قضايا وآراء

لماذا المقاطعة الاقتصادية؟

أشرف دوابة
"سلاح" المقاطعة ليس أمرا جديدا- إكس
"سلاح" المقاطعة ليس أمرا جديدا- إكس
على أرض غزة مواطن العزة ومنبع الكرامة ومصنع الرجال وهامات النساء وشجاعة الأطفال، كسا الإجرام الصهيوني وحليفه الأمريكي الأرض بالدماء، ولم يترك للإنسانية مكانا، فقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وهدم البيوت واقتلع الأشجار.

وفي ظل التخاذل العربي والإسلامي الرسمي في نصرة أهل غزة، فلا أقل للشعوب المسلمة من مقاطعة السلع الصهيونية والأمريكية وكل من وقف مع هذا الكيان المحتل، من خلال الكف عن شراء سلعهم وخدماتهم، ورفع شعار المقاطعة وممارسته عمليا حتى يصبح شيئا مألوفا ولازما من لوازم الحياة اليومية، تزول معه الأسماء والأشياء التي تتبع أو يفرزها هذا الكيان المعتدي.

إن سلاح المقاطعة يمثل أضعف الإيمان والحد الأدنى المطلوب للمقاومة، وهو في الوقت نفسه سلاح فعَّال ومهم، فأمريكا تناصر دولة الكيان الصهيوني بالباطل مستخدمة في ذلك المال الأمريكي والسلاح الأمريكي والفيتو الأمريكي، ولا ينبغي لنا أن نستخدم أموالنا في دعم عدونا، والمساهمة في تحويل هذه الأموال إلى صواريخ وقذائف مدفعية ورصاص يستقر في صدور إخواننا في غزة.

في ظل التخاذل العربي والإسلامي الرسمي في نصرة أهل غزة، فلا أقل للشعوب المسلمة من مقاطعة السلع الصهيونية والأمريكية وكل من وقف مع هذا الكيان المحتل، من خلال الكف عن شراء سلعهم وخدماتهم، ورفع شعار المقاطعة وممارسته عمليا حتى يصبح شيئا مألوفا ولازما من لوازم الحياة اليومية، تزول معه الأسماء والأشياء التي تتبع أو يفرزها هذا الكيان المعتدي

والمقاطعة الاقتصادية ليست بدعا، فقد عرفها وطبقها المشركون في مكة على بني هاشم وبني المطلب حتى يسلّموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، وامتنعوا عن البيع لهم أو الابتياع منهم، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود. كما طبقها ثمامة بن آثال الحنفي رضي الله عنه بعد إسلامه على مشركي مكة، فمنع قمح بلده اليمامة من أن يصل إليهم، فاستغاثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل.

وفي القرن الماضي قاطع الزعيم الهندي غاندي العادات والمنتجات البريطانية، وحمل الهنود على ذلك، حتى أعلنت بريطانيا سحب آخر جندي إنجليزي من الهند سنة 1947م. كما قاطعت مصر المنتجات البريطانية بعد أحداث ثورة 1919م، وعقب معاهدة 1936م حتى تم إلغاؤها عام 1951م.

وفي حرب أكتوبر 1973م قامت المقاطعة الاقتصادية العربية من خلال صدمة النفط بحظر تصديره للولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة للكيان الصهيوني؛ بدور فعال ومؤثر، حيث إن المصالح الاقتصادية أرغمت بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتها لنقل العتاد العسكري من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الكيان الصهيوني، وأصدر وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة بيانا طالبوا فيه هذا الكيان بالانسحاب من الأرض العربية المحتلة.

وفي أيامنا هذه ما زلنا نجد فرنسا تقاطع ليل نهار ليس البضائع الأمريكية فحسب، بل اللغة الإنجليزية، والأفلام الأمريكية، والوجبات الأمريكية، بل إن أمريكا نفسها طبقت سلاح المقاطعة ما بين عامي 1993- 1996م ستين مرة ضد 35 بلداً وما زالت تطبقه، وإن استخدمته بشكل مقلوب ووحشي من خلال حصارها للدول والشعوب غير الموالية لها من كوبا إلى إيران مرورا بليبيا وكوريا الشمالية والسودان، والعراق الذي فرضت عليه مقاطعة شاملة منذ آب/ أغسطس 1990م وحتى عدوانها عليه واحتلاله وإسقاط نظام صدام حسين في عام 2003م.

بل إن الكيان الصهيوني نفسه طبق سلاح المقاطعة على السلع البلجيكية في عام 2003م وطلب من يهود العالم عدم شراء هذه السلع، ردا على قرار المحكمة العليا البلجيكية بإمكانية محاكمة أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي كمجرم حرب بمجرد خروجه من الوزارة وانتهاء حصانته، وقد أدت هذه المقاطعة إلى تراجع السلطات البلجيكية عن موقفها بشأن هذه المحاكمة. كما طبق الكيان الصهيوني هذا السلاح حصارا على غزة سبعة عشر عاما.

فلا قيمة لما يردده الواهنون والمخذلون والمنهزمون من عدم جدوى المقاطعة، فما لا يدرك كله لا يترك كله، إن هؤلاء لا يريدون سوى التهلكة للأمة، وتثبيط جهود المجاهدين كما فعل المنافقون من قبل في غزوة تبوك. كما أنهم لا يريدون لهذه الأمة سوى أن تظل رضيعة طوال حياتها للبن الأمريكي والصهيوني، ولا يبغون لها الفطام، وبذلك تبقى هذه الأمة أسيرة للهيمنة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا.

والدراسة العلمية المتأنية لجدوى المقاطعة الاقتصادية فضلا عن البعد الشرعي تبين أن هذه المقاطعة فريضة شرعية وضرورة اقتصادية لما يلي:

أولا: المقاطعة نكاية بالكيان الصهيوني الذي أصاب اقتصاده الشلل التام في ظل عدوانه على غزة، وهي تسهم في النزيف المستمر لاقتصاده، الذي يخسر يوميا منذ العدوان ما لا يقل عن 170 مليون دولار، فضلا عن انهيار سوقه المالي، وانخفاض عملته، وهروب الاستثمارات الأجنبية منه، وضرب السياحة في مقتل، وخروج أكثر من 760 ألف عامل من دولاب العمل.

ثانيا: المقاطعة عامل ضغط على الحكومة الأمريكية، فالولايات المتحدة دولة تحركها المصالح، والمطلع على آليات العمل السياسي الأمريكي فيها يجد أنها لا يحكمها السياسيون بقدر ما يحكمها رجال المال والأعمال، فالسياسيون وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب في غالبيتهم يمثلون الشركات الكبرى الأمريكية، والإضرار بمصالح هذه الشركات وأرباحها هو إضرار مباشر باللاعبين الحقيقيين خلف الستار والقادرين على تحويل مسار السياسة الأمريكية بالفعل لا بالقول، وهو ضرب على العصب الحساس العاري.

إن مقاطعة السلع والمنتجات الأمريكية ستؤدي إلى كساد تلك المنتجات وتكدسها في مستودعات الشركات، ومن ثم انخفاض دخل تلك الشركات، واضطرارها إلى تسريح الآلاف من العمال، وبالتالي انتشار البطالة، مما يشكل عامل ضغط على الحكومة الأمريكية للتراجع عن سياستها العدوانية.

ثالثا: المقاطعة تؤدي إلى ترسيخ الانتماء الوطني والإسلامي بخلقها جيلا من النشء على وعي بالأحداث الجارية في أرض الإسراء والمعراج المحتلة، وبث الروح في تلك القضية العادلة.

رابعا: المقاطعة وسيلة للتكامل العربي والإسلامي، بترتيب الأوراق العربية والإسلامية من جديد ورفض الهيمنة الأمريكية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتشجيع الصناعة المحلية.

ولا عبرة لما يردده الواهنون من تأثير المقاطعة بالسلب على العمالة، فالطلب على السلع الصهيونية والأمريكية التي يتم مقاطعتها يكون كفيلا بحفز استثمارات بديلة لتلبية هذا الطلب، مما يستوعب هذه العمالة، ويعطي فرصة تاريخية للمستثمرين العرب والمسلمين لتوسيع نشاطهم واختيار علامات تجارية خاصة بهم، والسيادة في الأسواق العربية والإسلامية.

كما أن هؤلاء الذين يتباكون على العمالة التي ستخسر وظائفها كما يدعون بسبب سياسة المقاطعة لم يؤلمهم أبدا خروج مئات الآلاف من العمال من وظائفهم بسبب سياسة الخصخصة التي فرضتها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي على غالبية الدول العربية والإسلامية.

إن هؤلاء الواهنين الذين يحصرون تركيزهم على الأذى الذي يمكن أن تحدثه حملة مقاطعة الشركات الأمريكية بالاقتصاد المحلي بحجة أنّ هذه الشركات تنعش الاقتصاد وتشغل العاطلين عن العمل، وتفيد الشركاء المحليين، وتحضر معها الاستثمارات، نسوا أو تناسوا أنّ نظرتهم قصيرة المدى، ففي المدى المتوسط والطويل يؤدي انخفاض الطلب الاستهلاكي على منتجات الشركات الأمريكية إلى ارتفاع مقابل للطلب الاستهلاكي على منتجات الشركات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية غير الأمريكية، وهذا يعني ارتفاع العائدات والتوظيف والعمالة لدى هذه الشركات، لأنّ نجاح حملة المقاطعة ضد الشركات الأمريكية يمثل تحولا إلى سلع بديلة للسلع الأمريكية، لا انخفاضا في مجمل الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات ككل.

من المهم اتحاد الشعوب العربية والإسلامية مع المؤسسات الأهلية والرسمية جنبا إلى جنب لتفعيل المقاطعة بصورة مؤسسية لتكون مخططة ومنظمة وهادفة ومستديمة وذات نفس طويل، فتكون ثقافة وفكرا وسلوكا وقيما وعادات تنعكس في مأكلنا وفي مشربنا وفي ملبسنا وفيما نقرأ وفيما نشاهد ونسمع

فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الشركات المحلية بالتحديد، ثم العربية والإسلامية، تختلف عن الشركات الأجنبية من ناحية مهمة جدا، وهي أنها لا تعيد أرباحها من مبيعاتها المحلية والعربية والإسلامية إلى أمريكا والكيان الصهيوني، بل تحتفظ أو تعيد استثمار جزء أساسي من هذه الأرباح محليا وعربيا وإسلاميا، وبالتالي تنعش الاقتصاد المحلي أكثر مما تنعشه الشركات الأجنبية لو تحققت لها هذه الفوائض من الربحية. ومن هنا يبدو بوضوح أنّ توجيه الطلب الاستهلاكي يصبح حاجة تنموية وطنية، بالإضافة إلى كونه ضرورة سياسية ملحة لدعم أهلنا في غزة، فالمقاطعة تعني سوقا أكبر للشركات المحلية.

إن نجاح حملات المقاطعة على المنتجات الأمريكية والصهيونية تحمل معها الخير الكثير للاقتصاديات العربية والإسلامية، لما ينتج عن ذلك من ازدياد في الطلب على منتجات الشركات المحلية والعربية والإسلامية، وما يترتب على ذلك من انخفاض في الواردات، وازدياد في الصادرات العربية والإسلامية البينيّة، وبالتالي ازدياد المدّخرات المحلية والعربية والإسلامية، وانخفاض العجز في الميزان التجاري، وتخفيض الضغط على العملات المحلية مقابل الدولار، فضلا عن زيادة فرص الاستثمار الاستثماري وتشغيل العمالة.

وأخيرا، فإنه من المهم اتحاد الشعوب العربية والإسلامية مع المؤسسات الأهلية والرسمية جنبا إلى جنب لتفعيل المقاطعة بصورة مؤسسية لتكون مخططة ومنظمة وهادفة ومستديمة وذات نفس طويل، فتكون ثقافة وفكرا وسلوكا وقيما وعادات تنعكس في مأكلنا وفي مشربنا وفي ملبسنا وفيما نقرأ وفيما نشاهد ونسمع. وليكن شعارنا العملي جميعا: "قاطعوا البضائع الصهيونية والأمريكية ما استطعتم إلى ذلك سبيلا".

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)