مقابلات

قيادية إسلامية بالجزائر لـ"عربي21": حذرنا من الربيع العربي

عبرت بلحجار عن ثقتها بالفوز بالأغلبية إذا لم يحصل تزوير - عربي21
نائبة رئيس البرلمان الجزائري السابقة عائشة بلحجار والمرشحة الحالية عن حركة مجتمع السلم لـ"عربي21":

• نسعى لحصد أغلبية مقاعد البرلمان إذا لم يحدث تزوير في الانتخابات.

 • نصحنا الإسلاميين بدول الربيع العربي للاتعاظ بما حدث لنا قبل ثلاثة عقود

• ثبات إخوان مصر على المواجهة السلمية لانقلاب قرار صائب ومؤلم

رأت عائشة بن دهمان بلحجار، القيادية في حركة مجتمع السلم الجزائرية والبرلمانية المخضرمة، أن الشعب الجزائري "لم ينبهر بالربيع العربي" ولم يتفاعل معه وأدرك الفخاخ المنصوبة من قبل الدولة العميقة"، مشيرة إلى أن الجزائر عاشت تلك الاجواء مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وقالت، في مقابلة خاصة مع "عربي21"؛ إن الإسلاميين في الجزائر توجهوا بالنصح لقيادات الحركات الإسلامية وخاصة الاخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا واليمن، حتى يكونوا حذرين في التعامل مع الثورة، ويتعلموا الدرس الجزائري.

وأشادت بلحجار بثبات حركة الإخوان المسلمين في مصر نهج المواجهة السلمية مع العسكر المنقلبين، مؤكدة أنه قرار "مؤلم للغاية ولكنه سيثمر على المدى الطويل وسيسجل التاريخ لهم ذلك".

وأشارت إلى الانتخابات البرلمانية الجزائرية التي تجري في الرابع من أيار/ مايو المقبل، وقالت إن تحالف حركة مجتمع السلم وكتلة التغيير (الإسلاميتين) يستهدف حصد الأغلبية في هذه الانتخابات، لا سيما أن التحالف قدم مرشحين لكافة المقاعد البرلمانية.

وفيما يأتي نص الحوار:

* ما هي استعداداتكم للانتخابات البرلمانية في الجزائر.. وما حدود طموحكم فيها؟

- الانتخابات النيابية في الجزائر من المقرر أن تجرى يوم 4 أيار/ مايو للمنافسة على 462 مقعدا في عموم الجزائر.. ونحن الحزب الوحيد الذي ترشح في جميع الدوائر بنسبة 100 في المئة، ونسعى لأن نحصل على الأغلبية في هذه الانتخابات، ونتمنى ألا يكون هناك تزوير، وساعتها سيكون من السهل تحقيق الأغلبية..

وشعارنا في الانتخابات هو "النماء والهناء"، ونستهدف المشاركة الفعلية في الحكومة القادمة، حيث سبق وشاركنا بسبع حقائب وزارية بحكومة 1997 - 2002، كما شاركنا قبلها بحقيبتين وزاريتين، وكذلك بعدها من خلال حركة مجتمع السلم "حمس" التي تعد تجربتها رائدة في مشاركة إسلاميين جزئيا في الحكومة وليس في الحكم، على مستوى العالم الإسلامي. ودخلنا فعلا دولاب الدولة انطلاقا من إيماننا بالتدرج في ممارسة الديمقراطية، وبأن الجزائر حررها الجميع ويجب أن يبنيها الجميع.

 * ماذا تعنين بالتزوير.. هل يمكن أن يحدث ذلك؟

- بالطبع يحدث في أحيان كثيرة. وللأسف التزوير هو أكثر ما يسيء للعملية الانتخابية في الجزائر، ويتسبب في إصابة قطاع كبير من الطبقة الوسطى المهتمة بالسياسة بالإحباط واليأس، ونأمل أن يقف المخلصون في وجه التزوير هذه المرة إن شاء الله، لا سيما من لديهم غيرة وحرص على مستقبل الجزائر الحرة المستقرة المتطورة، ليختفي التزوير نهائيا أو على الأقل يكون بدرجة طفيفة.

* ما هي آخر تطورات مسألة اندماج مكونات حركة حمس؟

- الجزائر تشهد تحالفين لكتلتين في هذه الانتخابات.. الأول لجبهة التغيير مع حركة مجتمع السلم، والثانية لحزب العدالة مع حزب النهضة والبناء. ونحن الكتلة الاولى، والوحدة بيننا اندماجية، وهي شيء طبيعي. فنحن كنا في حركة واحدة وحزب واحد، ولم يكن هناك اختلاف فكري عميق، وتجمعنا نفس الأهداف، فكان من الطبيعي أن يتحد أبناء الحركة الواحدة مرة اخرى لإحياء مشروعهم لتحقيق هدف استراتيجي لخدمة المشروع الإسلامي، والجزائر بصفة عامة، ويكون لها تواجد قوي بالبرلمان.

* كيف تقيمون قضية انفصال الحزب عن جماعة الإخوان المسلمين؟

- في الحقيقة لم يكن بيننا اختلاف، ولكنه كان خلافا والحمد لله زال، وليس هناك عداوة أو خلافه. وقد عادت المياه إلى مجاريها مرة اخرى، ولا يوجد بيننا جدال حول موضوع الحزب والجماعة، والأمر غير مطروح عندنا في الجزائر، ولكل بلد تجربته الذاتية وليتصرف وفقا لطبيعة الاوضاع المحلية.

* كيف يدير الرئيس بوتفليقة شؤون الجزائر بهذا الوضع الصحي المتدهور؟ وكيف تتعاملون مع هذه المعضلة؟

- الرئيس بوتفليقة مريض، ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، ولكن منصبه لا يعتبر شاغرا، وإنما الجزائر تسير بمؤسساتها. ولا نقول إننا راضون عن طريقة التسيير بهذه الصورة، ولذا نحن ندخل الانتخابات على أمل أن يصبح لدينا قوة بالبرلمان نمد من خلالها أيدينا للسلطة الحالية كي نتعاون معا من أجل مصلحة الدولة الجزائرية التي تمر بمرحلة، نوعا ما، حرجة، ومخاض ينبغي لكافة الأطياف السياسية أن تكون على حذر حتى لا نقع في الفخ الذي وقعنا فيه من قبل؛ ويتزعزع استقرار البلاد.

* ما هي انعكاسات الربيع العربي على وضعكم في الجزائر؟

- لم تكن هناك أية انعكاسات.. فالجزائر عاشت أجواء الربيع العربي تلك قبل قرابة الثلاثين عاما، ومرت بكل تلك ظروف بلاد الربيع العربي في 1988/ فشهدت ثورة شعبية نتجت عنها إنتخابات ديمقراطية حقيقية فاز بها الإسلاميون، ولكن تم الانقلاب عليهم من قبل الجيش، وتزعزت الجزائر أمنيا، وقتل أكثر من 200 الف جزائري. ولذلك عندما جاء الربيع العربي لم ينبهروا في الجزائر به؛ بل توقع أغلب الجزائريين ما حدث من تطورات، ومن ثم سارعنا بتوجيه النصح للكثيرين من قيادات الإسلاميين في دول الربيع العربي، لا سيما مصر وتونس وليبيا واليمن، وتمنينا لو أنهم استمعوا لنصائحنا؛ إلا أنهم بدلا من ذلك كانوا دائمي السؤال لنا: متى سنلتحق بهم في الربيع العربي، متناسين أننا عشنا تلك الفترة من قبل. فكنا نرد عليهم بأن الثورة قامت عندنا وشبعنا منها حتى التخمة، وعليكم أن تتعظوا مما حدث لنا في الجزائر، ولم يستمع إلى النصح سوى إخوان تونس بقيادة الشيخ راشد الغنوشي.. الوحيد الذي استفاد من تجربة الجزائر.

* إلى من بالتحديد وجهتم نصائحكم من قيادات الحركة الاسلامية في المنطقة؟

- وجهنا نصائح إلى الكثير من قيادات الإخوان في مصر وليبيا وسوريا وتونس، ولكننا رأيناهم كانوا يعيشوين نشوة الفرحة الخادعة؛ ظنا منهم بأنهم انتصروا في معركتهم ضد الديكتاتورية المتجذرة في البلاد منذ عقود، لا سيما الإخوة في مصر، وكانوا يرونها مرحلة التمكين.. ولكنني كلما التقيت الكثيرين منهم كنت اُكرر نصيحتي وأسألهم: متى ستتعظون مما حدث مع ثورة الجزائر مطلع التسعينيات؟ وكنا نحذرهم من خطورة السعي لاستلام الحكم وخاصة الرئاسة، ولكنهم لم يستمعوا لنا، فكان ما كان للأسف الشديد. ولكنهم استمعوا لنا جيدا في قضية السلمية ونبذ العنف، إذ حذرناهم أيضا من خطورة الانجرار للعنف.. والحمد لله في مصر، بالرغم من الاستفزاز وممارسة القتل البشع ضد الإخوان ومؤيديهم من قبل الانقلاب، إلا أنهم تمسكوا بالسلمية رغم أنها مؤلمة جدا جدا.

* بماذا تنصحون الإسلاميين في مصر الآن بعد مرور ثلاث سنوات على الانقلاب؟

- ندعوهم لأن يتعلموا بأنه مهما حدث فلا مفر من التعايش المشترك، من خلال تجربتنا نحن في الجزائر؛ رغم وجود عائلات قُتل منها الكثير، وتعرف القتلة، ولكنها تنازلت وسامحت القتلة.. لم يكن أمام الناس حل سوى التسامح من أجل إنجاح المصالحة التي جعلتهم يتعايشون؛ لأن العنف والقتل وحمل السلاح دائرة مفرغة لا تنتهي، ولن توقف مسلسل القتل والثأر، بينما نحن مطالبون بتحقيق أهدافنا بالتعايش معا بالصبر والتضحة بأنفسنا ولا نضحي ببلادنا.

ويجب التاكيد بأن تبقى مصر للمصريين وتبقى هي مأواهم، وننصح كافة القوى وعلى رأسهم الاخوان أكبر المتضررين والمظلومين من الانقلاب، بالسعي لمصالحة وطنية حقيقية كريمة. ونسأل الله أن يقويهم على تحمل هذه الأزمة، وان يفرج عنهم وعن أسراهم ومعتقليهم.. فيجب أن يُفتح باب المصالحة في أسرع وقت، حتى يقف نزيف الانهيار للدولة المصرية، واليوم قبل غدا؟ ولو أن أي طرف بيده أن يفتح باب المصالحة فليبادر، ولن يكون في هذه الحالة انهزاميا أو ضعيفا أو خانعا أو متخاذلا، ولكن الذي يبادر بمصالحة في مثل هذه الظروف هم الاقوياء الذين يقدمون التضحية بشموخ عندما يمدون أيديهم من أجل الحفاظ على مصر ودماء المصريين.

* وماذا عن منهج العسكر الانقلابيين؟ 

- نموذج العسكر في مصر الآن وبكل صراحة لم نر لهم شبيها في أي من دول العالم، فلا يمكن مقارنتهم بعسكر الجزائر أو عسكر دولة أخرى، وذلك ربما لمجاورتهم الصهاينة وانغماسهم في التطبيع معهم، فهم متصهينون بدرجة غريبة. ولكني أقول إذا يمكن إجراء مصالحة كريمة، فلا تتوانوا عنها.

* ماذا تقصدين بالمصالحة الشاملة في مصر؟ هل تعني التسليم للعسكر المنقلبين؟

- أبدا لا أعني ذلك، ولكن المصالحة تعني التفاهم على مصلحة الوطن المشتركة بين كافة الأطراف، بمن فيهم العسكر، وأن يتعاون أبناء مصر من عسكر وحكومة ومجتمع مدني وقوى سياسية إسلامية وليبرالية ويسارية وعلمانية ومستقلة؛ بالطرق السلمية، على أن يكون هناك تغيير سلمي والاتفاق على آلية للانتقال السلمي للسلطة في المدى المنظور.

والمصالحة تعني السعي لتغيير الوضع المتدهور ووقف حالة الفلتان والانهيار.. ولا يمكن لمصر التي أصبحت اليوم منهكة وضعيفة، ولا نرى لها تاثير إيجابي في المنطقة، أن تظل طويلا على هذه الحالة، ولا بد ممن يبادر لإيجاد حل لهذا الوضع المتأزم، ويقع الأمر على عاتق الجميع عسكر وقوى سياسية مدنية رافضة للانقلاب.

ولا نستطيع أن نوجه اللوم للإخوان الذين أرادوا أن ينتشلوا شعب مصر وينهضوا به من هذا الوضع السيئ إلى وضع أفضل، وأُحيي فيهم روح التضحية والصبر والثبات، وأنه رغم كل ما مورس عليهم من اعتقال وتعذيب وتقتيل ظلوا متمسكون بسلميتهم.. وهذا الأمر ليس بالشيء البسيط ولا يمكن الاستهانة به؛ بل هو قمة العطاء لمصر وسيشهد لهم التاريخ وسيكتب الله هذا في ميزان حسناتهم، وإن كان لمصر خير في المستقبل فسيكون بسبب ما قدمه الإخوان لمصر بسلميتهم تلك.

* في الحالة الجزائرية.. هل القيادات العسكرية التي انقلبت ومارست الاعتقال والقتل هي ذاتها التي شاركت في المصالحة؟

- أولا، لا يوجد هناك دليل قاطع أو ملموس على أن العسكر في الجزائر هم من مارس القتل، وإن كان الجيش بالفعل هو من انقلب على الانتخابات وألغى إرادة الأمة، ونزل للشارع لمنع المظاهرات، واعتقل آلالاف، ومارس التعذيب والقمع.. ولا ننكر هذا كله، أما التقتيل والعمل الإرهابي فلا يوجد دليل قاطع ملموس مرئي على أن الجيش الجزائري هو من ارتكبه.

كما اننا بالطبع كنا دائما ضد فكرة "من يقتل من"، وظهرت آنذاك مجموعات مسلحة وانتشرت في الجزائر بصورة مريبة، ولجأت للجبال ومارست القتل البشع والإرهاب، ولا نعرف كيف ومتى تأسست، ولا كيف تمول. وكنا في حركة "حمس" بقيادة الشيخ محفوظ نحناح - رحمه الله - أول من أدان هذه الممارسات واعتبرناها عمل إرهابيا إجراميا "خنجرست". ومن العجيب أنه في نهاية العشرية السوداء؛ كثير من أعضاء هذه المجموعات الإرهابية التي مارست القتل أصبحت أسماؤهم معروفة بشخوصهم، ومنهم من قُتل ومنهم من سُجن، ومنهم من استفاد من العفو الشامل والمصالحة، ومنهم من تراجع وندم.

ويبقى كلمة للتاريخ، وهي أن السلطة الجزائرية بحكوماتها ومؤسساتها وعسكرها مدت يدها للمصالحة مع جميع أبناء الجزائر، ونتمنى من عسكر مصر أن يخطو هذه الخطوة، وأن يمدوا أيديهم لجميع ابناء الشعب المصري، لا سيما وأن الوضع عندهم مقارنة بالجزائر أسهل عليهم بكثير ذلك؛ لأن الإخوان لم يتورطوا في أعمال عنف أو قتل وإرهاب.. هذا إذا ما كان الحكم العسكري في مصر يريد إخراج مصر مما هي فيه.

* وهل في هذه الحالة من يمد يده للمصالحة، سواء من الإخوان أو غيرهم من القوى السياسية يعد خائنا؟

- أبدا لا يمكن القول بذلك.. وهو حسب الأهداف التي يتم علي أساسها المصالحة، وإذا قسنا على تجربة الجزائر بعد العشرية السوداء وما شهدته من قتل حوالي ربع مليون جزائري، فما كان على الطبقة السياسية في الجزائر بمختلف اطيافها إلا أن مدوا أيديهم للمصالحة مع النظام؛ حتى يوقفوا حمامات الدم وتستعيد الجزائر مكانتها. وأذكر قول مؤسس الحركة محفوظ نحناح: "إننا لا نريد صوملة ولا أفغنة الجزائر، ولكننا نريدها دولة قوية متماسكة". وذلك لا يُعتبر خيانة مطلقا.. طبعا هناك شروط وضوابط وأهداف وطرق حتى تنجح المصالحة، وأهمها أن الجميع يجب أن يتنازل للجميع، وأن يكون هناك تسامح متبادل.