كتاب عربي 21

اعلان "خلافة" داعش… ماذا بعد؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
لا يمكن الجزم الان بأن اي احد يدرك بشكل دقيق استتباعات زلزال توغل داعش في وسط العراق وشماله ثم إعلانه "الخلافة". ما يمكن ان نفعله هو ان نتحسس بعضها. فيما يلي جرد لبعض الافكار:

• استمرار المؤشرات على استهداف داعش لحقول النفط بوصفها ورقة ضاغطة رئيسية في توازنات الصراع في المنطقة. حسب "المرصد السوري لحقوق الانسان" (مصدر موثوق الى حد ما في المعطيات الميدانية في سوريا ولا يمكن ان نعتبره مقربا من داعش) فإن التنظيم استطاع السيطرة على حقل "العمر" النفطي والموصوف بأنه "من اكبر الحقول النفطية في سورية" (ينتج 75 الف برميل نفط يوميا) والواقع تحديدا بمحافظة دير الزور السورية اثر انسحاب تنظيم "جبهة النصرة" (الموالي للقاعدة) وحلفاءه منه.  هذا التوجه الذي أكدنا عليه في مقال الاسبوع الفارط حول استهداف داعش لحقول نفطية في انحاء مختلفة في العراق وخاصة محطة تكرير النفط الاكبر فيه (محطة بيجي) يشمل الآن الجانب السوري. سيطرة داعش على جملة من مواقع النفط بوصفه معطى استراتيجيا رئيسيا يجعل إعلان "الخلافة" ليس مجرد بيان فضفاض بل مقدمة حرب طويلة الامد.

• رغم تواصل توسع سيطرة داعش على مناطق مختلفة من العراق ومن ثمة تركيزه الرئيسي على العراق إلا ان حضوره في سوريا لم يتقلص بل بصدد التوسع. الاثر النفسي للاختراق الذي حققه التنظيم في العراق انعكس على الوضع السوري من خلال إما انسحاب او استسلام تشكيلات مسلحة في عدد من الارياف والمناطق من بوكمال (وسط شرق على الحدود العراقية) الى عين العرب (شمال شرقي حلب على الحدود التركية) بما يقسم سوريا الى نصفين. وهذا انعكس في اعلانات لتشكيلات محلية تتبع تنظيمات معادية لداعش خاصة "جبهة النصرة" و"جيش الاسلام" بما يمثل اختراقا لها. 

• مما لا شك فيه أن التركيبة التنظيمية لداعش وتحالفاته العشائرية عراقية بالاساس. الاعلان عن اسم "الخليفة" ابراهيم البدري السامرائي المعروف باسم "ابو بكر البغدادي" وهو المنتمي لعشيرة "البدري" على أساس ان لها اصولا قرشية عربية في مدينة عربية سنية اساسا هو التعبير الاقصى عن التقاطع بين العشائري والديني في تركيبة داعش. وهي حالة غير معزولة عن بقية القيادات المعروفة للتنظيم وفيما يلي بعضها: ابو أحمد وليد جاسم العلواني وهو ضابط سابق في الجيش العراقي وعضو المجلس العسكري لداعش وينتمي الى قبيلة البوعلوان المتمركزة خاصة في محافظة الانبار. أبو فاطمة الجحيش واسمه الحقيقي نعمة نايف الجبوري والذي تولى مهاما قيادية في التنظيم من الجنوب الى الشمال وينتمى الى قبيلة كبيرة في العراق  عشائر الجبور المتواجدة في مناطق مختلفة من البلاد وخارجها. هذا اضافة الى قادة آخرين في العراق وسوريا مثل عدنان اسماعيل نجم المرعوف البيلاوي وحجي بكر واسمه الحقيقي سمير الخليفاوي وجلهم ضباط سابقون في الجيش العراقي ومن عشائر سنية عراقية. ما يمكن ان يُذكر هنا هو أن استراتيجيا التنظيم تبدو حريصة في السياق العراقي على ربط علاقات قوية بالعشائر وهو ما يمكن تفسيره اساسا بوجود مجموعة قيادية مهمة على رأس التنظيم من اصول عراقية ومن عشائر معروفة.

• حتى الآن يبدو التنظيم حذرا في طريقة تسييره للتجمعات السكانية الكبيرة التي اصبحت تحت سيطرته وعلى رأسها الموصل. اذ توجد مؤشرات على اختلاف في ادارة الوضع عما كان عليه تصرف داعش في مدن سورية كبيرة مثل الرقة. في تقرير صدر هذا الاسبوع عن التلفزيون الالماني "دوتشيه فيلي" عن الوضع في الموصل بعد سيطرة داعش عليها يلاحظ تردد التنظيم في كيفية التعامل مع قرى في محيط الموصل ذات اغلبية سكانية شيعية فيها (مثل قرية "القبة" على سبيل المثال) اذ لا توجد سياسة واحدة في التعامل معها بين مطمئن لاستمرار اداء الشيعة لطقوسهم وتدمير حسينيتاهم بداعي الانتقام من تنظيم شيعي متشدد ("عصائب أهل الحق"). 

• الحشد الطائفي على اشده وينذر باننا بصدد منازلة طائفية غير مسبوقة. السياسة الطائفية لحكومة المالكي في مواجهة التطرف الطائفي لداعش يتم تعوضيها وبدون مسحيق بجيش طائفي شيعي اثر ما سمي بفتوى إعلان "الجهاد الكفائي" والإعلان عن تأسيس الموالين للتيار الصدري "سرايا الاسلام" المكلفة حماية المقدسات ودور العبادة الشيعية. يضاف الى ذلك التصريحات الايرانية الرسمية والتي إن لم تتحدث عن حضور مباشر ايراني فإنها تعكس نوايا ايرانية في التأثير بقوة في مجريات الاحداث. 

• اكراد العراق يتحسسون مجال نفوذ جديد مع انهيار القوات التابعة للمالكي. تصريحات البرزاني الاخيرة والتي يعيد فيها طرح موضوع الاستفتاء حول "حق تقرير المصير" انعكاس لموازين القوى الجديدة في الواقع حيث ان الطرف العسكري الوحيد القادر على مواجهة داعش في شمال العراق وغربه هي البيشمركة سواء في معرك كركوك او الحدود السورية العراقية. يضاف الى ذلك نفوذ الاكراد في شمال شرق سوريا في محافظة الحسكة الذي عوض عمليا اي دور للحاكمين في دمشق. 

• بعيدا عن العراق وسوريا فان استتباعات ما يحدث تتعلق خاصة بردود فعل الاطراف المحسوبة على "السلفية الجهادية" ومدى استعدادها للتفاعل مع دعوات البغدادي للهجرة الى دولته. الواضح ان انتصارات داعش لم تحسم الصراع بينها وبين القاعدة. بل تنذر بمزيد توسعه. بيان ابو محد المقدسي احد ابرز منظري التيار والتي رفض فيها اعلان "الخلافة" واعتبر ذلك مدخلا لمزيد الصراع بين "الجهاديين" تعكس قلقا كبيرا من قبل المدافعين عن التيار "الاممي" للتيار في مقابل المركزية العراقية فيه ممثلة في داعش. 

-البيان المنسوب لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" والذي "يبارك" لكن دون ان يقوم لاعلان "الولاء" و"البيعة" للبغدادي يعكس مرونة تكتيكية تحاول استيعاب تأثير تقدم داعش دون الخضوع اليها. وعموما بالنسبة لمنطقتنا المغاربية فإن دعوة البغدادي للهجرة الى دولته يعزز توجه انكماش داعش في سياقها العراقي والسوري على اقصى تقدير وتوجيه قدراتها الاممية خاصة من خلال المقاتلين الاجانب، والتونسيون طرف اساسي في ذلك، نحو السياق العراقي-السوري وهو ما يقوض التنظيرات السطحية حول انشاء "دول" على وزن داعش في الظرف الراهن. فمعركة البغدادي تتركز في الدولة الاقليم الان وليس في تركيبة اممية لامركزية بما يحيل مثلما اشار بعض المحللين الى الصراع التاريخي بداية القرن العشرين بين انصار الاممية التروتكسية وبناء الاشتراكية في دولة محددة بقيادة ستالين. 
التعليقات (1)
riadh ahmed
الإثنين، 07-07-2014 03:00 ص
très bien un bon article