قضايا وآراء

التوظيف السعودي للورقة المذهبية

1300x600
"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" هذه الآية تنطبق على النظام السعودي الذي يقول كلاما ويفعل عكسه. قد يقول قائل إن هذا من طبيعة سياسات الدول، وبما يحقق مصالحها، ولكن حين يكون الأمر توظيفا فجا للدين والمذهب في صراع سياسي هدفه الأساسي ليس الدفاع عن الدين بل عن العائلة وسيطرتها على الحكم، وحين يتم التغرير بالمسلمين السنة أو بجماعات سنية صغيرة أو كبيرة لخدمة هذا الغرض الدنيء فهنا ينبغي التنبيه والتحذير، فلست بالخب ولكن الخب لا يخدعني.

لابد أن يدرك الجميع أن الصراع السعودي الإيراني ليس صراعا دينيا بل هو صراع سياسي على الهيمنة والنفوذ من ناحية، وعلى اكتساب شرعيات لأنظمة الحكم مستغلة الخلاف المذهبي من جهة أخرى، فالحكومة الإيرانية التي ترفع شعارا إسلاميا منذ ثورتها في العام 1979 لا تأبه كثيرا بالمبادئ الإسلامية حين تتعارض مع سياساتها الخارجية، وخذ على ذلك مثال موقفها الداعم لدولة أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الغالبية الشيعية، والسلطة الإيرانية الموصوفة بالإسلامية لا تزال تعلي الرموز القومية الإيرانية على الرموز والمشاعر الإسلامية، وخذ لذلك مثالا في الاحتفاء الرسمي والشعبي بعيد النيروز (الفارسي)  والذي تعطل المصالح الحكومية من أجله 21 يوما تمتد لشهر، بينما تكون عطلة عيد الفطر يوما واحدا !! وهذا يعني تغليب العنصر القومي الفارسي على العنصر الإسلامي، وبالتالي يمكننا أن نقول إن معارك وصراعات إيران هي لتوسيع النفوذ الفارسي حتى وإن رفعت الشعار الإسلامي.

أما عن السعودية فحدث ولا حرج، فالسلطة التي تدعي محاربة التمدد الشيعي، وتحشد الحركات والجماعات الإسلامية السنية خلفها في هذه المعركة تغرر بهؤلاء جميعا، وتتخذ من دمائهم وتضحياتهم جسرا لاستمرار حكم آل سعود، وإبعاد التهديد عنه، وحين تجد مصلحة لهذا الحكم في التقارب مع الشيعة فإنها تفعل ذلك فورا، ظهر ذلك في استضافتها الفخمة للقائد الشيعي العراقي مقتدى الصدر الذي استقبله ولي العهد محمد بن سلمان شخصيا، وقد ضم وفد الصدر عددا كبيرا من طلاب الحوزة العلمية، وقد احتفى الإعلام السعودي وكبار الكتاب السعوديين بهذه الزيارة وهم الذين صدعوا رؤوسنا من قبل عن الخطر الشيعي، ووصفوا هذه الزيارة بالتاريخية وبأنها خطوة ذكية من ابن سلمان، ولم يكتف هؤلاء الكتاب بهذا القدر بل راحوا "يفلسفون" الزيارة باعتبارها تأتي في إطار دور سعودي لإعادة ترتيب البيت الشيعي العربي وفقا للكاتب الدكتور عبد العزيز قاسم (تخيل يا مؤمن أن السعودية السنية الوهابية هي التي ترتب البيت الشيعي العربي وتنفق عليه)، بزعم أن هناك شيعة عرب يرفضون النفوذ الصفوي الإيراني، أي أن كتاب السلطة السعوديين يتخلون عن فكرة محاربة المذهب الشيعي، ويتحدثون عن النفوذ الصفوي، وهذا حديث سياسي، يمكن أن نوافقهم عليه لو كانوا مخلصين وجادين، ولكن مع التأكيد في المقابل أن المعركة من قبل النظام السعودي أيضا ليست دفاعا عن المذهب السني بل هي لتثبيت حكم آل سعود.

وذهب أحد منظري السياسة السعودية وهو عبد الرحمن الراشد في تسويقه للزيارة إلى اعتبارها خطوة شجاعة من مقتدى الصدر في مقابل الهيمنة الإيرانية، مضيفا أن "موقف الصدر، وعدد من القياديين العراقيين، لا يقوم على رفض العلاقة الجيدة مع الجارة طهران بل ضد هيمنتها. هم ضد استيلاء طهران على الموارد والسلطات، ضد تحويل المياه النهرية على الحدود، والحفر في المناطق البترولية المتجاورة، وضد استخدام الشركات والبنوك العراقية لتصبح سوقا سرية للتعاملات الإيرانية الممنوعة دولياً، وضد بناء وتشجيع نشاط ميليشيات عراقية خارج السلطة، وضد تدخل الحرس الثوري الإيراني في الحكومة والبرلمان".( مرة أخرى المسألة سياسية وليست مذهبية برأي الراشد).

لم يقتصر الأمر على استضافة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بل إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هو الذي هرول لمصافحة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في تركيا قبل عدة أيام، وهو ذاته الوزير(الجبير) الذي صدع رؤوسنا عن خطر الإرهاب الإيراني وضرورة مواجهته بكل قوة، بينما وضع نظيره الإيراني الأمر(هذه المصافحة) في إطار الأعراف الدبلوماسية"، وأنها تعود أيضا إلى الاحترام المتبادل والصداقة القديمة التي تربطه بالجبير!! 

الحرب المذهبية في ظاهرها التي تشنها السعودية (نظريا) على إيران ممتدة منذ سنوات، ومع ذلك لم تقطع علاقتها مع إيران إلا حينما تعرضت سفارتها في طهران للاعتداء العام الماضي حين قام متظاهرون إيرانيون باقتحامها احتجاجا على إعدام الداعية الشيعي (النمر) في يناير 2016، أي أن السلطات السعودية لم تقطع العلاقات من قبل من أجل هيبة الدين رغم ما تنسبه من ضلال للمذهب الشيعي، ومساعي إيران لنشره، ولكنها فعلت ذلك حين تعرضت هيبة آل سعود للإهانة.

هذه السطور هي لتوضيح حقيقة خلافات السعودية وإيران، والتي ينغمس البعض فيها بحسن نية بوهم أنه يدافع عن المذهب السني في مواجهة التمدد الشيعي، وبطبيعة الحال لا يمكن لأحد إنكار سعي إيران وغيرها من الجماعات الشيعية لنشر هذا المذهب، بل وتحقيق نجاحات لا بأس بها في هذا المجال، ولا ينكر أحد حق الدعاة والجماعات والجمعيات السنية في الذود عن مذهب أهل السنة والجماعة بل ونشره أيضا، لكن ما قصدته في تلك السطور هو توضيح أن النظام السعودي يستغل هذه الجماعات الإسلامية السنية لخدمة مشروعه السياسي الذي يرتكز على التمكين للأسرة الحاكمة، وصد أي موجة ديمقراطية يحلم بها السعوديون، ودعم الثورات المضادة في دول الربيع العربي، ولا أستبعد شخصيا انفتاحا سعوديا على الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية ومنحها بعض الحقوق في إطار سياسة ابن سلمان لإعادة ترتيب البيت الشيعي العربي، وهي تأكيد لفكرتنا أنه صراع سياسي وليس مذهبي، فلينتبه العقلاء وقادة الحركات الإسلامية وليبحثوا عن مصلحة دعوتهم بعيدا عن تلك الألاعيب السياسية.