كتاب عربي 21

"قطر" خانت عرابي في التل الكبير!

1300x600
كنا صغارا، ومدرس التاريخ، بمدرسة نجع الضبع الابتدائية الأستاذ "عجمي"، يروى لنا محنة الزعيم المصري أحمد عرابي، الذي تعرض للخيانة في موقعة "التل الكبير"، فاعتقدنا لبراءتنا أنها أكبر جريمة في التاريخ!

كان الإنجليز قد حاولوا غزو مصر من الإسكندرية، فتصدى لهم المصريون، فقرروا أن يجربوا حظهم من "التل الكبير" بمحافظة الإسماعيلية، وهناك تصدى لهم "عرابي"، وجنوده، لكنه تعرض لخيانة من الضباط الذين ينخرطون في جيشه، والذين أبرموا اتفاقات سرية مع القوات الغازية، وترتب على هذه الخيانة هزيمة عرابي، ومن ثم الاحتلال الإنجليزي لمصر.. هل قلت إن من خانوا عرابي كانوا ضباطاً؟!

ولوقع الخيانة على القلوب البريئة، التي هي قلوبنا، فقد كنا نعتبر أن كل الجرائم تهن بجانب خيانة عرابي في التل الكبير، والآن وقد احتشد القوم في الخليج ضد قطر يلصقون بها كل اتهام، فأردت فقط أن أذكر، بأنهم قد فاتهم أمر عظيم، وهو اتهامها بأنها خانت عرابي في التل الكبير!

فعندما تنشر الدول التي تقوم بحصار قطر أن الدوحة متورطة في محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا في سنة 1995، ومحاولة اغتيال الملك عبد الله، ملك المملكة العربية السعودية، فلابد أن تتسع القائمة لاتهام قطر بأنها وقفت وراء عملية اغتيال عمر بن الخطاب، والدليل أنها استضافت أبو لؤلؤة المجوسي في قناة الجزيرة. وأنها مسؤولة عن اغتيال الرئيس السادات، وأنها من استولت على الجزر الإماراتية: طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى، وهي مسؤولة عن الاحتلال الإنجليزي لمصر، فبخيانتها عرابي في التل الكبير، فقد تمكن الجيش الانجليزي من الجيش المصري وأوقع به هزيمة، مكنت الإنجليز من احتلال المحروسة!

عندما صدرت قائمة الإرهاب المتهمة قطر بإيوائه ودعمه، قلت إن القوم في العربية السعودية والإمارات قد أصيبوا بـ"الخفيف"، فلا يعقل في قضية كبرى استخدم فيها الحصار وسلاح التجويع لقطر، حكومة وشعباً ووافدين، أن يجرى الاستخفاف حد أن توضع قائمة تضم معتقلاً في مصر منذ عامين، كما تضم من لا يعيشوا في الدوحة مثل المعارض الإماراتي حسن الدقي، والمصري محمد شوقي الإسلامبولي، ومما يؤسف له أن يجري الاستخفاف إلى حد اتهام قطر بأنها مولت عملية محاولتي اغتيال مبارك، وعبد الله، دون أن نعرف السر الدفين وراء عدم ذكر هذا سوى الآن، ومع أن مبارك عقب محاولة اغتياله بسنوات زار الدوحة: "صافي يا لبن حليب يا قشطة"، فضلاً عن أن "عبد الله" كان يمد جذور الصلة بقطر، والعلاقة بينه وبين أمير دولة قطر كانت كـ "السمن على العسل"، ولدرجة أن عبد الله عندما طلب إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، تمت مجاملته بإغلاقها، وجاء شقيقه الملك سلمان إلى الدوحة، وسافر الأمير تميم إلى السعودية، وكان واضحاً أن صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين قد فتحت!

فكيف حدث هذا وقطر وقفت وراء محاولتي اغتيال عبد الله ومبارك، ولماذا يقال هذا الآن؟ وبعد القرار الموتور بفرض الحصار، فهل تحرك محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ليأخذا بالثار؟!

لقد قرأت ما نشرته قناة "سكاي نيوز" في محاولتها تعليق الاتهام بمحاولة اغتيال مبارك في سنة 1995، برقبة قطر، فشعرت بدوار البحر وأنا أقف على اليابسة!

فحسب ما نشر أن محاولة اغتيال مبارك، قام بها تنظيم القاعدة، وهذا التنظيم آواه في السودان الشيخ الترابي، والمتهم بعملية الاغتيال هو "أنعام أرناؤوط" من أصول سورية وينحدر من مدينة حماة التي كانت تعد معقلاً لإخوان سورية، وأن من مولت العملية ومولت تنظيم القاعدة، هى مؤسسة قطر الخيرية.

وبعد هذا "الكوبليه" لا يمكنك إلا أن تهتف: يا مثبت العقل والدين، فقد أجهدوا أنفسهم في التأليف ونسوا أن محاولة اغتيال مبارك قام بها تنظيم الجهاد المصري، والذي اعترف بذلك، وليس الأمر سراً، ولا علاقة للتنظيم بالقاعدة، أو بحسن الترابي، ولا شأن له بقطر الخيرية. وأي عضو في الجماعات الإسلامية يمكن أن يحكي ببساطة تفاصيل عملية اغتيال مبارك، والمتهمون مصريون أبا عن جد، ولم ينحدر أحدهم من حماة، وليس منهم "إنعام أرناؤوط"، أو "إنعام سالوسة"، وبعد ثورة يناير أثيرت قضيتهم لأنهم لا يزالون في السجون الأثيوبية وكانت هناك محاولات للتدخل للإفراج عنهم لم أتابعها!

لكنه الإفلاس، من قوم لم يجدوا ما يقولونه وبإذاعتهم قائمة الإرهاب، وجدوا أنفسهم وقد صاروا مروجين ومنتجين للمسخرة، فبحثوا عن طريق آخر، فكانوا كالسمكة التي دخلت الشباك، وفي محاولتها للإفلات منها، تقوم بلفها حول نفسها بشكل أكثر إحكاماً. 

إنهم يذكروننا بقصة فيلم "الإرهاب والكباب"، فسبب الروتين، وجد عادل إمام نفسه في مجمع التحرير، وقد تحول بقدرة قادر إلى زعيم تنظيم إرهابي، وجاء وزير الداخلية بقواته ليحاصر الموقع، ودخل في مفاوضات مع الإرهابيين، وعندما سأل الوزير عن طلباتهم، وجدوا أنفسهم في "ورطة" فما هى طلباتهم فعلا؟!.. فكان مطلبهم الذي رفعوه على قاعدة "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، هو "الكباب الكباب"، فوجبة كباب لكل من أعضاء التنظيم هى كل ما يطالبون به.

لقد قالوا في بداية فرض حصارهم على قطر، لأنها تأوي الإرهابيين دون إثبات تهمة الإرهاب على أي ممن وردت أسمائهم في "القائمة المسخرة"، فلما وجدوا أنفسهم في موضع تندر، كان الاتهام بالضلوع في محاولتي اغتيال مبارك وعبد الله، فإذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة، مع أن الأكثر إثارة أن تتهم الدوحة بخيانة عرابي في التل الكبير!

بيد أن قطر أثبتت في هذه المعركة، أنها ليست دولة يمكن اللعب بها، وقد ظن "الغشيم" في أبي ظبي والرياض أنه يمكن أن يلعبا بها "كرة شراب"!  (مثنى الغشيم ثقيل كتابة وقراءة ثم أنهما اثنان في واحد). 

لقد كشفت قطر أن المتورط في محاولة اغتيال الملك عبد الله يقيم في أبو ظبي حيث يحكم "الغشيم محمد بن زايد"، وأنه حصل على اللجوء هناك، فلماذا تمنح أبو ظبي اللجوء لمن حاول اغتيال الملك عبد الله؟، والذي وإن كان من ليبيا فقد ذكرنا بمحاولة اغتيال وزير الخارجية السعودي في القاهرة سعود الفيصل، من قبل ليبيين أيضا في عهد مبارك، وبعد نشر المحاولة لمدة يومين في وسائل، تمت تسوية الموضوع ولم يقدم الجناة حتى للمحاكمة، وغضت السعودية الطرف عما جرى لأسباب لا تعلمونها الله يعلمها!

ومع هذا الإفلاس، فلا نستبعد أن يقف "الغشيم"، أس تربيع، معاً ويهتفا بأهم مطلب لهما:
"الكباب .. الكباب"!