قضايا وآراء

سرّ الركود الأمريكي في الملف السوري

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
يثير الصمت الأمريكي حيال الملف السوري عددا من علامات الاستفهام والتعجب حول حقيقة هذا الصمت والخفايا التي يخفيها، فأمريكا لا تستطيع الوقوف متفرجة إزاء ملف أخذ بعدا إقليميا ودوليا، ويمس أهم حليف للولايات المتحدة، "إسرائيل"، ويتورط فيه أشرس عدوين لها: إيران، وتنظيم الدولة.

ويُستَبعد بالتالي أن يكون هناك ركود في الموقف الأمريكي، وما يظهر لنا على أنه ركود قد يخفي خلفه جملة من العواصف التي تنتظر اللحظة المناسبة، تماما كالجمر تحت الرماد.

ولا يعني ذلك امتلاك الولايات المتحدة مفاتيح الحل كاملة. فالسلبية التي تعامل بها أوباما مع الملف السوري أدت لتشعب القضية، وكثرة اللاعبين الفاعلين، وعبّر ترامب في حملته عن ذلك من خلال إظهاره استيائه من التدخل الروسي الذي حدث في عهد أوباما، فقال إنّ الوقت متأخر جدا، جوابا على إمكانية عمل الولايات المتحدة شيئا ما في الملف السوري.

وكلمة "الوقت متأخر جدا" تفسر لحد بعيد الركود الأمريكي، فـ"الوقت المتأخر" يضطر السياسة الأمريكية في عهد ترامب للاعتراف بالدور الروسي في سوريا، بل والمصالح الروسية، دون التخلي عن الثوابت التي طرحها ترامب في حملته الانتخابية، وما يزال يطرحها.. ثوابت تقوم على محاربة تنظيم الدولة والقضاء عليه، وتحجيم إيران، وحماية أمن إسرائيل، وإعادة العلاقات لمجاريها مع الحلفاء التقليديين.

ويلحظ المتتبع أنّ السياسة الأمريكيّة - رغم الركود الظاهر - تعمل على هذه المسارات الأربعة بشكل متوازٍ، فتسارعت وتيرة الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا معا بهدف استئصال تنظيم الدولة نهائيا، ووصل عدد القوات الأمريكية في سورية قرابة 2000 مقاتل تمهيدا لمعركة الرقة التي باتت على الأبواب بانتظار الطرف المناسب للمعركة. ويبدو أنّ الاختيار وقع على قوات الحماية الكردية المُطَعَّمة بعناصر عربية، وهنا تجهد الولايات المتحدة لإحداث توافق الحد الأدنى مع الأتراك الذين يعدّون قوات الحماية جزءا من حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيا.

ولا شكّ أنّ ما بعد الرقة سيغير قواعد اللعبة، ولا سيما فيما يتعلق بالثابت الثاني، إذ سيشكل لحظة مفصليّة بعلاقة الولايات المتحدة مع روسيا في الملف السوري.

ففيما يتعلق بالثابت الثاني المرتبط بتحيجم إيران في المنطقة، تفضل إدارة ترامب إعطاء الوقت المناسب للروس لإخراج المليشيات الطائفية من سوريا، ممّا يعني عمليّا إخراج إيران. ويأتي تسريب صحيفة "إيزفيستا" الروسية حول بحث روسيا تركيا إيران في "أستانا 3" مسألة انسحاب "المجموعات الطائفية"، وفي المقدمة حزب الله من سوريا في هذا السياق.

وثمة مؤشرات دولية وداخلية تبيّن أنّ الأمور تسير في هذا المنحى. فللمرة الأولى يصرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أنّ عبور حزب الله لسورا خرق لقرار مجلس الأمن رقم 1701، أما داخليا فيسعى الروس لتجنيد أكبر عدد من السوريين في جيش الأسد لترميمه، تمهيدا للاستغناء عن المليشيات لإدراك الروس أن النظام لن يصمد دون المليشيات الطائفية.

أمّا الثابت الثالث المتعلق بالأمن الإسرائيلي، فتوضحه الغارات الإسرائيلية المتكررة على الجانب السوري، سواء تلك التي تستهدف مواقع النظام وحزب الله، أو شحنات السلاح الموجهة لحزب الله. ويلاحظ هنا الاختراق الاستخباراتي الكبير للنظام السوري، ولا يُستبعد هنا الدعم الاستخباراتي الأمريكي والروسي لإسرائيل، إذ تمكنت طائرة من دون طيار من قتل قيادي بارز في الدفاع الجوي السوري في القنيطرة بعد يومين من الغارات الإسرائيلية، وتزامن ذلك مع تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي نيّة بلاده تدمير منظومة الدفاع الجوي السوري في حال أعاد نظام الأسد استهداف الطيران الإسرائيلي.

ويأتي الاعتراض الروسي على الغارات الإسرائيلية لحفظ ماء وجه النظام السوري، فالصواريخ الروسية قادرة على منع الغارات الإسرائيلية، لكن ثمة اتفاق روسي أمريكي إسرائيلي على إخراج إيران، واستهداف حزب الله جزء من المخطط بعد أن قام بمهمته كاملة في سوريا، وبالتالي يتوقع ازدياد الغارات الإسرائيلية لمواقع الحزب، وربما يشمل ذلك أيضا استهداف قيادات بارزة.

أمّا الثابت المتعلق بالحلفاء التقليديين، فيعبر عنه اتصال ترامب بالرئيس التركي والملك السعودي بُعَيد تسلمه مهامه، فضلا عن زيارة ولي ولي العهد السعودي للبيت الأبيض، وارتياح الخليجيين عموما لتعيين ترامب طاقما سياسيا وعسكريا معاديا لإيران.

ورغم أنَّ الثوابت الأمريكية لا تستهدف دعم أي طرف من الأطراف المتصارعة في سوريا، سواء أكانت المعارضة المسلحة أو النظام السوري، لكنّها تصبُّ في النهاية لصالح الثورة السورية.

فالتزام أمريكا بالثابتين الأوليين (القضاء على تنظيم الدولة، وتحجيم إيران) يؤدي فعليّا لانهيار نظام الأسد، فالقضاء على داعش يسقط ذريعة النظام، ويسحب البساط من تحت الروس. كما أنّ الفضل بالانتصارات التي يحققها النظام يعزى للمليشيات الطائفية والدعم الجوي الروسي.

وفي حال رفض إيران والنظام السوري خروج المليشيات الطائفية سنقف أمام احتمالين يخدمان الثورة أيضا، الاحتمال الأول حدوث تصدُّع بالتحالف الإيران الروسي قد يتطور لاحقا لصراع ولا سيما أنّ الفرصة الأمريكية للروس ستنتهي بمجرد القضاء على تنظيم الدولة، الاحتمال الثاني موافقة روسيا على بقاء المليشيات الطائفية إرضاء لإيران، وهنا ستتحرك العواصف الأمريكية المختبئة وراء مشهد الركود الأمريكي.
التعليقات (0)