلة برويز مشرف، والذي كان رجل أمريكا لكن الشعب قرر اسقاطه في الانتخابات الرئاسية، فأرسلت واشنطن بنازير بوتو، لتقطع الطريق على نواز شريف، وهذا لم يمنع من أن يقوم مشرف رجل أمريكا بقتل موفدة أمريكا لباكستان، لكن في النهاية كان زوجها هو المرشح الفائز بكل ما عرف عنه من فساد؟!

بعيدا عن القوى الشرعية، التي تعيش في أوهامها عن القوة الخارقة للسيسي، يمكننا القول إن السيسي لا يقف على أرض صلبة، وأن كل الدوائر لديها استعداد لأن تقرأ الفاتحة على روحه، إذا تحرك الشعب!

فهل يتحرك؟!

يحضرني الآن واقع مصر قبل حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، إذ كانت القوى السياسية تدور في فلك الحكم القائم، والصراع بين القصر والاحتلال ويشغل حزب الأغلبية "الوفد" الشرعية الدستورية وضرورة الالتزام بها، فإذا بتسعين ضابطا لا أكثر يتحركون على قاعدة "ويفوز باللذات كل مغامر"، فإذا بالملك أضعف مما يتصورون!

لا بأس فقد يتحرك غيرنا!