كتاب عربي 21

هُزم الجمع!

1300x600
"تبات نار تصبح رمادا"!

فقد عادوا من القاهرة، "قفاهم يقمر عيش"؛ فكل واحد من وزراء الخارجية الثلاثة، بالإضافة إلى سامح شكري، ومن ارتفاع درجة حرارة قفاه من فرط الخجل، فإن القفا يصلح فرناً لتسخين الخبز فيه أو عليه!

عندما اجتمع وزراء خارجية: السعودية، والبحرين، والإمارات، بالإضافة إلى سامح شكري، في القاهرة، كان واضحاً أن الاجتماع للتصعيد ضد  قطر، فقد انتهت المهلة التي حددوها للاستجابة لطلباتهم – التي هي أوامر – كما انتهت مهلة اليومين التي طلبتها الكويت، وقد استقر الرأي عندهم أن الرد القطري جاء سلبياً، ولا يمكن أن يكون الرد على ذلك بالطلب من المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولياته، على أن يعقدوا اجتماعهم القادم في المنامة، ولم يحددوا موعداً، على نحو كاشف بأن البيان تم تعديله في الوقت الضائع، ولم يخضع للنقاش الجاد في الاجتماع!

تحديد مدة العشرة أيام للاستجابة للمطالب الثلاثة عشر، بدا شرطاً تعسفياً، وجعل من "الطلبات" شروط إذعان، وكأننا أمام عرض أسعار مقدم من شركة للأثاث لشركات عميلة، ليصبح عرض الأسعار لاغياً بعد المدة المحددة، فضلاً عن أن دول الحصار أعلنت أنها لن تتناقش في أمر "العرض المقدم"، ولو أنهم جيوش الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، فلم يكن لها أن تطلب تنفيذ شروطها من الدول المهزومة بدون أن تجلس على مائدة المفاوضات!

لقد كانت الغطرسة التي يتعاملون بها مع الدوحة، توحي بأن اجتماع القاهرة هو "إعلان حرب"، لكن كانت مكالمة هاتفية من ترامب، كفيلة بأن تدفع إلى هذا الخذلان المبين الذي رأيناه في اجتماع وزراء خارجية دول الحصار بالإضافة إلى سامح شكري، في يوم اسودت فيه وجوه، وإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، فقد استمعت إلى تقدير في المؤتمر الصحفي للشعب القطري، وكأنه ليس هو ذاته الشعب الذي يتعرض للحصار، وتمت السخرية منه في إعلام الدول الثلاث بالإضافة إلى الأذرع الإعلامية للسيسي، وتقديمه على أنه لا يجد ما يأكله وأن القطريين ينامون من شدة الحصار على لحم بطونهم، في شماتة لا يمكن أن يقوم بها من يحملون أي تقدير للشعب القطري!

كان الناس يقفون على أصابع أرجلهم (كناية عن شدة القلق والترقب) في انتظار انعقاد المؤتمر الصحفي للقوم، ويلاحظ هنا أن رؤساء المخابرات في الدول الأربع قد عقدوا اجتماعاً موازياً بشكل يوحي أنه سيتقرر تحديد ساعة الصفر، لحرب داحس والغبراء، وكتبت زميلة من واشنطن تتساءل عن سر تأخير انعقاد المؤتمر، وعلقت على تساؤلها بأن الإجابة عندها وليست في القاهرة، وخيل لي أن القوم وبعد أن انتهوا من اجتماعهم اتصلوا بالراعي الأمريكي ليعرضوا عليه ما انتهوا إليه من قرارات، قبل أن نقف على حقيقة الموقف!

لقد اتصل ترامب هاتفياً بعبد الفتاح السيسي، وأمر بحل الأزمة عن طريق المفاوضات، وكان عليهم بعد هذه المكالمة أن يجتمعوا من جديد لصياغة بيان يتفق مع "التوجيه الأمريكي الجديد"، وإذا به عديم الطعم، وعديم اللون، وإن كان لم تنقصه الرائحة النفاذة، من جراء كون القوم، ليسوا أكثر من خدم في البلاط الأمريكي والإسرائيلي، فكانت إشارات مبهمة من ترامب فهموا منها، أن طريقهم أخضر، وأنه تم تفويضهم في إنهاء الدور القطري، ليتمكنوا من تمرير المخطط الصهيوني متمثلاً في "صفقة القرن"، بدون دعم قطري للمقاومة الفلسطينية، وبدون حضور قناة "الجزيرة"، التي ستنقل المؤامرة للعالم!

في قمة الرياض، كان الحديث عن الدولة الراعية للإرهاب يعني إيران، وإن كان المعنى عند عبد الفتاح السيسي مختلفاً، فهي الدولة التي ضنت عليه بأرزها، فلم تمكنه من أكل "الرز القطري"، "كبسة" على الطريقة الخليجية، أو "مفلفل" على الطريقة المصرية، وقد وجد في الحصار "سبوبة جديدة"، فمن بين "شروط الإذعان" أن تعوضه قطر عن الإرهاب الذي تسبب في هروب السياحة وهروب الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن أنه ومن خلال القاعدة العسكرية في البحرين وجد تجارة سبق له أن روج لها وفق قاعدة "مسافة السكة"، وفي التسريبات الخاصة به وبسكرتيره عباس كامل، كان الاتفاق أن يكون البكاء على رأس الميت، والدفع مقدماً!

بيد أن كل هذا تهاوى بمجرد اتصال هاتفي من ترامب، كان من الواضح أنه كان بضغط من إدارته، التي وجدت أنه برسائله الغامضة قد يورد المنطقة مورد التهلكة، وإن كان اللافت هو عدم إدراك القوم في السعودية، والإمارات، إلى سابقة الرسائل من هذا النوع، والتي أرسلت في السابق للرئيس صدام حسين فظن أن معه موافقة أمريكية على غزو الكويت، ثم كان الغزو بداية القضاء على صدام وجيشه وكان الذريعة التي استخدمت لاحتلال العراق، ونهب ثرواته!

ليس هناك عاقل رشيد، يمكنه أن يغرق في الوحل اليمني، وأن يعلم أن حدوده ليست في أمان، ومع ذلك يفتح جبهة مع جارة له، لكن – وكما قال الشاعر – لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها!

في المؤتمر الصحفي الباهت الذي عُقد في القاهرة لثلاثي أضواء المسرح بالإضافة إلى سامح شكري، عاد وزير الخارجية السعودي إلى ذات الأسطوانة المشروخة من حيث اتهام إيران بأنها على رأس قائمة الدول الداعمة للإرهاب فأضحك الثكالى، فطهران التي ترعى الإرهاب – بحسب كلامه – لا تُحاصر ولكن تم حصار قطر، ولم يتم إعلان الحرب على طهران، وإنما أعلنت الحرب على الدوحة، والسعودية التي أغلقت الباب في وجه الحجاج القطريين، أعلنت زيادة حصة الإيرانيين من الحج هذا العام، كما أن الرياض التي أغلقت سفارتها في الدوحة، وأمرت الدبلوماسيين القطريين بمغادرة المملكة، لا تزال إلى الآن على علاقة دبلوماسية بالجمهورية الإسلامية، وقد اعتمدت قبل أيام عشرة دبلوماسيين إيرانيين جدد، مع أن إيران هى الداعم الأول للإرهاب بحسب نص اتهام "عادل الجبير"!

لقد مضى ليل المؤامرة، بمجرد مكالمة هاتفية من ترامب، وانتصرت قطر في هذه المعركة، لكن تظل المؤامرة مستمرة، فلن يتوقف الرئيس الأمريكي عن التلاعب بالدول الثلاث بالإضافة إلى السيسي، والتي لن تنسى هزيمتها الساحقة الماحقة، وتحول قفا كل منهم إلى فرن صالح بدرجة حرارته المرتفعة لتسخين الخبز، ولن ترضى هذه الدول عن قطر حتى تتبع ملتها!

"خذوا حذركم".