حقوق وحريات

تفاصيل ملحمة الروهينجا المأساوية في جنوب شرق آسيا

مأساة الروهينجا منذ 2017 وصلت إلى طريق مسدود تمامًا- جيتي
مأساة الروهينجا منذ 2017 وصلت إلى طريق مسدود تمامًا- جيتي
نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية، تقريرًا، تحدثت فيه عن مأساة الروهينجا في جنوب شرق آسيا، في إشارة إلى التحديات الهائلة التي يواجهها هؤلاء اللاجئون، الذين فروا من الاضطهاد في ميانمار، ويعيشون الآن في ظروف صعبة في دول مثل بنغلاديش وماليزيا.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه خلال السنة الماضية، فرّ ما يقرب من 4.500 لاجئ من الروهينجا بالقوارب من مخيماتهم المكتظة في بنغلاديش لمحاولة الوصول إلى مقاطعة آتشيه في إندونيسيا، حيث يحلمون بالعودة إلى ماليزيا. حينها لقي ما يقرب من 600 من الروهينجا حتفهم في البحر، يواجه الناجون عداء متزايدًا من السكان المحليين في آتشيه.

‌ويقول أزول نامبلوه، المولود في مقاطعة آتشيه شمال جزيرة سومطرة الإندونيسية: "لقد استقبل الصيادون في قريتي "بيروين" بسخاء كبير الروهينجا الذين نزلوا من قواربهم في السنوات الأخيرة".

وأضاف هذا الناشط، مشيرا إلى عقود من الصراع بين الانفصاليين المحليين والجيش الإندونيسي حتى بداية التسعينيات: "هؤلاء هم إخواننا المسلمون، ضحايا الدكتاتورية البورمية الذين ليس لديهم وطن ويبحثون عن السلام. من منطلق الرحمة والإنسانية، قدم لهم القرويون الأسماك والفواكه والخضروات... لم يكن عدد الروهينجا سوى بضع مئات وكان التعايش يسير بشكل جيد إلى حد ما، لكن كل شيء تغير في نهاية السنة الماضية".

وأوردت الصحيفة، أنه وفقا لمنظمة الأمم المتحدة، منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، فر أكثر من 1500 لاجئ من الروهينجا من مخيماتهم غير المستقرة في بنغلاديش للوصول إلى إقليم آتشيه عن طريق البحر، في قوارب مؤقتة. 

في هذا الصدد، أوضحت إميلي بوجوفيتش، من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جاكرتا: "كان ما يقرب من 140 من الروهينجا يعيشون بالفعل في آتشيه منذ وصولهم في سنة 2023، ثم هبط أحد عشر قاربًا في ستة أسابيع على شواطئ قرى مختلفة، التي أثارت بعض القلق لدى جزء من سكان آتشيه". 

‌ولفتت الصحيفة إلى أنه في ذلك الوقت، انتشرت في جميع أنحاء العالم صور تظهر حشدًا من الناس على الشاطئ وهم يلقون ركاب قوارب الروهينجا في البحر. تقول إميلي بوجوفيتش: "لكن القرويين قدموا لهم الطعام والماء، ثم اضطر القارب إلى المغادرة. لقد تمكن هذا القارب من الرسو في قرية أخرى على الساحل الشرقي لآتشيه".

حملة كراهية ضد الروهينجا
ووفق الصحيفة؛ يؤكد الصحفي الشاب في العاصمة باندا، آتشيه ريفاسيسا ميسانور أن "موقف بعض سكان آتشيه قد تغير تمامًا"، وأضاف قائلا: "كانت مجموعة من الروهينجا المتمركزة في موقف سيارات هدفا لحشد غاضب، واضطرت الشرطة للتدخل وتم نقل الروهينجا إلى موقع آخر". 

وأوضح ريفاسيسا أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في شباط/ فبراير ألهمت بعض الأحزاب لإطلاق حملة كراهية ضد الروهينجا على مواقع التواصل الاجتماعي "إكس" و"تيك توك" و"فيسبوك"، حيث قدمت الروهينجا على أنهم "تهديد لاستقرار البلاد".

‌وأكد الصحفي أن الروهينجا في آتشيه لم يرتكبوا أي عمل إجرامي: "لقد حدثت عدة سرقات لجوز الهند من مزرعة على الساحل، ولكن لم تكن هناك جريمة على الإطلاق". لكن رغم ذلك، قامت الحملة ضد الروهينجا بعملها التدميري، وتضاعفت ظاهرة الرفض عشرة أضعاف في آتشيه.

الفرار بطريقة غير شرعية إلى ماليزيا
وبينت الصحيفة أن هذه هي أكبر حركة لهجرة الروهينجا إلى إندونيسيا منذ سنة 2015، بحسب الأمم المتحدة، التي تعترف بـ"الوضع المتوتر". كما تحدثت إميلي بوجوفيتش عن "اللاجئين الضعفاء للغاية، والعديد من النساء والأطفال، الذين قدموا لهم المساعدات الإنسانية في مواقع مختلفة حيث يعيش 1.750 من الروهينجا اليوم".

‌وأوردت الصحيفة أن حوالي نصف اللاجئين تقل أعمارهم عن 18 سنة. ويظل مصير هذه العائلات غير قابل للحل تقريبا. ويقول أزول نامبلوه: "أعرف أن بعض القرويين في آتشيه يساعدونهم على ركوب قوارب صغيرة لعبور مضيق ملقا الذي يبلغ طوله 300 كيلومتر والوصول إلى ماليزيا. مرة أخرى بشكل غير قانوني".

ونقلت الصحيفة عن سليم الله من مخيم اللاجئين الروهينجا الضخم في كوكس بازار في بنغلاديش، حيث يعيش ما يقرب من مليون شخص من الروهينجا: "إننا نتطلع إلى العيش بحرية وأمان في بلد آخر غير بورما". 

ويعيش سليم، وهو أحد الناجين من الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش البورمي سنة 2017، مع عائلته في "كوخ" مصنوع من الخيزران والبلاستيك. وأضاف هذا الرجل الشجاع الذي أسس منظمة غير حكومية صغيرة، باسم "شركاء مجتمع الروهينجا"، لمساعدة آلاف الأطفال في المخيم حيث يستمر الوضع في التدهور: "السلطات تمنعنا من البناء بشكل دائم، ولا يُسمح لنا بالعمل، نحن عالقون هنا". 

جحيم مخيمات الروهينجا في بنغلاديش
أصبح الأمن في المخيمات مصدر قلق كبير، مع ارتفاع حاد في معدلات الجريمة. على مدى السنوات الخمس الماضية، تم ارتكاب أكثر من 100 جريمة قتل، وازدهر تهريب الأمفيتامين الذي تنظمه العصابات.

علاوة على ذلك، ينخرط متمردو الروهينجا أيضًا في عمليات ثأر في المخيمات التي قُتل فيها العشرات من زعماء المجتمع المحلي. ووجد نحو 4000 من الروهينجا أنفسهم بلا مأوى بعد أن دمر هجوم متعمد مخيمهم في أوائل كانون الثاني/ يناير، مما أدى إلى حرق ما يقرب من 800 مأوى. كما تنتشر الحرائق في العشرات من مخيمات لاجئي الروهينجا في بنغلاديش، خاصة خلال موسم الجفاف من تشرين الثاني/ نوفمبر إلى نيسان/ أبريل.

إلى جانب ذلك، أصبح الشباب، الذين ليس لديهم آفاق مستقبلية، ولا يحق لهم مغادرة المخيمات أو العمل، فريسة سهلة لجميع أنواع الاتجار والأنشطة الإجرامية ذات العواقب الوخيمة.

اظهار أخبار متعلقة


وبينت الصحيفة أن مأساة الروهينجا، منذ القمع العسكري البورمي في سنة 2017، وصلت إلى طريق مسدود تمامًا؛ حيث تعاني ميزانيات وكالات الأمم المتحدة من نقص شديد. ولا تعتزم بنغلاديش دمجهم أو تنظيمهم، بل تدافع عن حل العودة الطوعية إلى بورما، فيما يقول سليم: "أريد العودة إلى منزلي، ولكن مع ضمان الأمان والعثور على منزلي وأرضي...".

للأسف لم يتحقق هذا الحلم منذ انقلاب شباط/ فبراير 2021. أصبح الفرار عن طريق البحر محفوفا بالمخاطر بشكل متزايد: توفي ما يقرب من 600 من الروهينجا في سنة 2023 في مياه جنوب شرق آسيا. وكانت آتشيه، المقاطعة الوحيدة التي رحبت بهم، ترفضهم بدورها. يؤكد سليم: "لم أرغب أبدا في الذهاب إلى البحر، فهو خطير جدا. لكنني لا أرى كيف يمكنني الهروب من هنا إلى كوكس بازار... أريد العودة إلى بورما!".
التعليقات (0)