قضايا وآراء

تداعيات الاستفتاء التركي على الثورة السورية

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
لا شك أن نتيجة الاستفتاء المتعلقة بالتعديلات الدستورية في تركيا؛ ستنعكس على الثورة السورية.

فلم يعد خافيا ارتباط الثورة السورية في كثير من مفاصلها بتركيا، ويبرز ذلك واضحا في ثلاثة جوانب؛ فمن الجانب الإنساني تحتضن تركيا قرابة ثلاثة ملايين لاجئ، أمنت لهم العلاج والتعليم أفضل من بلدهم الأصلي، وسمحت لهم بدخول سوق العمل، كما تعمل الحكومة التركية حاليا على منح الجنسية لأعداد كبيرة من السوريين، ناهيك عن قوافل المساعدات الخيرية التي تقدمها الحكومة والجمعيات التركية أو تلك التي تدخل عن طريق المعابر التركية، وكل ذلك دعم مباشر للثورة، ولاستمرار الحياة في المناطق المحررة.

أما على الصعيد السياسي فوضعت الحكومة التركية دعم الثورة السورية على سلم أولوياتها، فحملت قضية السوريين للمحافل السياسية الإقليمية والدولية، ودافعت عنها، وكانت منصة حرة للمعارضة السورية، ومنبرا للناشطين والمدافعين عن الثورة السورية.

وفي الشق العسكري، لا ينكر الدعم التركي للفصائل الثورية، حتى بات دعم الثوار جزءا من الأمن القومي التركي، وتجلى ذلك في عملية "درع الفرات" وربما يتجلى في عمليات مشابهة لاحقا، كما أوضح المسؤولون الأتراك، رغم بعض الانتقادات في الجانيين العسكري والسياسي من بعض الأطراف.

ولكن رغم ذلك الدور لا ينبغي الذهاب بعيدا، وانتظار الحل السحري من تركيا بعد الاستفتاء. فتركيا في نهاية المطاف دولة إقليمية تتحرك ضمن الإمكانات الداخلية والمعطيات الدولية، كما سنرى.

فقد كشف تسلسل الأحداث أن حكومة العدالة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان كانت مكبلة داخليا بقيود منعتها من أخذ شوط بعيد في دعم الثورة السورية، واتضح ذلك بالانقلاب العسكري الذي صب لاحقا في تعزيز التجربة الديمقراطية، حيث تم التخلص من أركان الدولتين العميقة والخفية اللتين كبلتا الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وكشفت الأحداث المتوالية في تركيا ارتباط طيف واسع من القوى السياسية المعارضة بالغرب الأوروبي الحاقد على دور تركي مستقبلي متعاظم على المستوى العالمي، كما يرى مناصرو حكومة العدالة والتنمية.

ومن هنا نعتقد أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية يعطي دفعا لحكومة العدالة في سياسة دعم الثورة السورية، ولا سيما أن ذلك يتزامن مع انفراجات سياسية على الصعيد الدولي، إذ وصل للبيت الأبيض رجل يحرص على بناء علاقات قوية مع تركيا، ويؤمن بدورها الإقليمي في المنطقة. ويلاحظ المتتبع أن تهنئة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستفتاء تأتي معاكسة لتيار المواقف الأوروبية، وذلك سيدفع الدول الأوربية حتما لتخفيف حدة العداء والنبرة الهجومية تجاه أردوغان وحكومة العدالة.

فالاستفتاء يخول حكومة أردوغان المضي بسياسيتها الخارجية بأريحية، ولا سيما أنها الدولة الوحيدة التي تستطيع الإدارة الأمريكية الاعتماد عليها في إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وخاصة سوريا، كما أن الغرب في نهاية المطاف محتاج لتركيا لصد الحلم الإمبراطوري الروسي الذي بات يؤرق صناع السياسة في الغرب.

وأمام هذه المعطيات يتوقع أن يكون الصيف ساخنا في سوريا، إذ سوف تتسارع الأحداث وتتضح خطوط الحل، وهذا ما يفسر الهجمة الشرسة لقوات النظام ومليشياته الطائفية المدعومة بالطيران الروسي، إذ يخشى النظام والروس والإيرانيون حاليا من ثلاثة أمور:

- ازدياد الدعم العسكري للفصائل الثورية وتقديم السلاح النوعي بما يسمح بقلب الطاولة، واستشعروا ذلك في حديث الملك الأردني في زيارته للولايات المتحدة عن اقتراب إيران والميليشيات الطائفية من حدود الأردن، وارتباط ذلك الحديث بمعارك "حي المنشية" الاستراتيجي.

- السعي فعليا لإقامة مناطق آمنة، فرغم الانتصارات العسكرية والتقدم الميداني الذي حققه النظام والقوات الداعمة له، فإنه يدرك أن المناطق الآمنة لن تكون هدفا بل وسيلة لهدف أبعد.

- مشاركة الفصائل الثورية أو تركيا في معركة الرقة، وذلك يعني أمرين مهمين: سحب ورقة محاربة "الإرهاب" من يد النظام، وإثبات شرعية الثوار من جهة، ومنع سيناريو التقسيم الذي قد يلجأ له النظام كخيار أخير لبقائه.

ويحتاج الفعل التركي لرافعة أمريكية بعد أن خلصه الاستفتاء من القيود الداخلية، وتبدو الحكومة التركية واثقة من دورها المستقبلي المدعوم بحاجة الولايات المتحدة لها. فالعالم، كما أوضح الزعيم السوفييتي السابق غورباتشوف، مقبل على حرب باردة، وقد يكون قصف الشعيرات في سوريا، والحديث الأمريكي أن الوقت قد حان لـ"محادثات حازمة" مع روسيا بشأن سوريا بشريات لدور تركي أكثر فاعلية في الملف السوري، ما لم ينقلب ترامب "غريب الأطوار" على حلفائه، ويأتي بمشروع جديد يبعد الحل، ويطيل أمد الصراع.
التعليقات (0)